الفصل الخامس

330 30 27
                                    



بعد انتهاء عزاء العم جلال الدين الذي استمر لخمسة أيام. جلس الجميع في يومهم السادس في الصالون يتوسطهم كمال قدري الذي قال وهو ينظر نحو شيلان :" شيلان يا ابنتي هنالك ما أريد ان اخبركِ به انتِ وجميع الحاضرين. لأني اخاف ان يحدث لي مكروهاً ما ولم اوصل الامانة التي تركها لكِ والدكِ ". بمجرد ما ذكر والدها حتى سقطت دموع شيلان لكنها جففتها حتى لا تقطع على عمها كمال حديثه الذي اكمل بعد ذلك وهو يضع على الطاولة امام الجميع ظرفاً:" هذه اوراق تخص كل أملاك والدكِ. منها ورقة تخص مشفى قريبة من هنا تعود ملكيتها لعائلة والدكِ لكن بما ان الجميع قد توفي ولم يبقى سواكِ يا ابنتي لهذا انتقلت إليكِ ". اخذ عمها كمال نفسا ليتمالك نفسه فهو لا يصدق حتى هذه اللحظة أنه فقد صديق عمره :" هنالك ايضاً املاكاً اخرى ستجدينها في هذا الظرف جمال يعرف عنها كلها سيأخذكِ ذات يوم لرؤيتها وتسجيلها بإسمكِ .. ". نظرت شيلان إلى شاهين الذي كانت بجواره تجلس ميرفت وابنتها وابنها الصغير. فشعرت بالغيرة رغماً عنها لتعود وتنظر إلى عمها وسألته: " هل يعقل أن جميع أفراد عائلة والدي قتلوا ولم يبقى سواي يا عمي ؟!". زفر عمها بحزن وقال:" للأسف يا ابنتي هذا ما حدث ". لتبكي شيلان وتقول حزينة:" يبدوا ان والدي عانى كثيراً في حياته وفقد الكثير من احبته .. حتى موته كان مؤلم وكأن الحياة لم تكتفي بإيلامه حتى تعذبه الى اخر نفساً به ". عندها صمت عمها كمال وهو يغالب دموعه حزناً على صديقه ورفيق دربه مسح وجهه وجفف دموعه وقال:" ما اريد قوله اننا نحن ضيوفك يا ابنتي وأنتِ صاحبة المكان ". فقالت شيلان وقد جففت دموعها هي الاخرى: "عمي كمال انا افضل ان يبقى كل شيء مكانه .. المزرعة والمشفى وكل ما وضعه والدي بيدك لتحقيق حلمه .. فلا حاجتي له ". " لكن يا ابتتي ..". " ارجوك يا عمي دون لكن .. انا لا احتاج للمال .. فالمال يعوض لكن هنالك امور واشخاص لا يعوضهم المال .. وطالما والدي هو من قرر ما يفعله بكل هذه الاملاك اعتقد ان خياره الافضل ". صمت كمال ثم نظر الى رقية وقال:" سأتظاهر انني لم اسمع شيء من ابنتك يا رقية فما رأيكِ انتِ؟؟ ". نظرت والدتها نحوه ثم قالت بحزن:" جلال كان يحبك كثيراً يا كمال ويثق بك جداً وعندما تركت ابنائك لم يفكر للحظة ان يكتفي بمراقبتهم عن بعد كما كان متفق بينكما بل خاطر بكل شيء واخذهم للمنزل ليعتني بهم بنفسه .. وقرر ان يخاطر بكل شيء وقال اما نحيا معاً وأما نموت معاً .. بعد ذلك قرر انه لن ينجب أي أطفال وسيكتفي بأربعتهم حتى يستطيع الاعتناء بهم وتجهيزهم لليوم الذي تقرر العودة فيه ". ليصمت الجميع وهم ينصتون لما خفي عنهم. جفف كمال دموعه وقال :" لا اعرف كيف سأسدد له كل معروفه فقد اثقلني بما فعله لي ولأبنائي ". عم صمت مليء بالحزن لكن ذلك الصمت قطع بدخول خالة شيلان وبيدها طفل في الخامسة من عمره ذو شعر اسود وعينان زرقاوتين أبيض البشرة. وفجأة ودون سابق انذار اخذ يركض بالمكان نحو شيلان التي كانت جالسة تجفف دموعها محدثاً ضجة كبيرة وهو يصرخ باسمها بكل سعادة. لم تشعر شيلان سوى وهي تضمه بين ذراعيها وتقبله بكل شوق وحنان. كان الجميع بلا استثناء ينظر نحوها باندهاش لدرجة انهم تجمدوا في اماكنهم. ولم يتحرك فيهم سوى أعينهم التي كانت تتابع ما يحدث. ابتعد الطفل عنها قليلاً وقام بتجفيف دموعها بحنان وهو يقول:" لماذا تبكين يا ماما؟؟ هل اشتقتِ لي ؟ ام ان هنالك ما يزعجك؟!". رفعت شيلان شعره عن جبينه وقبلته وهي تهز رأسها بلا شيء. لتنهض والدتها وهي تشعر بدوار مما يحدث امامها ثم استدارت لأختها الغير شقيقة:" صفية ". لتقترب خالة شيلان من اختها وتحتضنها قائلة بحزن شديد: "قلبي معكِ يا رقية ". لكن رقية لم تقل شيء سوى:" من هذا الطفل الذي اتيتِ به يا صفية؟؟ ". لتتبادل كلاً من شيلان وخالتها النظرات. لتوجه والدتها إليها السؤال الذي يرغب الجميع أن يسالونها اياها:" شيلان، من يكون هذا الطفل؟؟ ". لم تكن شيلان في حالة تسمح لها بقول او تفسير شيء فلاذت بالصمت وهي تضم طفلها بين ذراعيها لا تعرف هل لتحميه أم لتحتمي به. لتسمع السؤال يكرر عن طريق عدي الذي نهض فجأة غاضباً:" شيلان أجيبي ابن من هذا؟؟". وقبل ان تجيب رأى كنان جهاد جالساً ليبتسم له يفلت من بين ذراعي والدته وذهب إليه ووقف أمامه. ليجن جنون والدتها الذي صرخت بها: " أجيبي من يكون هذا الطفل يا شيلان ؟ ". رفعت شيلان عينيها الحمرواتين لعدي ووالدتها وقالت:" ابني ". حل صمت غريب بالمكان ليقطعه برزان سائلاً إياها وقد وقف هو الآخر من هول الموقف:" من والده ؟؟ جهاد ؟؟". استرقت النظر دون وعي منها نحو شاهين الذي كان ينظر نحوها متجمداً منتظر نتيجة التحقيق ثم أخفضت عينيها لم تستطع أن تنظر إليه أكثر من ذلك. متذكرة قوله آخر مرة بالمشفى لتبكي حينها فوقعت قلوب أربعتهم ليسمع الجميع الطفل وهو يقول بكل ثقة :" جهاد ليس أبي بل عمي .. ". نظر الجميع إليه بلا استثناء بينما كان هو ينظر إلى شاهين بعينان تلمعان بسعادة غريبة وهو يقول :"انا والدي شاهين .. اسمي كنان جمال كمال قدري .. ". نظر الجميع الى الطفل الذي يبدوا عليه انه يسبق عمره بذكائه الملاحظ عليه وبشبه الكبير بوالده لتسأله جدته رقية:" هل جمال .. والدك حقاً ؟؟". نظر كنان إلى جدته رقيه ثم إلى شاهين وقال بثقة: "نعم .. ماما قالت لي ذلك ". ليسألها عدي غاضبا:" لماذا اخفيته يا شيلان ؟؟ ". لتقول شيلان بضعف:" لأني كنت غاضبة منكم جميعا كونكم قمتم بخداعي واخفيتموا عني الكثير من الاسرار كل ذلك الوقت فأردت ان تذوقوا طعم الخداع وإخفاء الاسرار ". عندها اقتربت والدتها وصفعتها صارخة بها: "هل ذنبنا أننا لم نكن نريد أن نعرض حياتك للخطر كما كنا نفعل بأنفسنا .. لم أكن اعلم كم أنتِ فتاة غبية ومغفلة إلى هذه الدرجة". اخذت شيلان تبكي عندها ابتعد كنان من جوار جهاد وسار الى والدته ووقف ينظر الى ثلاثتهم بغضب وكأنه يحذرهم من قول او عمل شيء لوالدته ثم استدار نحو والدته وضمها وهو يقول: "هيا لنغادر هذا المكان يا ماما .. انهضي معي ". كانت مشاعر عمها كمال متخبطة بين سعادته بوجود ابن لجمال وبين خيبة أمله من فعلت ابنة صديقه الغالي بهم هذا. حاول أن يمسك أعصابه وقال:" والدك لطالما احبك يا شيلان .. صدقيني كل ما فعله والدكِ كان من اجل مصلحتك .. لكن ما فعلته انتِ يا ابنتي أمراً خاطئ جداً فهذا الطفل كان يجب أن يربى هنا بين أفراد عائلته وفي حضن والده فهذا من حق ابنكِ عليكِ .. أنتِ لم تعاقبين احد سوى طفلك ووالدكِ الذي لطالما تمنى ان يرى حفيداً له ". لتنخرط شيلان في نوبة بكاء فهي تعرف ان والدتها لن تسامحها بسهولة كما انها خذلتهم جميعاً. الغريب في الأمر أن كنان ظل ينظر إلى شاهين الذي كان يبادله النظرات هو الآخر وعندما رأت رقية نظرات الصغير لشاهين كما لاحظها الجميع سألته وهي تحاول اخفاء انزعاجها:" هل تعرف من يكون الذي تنظر اليه يا صغيري ؟؟". هز كنان رأسه بالإيجاب ثم قال بثقة نفس:" نعم اعرفه. انه والدي شاهين.. والذي يدعى بالقائد جمال كمال قدري .. كما أنه ابن جدي كمال قدري الذي اراه دوما في التلفاز .. رئيس الحكومة الشمالية القادم .. انا اعرف ايضاً عمي عدي وطاهر وكرم وسيف. كما أنه لدي عمتين غادة وجلنار. حتى انتي اعرفكِ فأنتِ جدتي رقية زوجة جدي جلال الدين صديق جدي كمال قدري .. انا احفظ كل ما تخبرني به ماما". اقترب كنان من والدته واخذ يقبل وجنتها وينظر اليها لتنظر اليه فيبتسم لتبتسم هي بحزن ليهمس لها وكأنهم لا يسمعونه:" هيا لنغادر المكان يا ماما .. لنعد إلى منزلنا ". نهضت جدته فيروز وضمته لصدرها وقبلته وهي تقول: "يا إلهي كم تشبه والدك ". نظر كنان الى شاهين واخذ كلاهما يتبادلان النظرات استغرب الجميع كونه لم يغضب لم يعصف لم يفعل شيء فقط اخذ ينظر الى شيلان بخيبة أمل وبشيء من الراحة. فالذي لا يعرفونه كان أكبر خوفه من ان يكون هذا الطفل طفل جهاد. كان ذلك سيصيبه بمقتل ليفاجئ الجميع بترك كنان جدته والسير نحو شاهين وكأنه هنالك خيط سري يربط بينهما. فقد وقف كنان ينظر إلى والده عن قرب وكأنه لقى نجمه المفضل. فقد ابتسم له ببراءة اوقعت شاهين في حبه على الفور. شعر بالسعادة رغماً عنه غمرته غمرا فكم حسد كوران وبرزان لأنجابهم الاطفال بينما هو لم يحظى بأي طفل يستقبله ويناديه بابي فقد قضى سنين حياته بحلم عودته إلى الوطن حتى نسى نفسه. أمسك بيدي طفله وهو لا يصدق أنه أصبح لديه طفل يناديه بأبي. ابتسم له فبادله كنان بابتسامة اكبر حتى أنه لم ينتظر من شاهين أن يشمه بل هو من قام بضمه وطبع قبلة على وجنته ليضمه كذلك شاهين. ابتسمت بحزن جدته فيروز وقالت: "هل تعلم كم تشبه والدك؟؟". ابتسم لها كنان وقال:" بالطبع فماما أخبرتني أنني اشبه والدي كثيراً. كما أنها أخبرتني أنه كان طبيب بارع في مجاله. وأنه يجيد الكثير من الأمور الخارقة التي لا يستطيع عليها أحد". ابتسمت جدته فيروز ولاحظت كما لاحظ الحميع أن شيلان كانت تتحدث عن جمال بكل خير. والدليل على ذلك أنها ربت ابنها على حب والده بينما هي منفصلة عنه منذ ست سنوات. أما شيلان فقد شعرت بحرج شديد. لهنا ونهضت والدة شيلان والغضب بادياً عليها لينهض شاهين بدوره يريد اللحاق بعمته رقية التي غادرت المكان ليفاجئ بكنان يمسك بيده يسأله بحزن: " هل ستغادر يا ابي؟". لا يعرف كيف يصف ما شعر به شاهين وهو ينظر الى كنان الممسك بيده خائفاً من أن يختفي بعد ان وجده أخيراً. وضع يده على رأسه بحنان وقال مطمئناً إياه:" لا تقلق لن اغادر يا صغيري .. سأعود ". "هل تعدني يا أبي؟!". شعر بقلبه لأول مرة يرفرف سعادة منذ سنوات عند سماعه لكلمة أبي. "اعدك يا صغيري ". انحني شاهين وقبل طفله ثم نظر الى شيلان التي كانت تراقبهما وصدمتها لا تقل عن البقية. فمن كان يصدق أن كنان يتعلق بوالده في ثواني معدودة لكنها في حقيقة ذاتها لا تلوم صغيرها فطالما كانت متعلقة بشاهين منذ صغرها. بعد أن غادر شاهين نهضت هي الاخرى تلحق بهما فقد كانت تنتظر هذه اللحظة منذ سنوات وهي لحظة المواجهة. لينهض كلاً من برزان وعدي يريدان أن يلحقان بهم. لينهض جهاد هو الاخر يريد اللحاق بهم لكن عدي الذي كان اخر الذاهبين أوقفه قائلاً: " ابقى هنا رجاء، فهو امر خاص بنا". غضب جهاد وقال: "لكنني زوج شيلان ومن حقي ان اعرف ما يحدث ". " ومع ذلك ابقى هنا فزوجتك لن تطير منك ". وقف جهاد ينظر نحو عدي الذي لا يقل كراهية له عن شاهين. فتحت شيلان باب غرفة والدتها فوجدت والدتها تبكي بينما شاهين يضمها لصدره ويقول بحب: "أرجوكِ يا عمتي اهدئي.. لا اتحمل ان يحدث لكِ مكروهاً ما أنتِ أيضاً". عندما شعرت والدتها بوجودها استدارت إليها وقالت بغضب:" أخبرها يا بنيّ ان تغادر لا ارغب برؤيتها بعد اليوم". اخذت شيلان تنظر إلى والدتها بحزن وقالت:" لماذا كل هذه القسوة علي يا أمي؟". لكن والدتها أدارت وجهها عنها لتقول جيهان من بين دموعها: " منذ ستة أعوام لم تفكري يوماً أن تسأليني ما بي. هل فكر احدكم يزورني عندما غادرتكم؟ نسيتموني وكأنني كنت حملاً ثقيلاً عليكم واخيراً تخلصتم منه". لتصرخ والدتها بوجهها:" بل أنتِ من غادرتِ بكامل ارادتك ماذا تريدين منا عمله؟! ان منعناكِ قولتِ انتم تقفون بوجهي وان سمحنا لكِ قولتِ انتم لا بالون بي!!". فبكت شيلان وهي تقول: "الحقيقة انكِ في حياتك لم تشعرين بي .. لم تقفين معي في أمر.. عندما بلغت السادسة عشر أردتِ أن تتخلصين مني بزواجي من سليم وعندما حدث ما حدث ظهر فجأة شاهين الشهم ابنكم المدلل الذي قرر أن يسدد دينه الذي اثقلتموا كاهله باعتنائكم به وبأخويه. ليعرض عليكم ان يتولى هو مسؤولية هذا الحمل الذي اثقل كاهلكم". لقد صدم الجميع مما سمعوه. فهم لا يذكرون أن زواج شاهين بها كان دين يسدد بل كان عن حب دام احدى عشر عاماً. نظر إليها شاهين وقال بصوت حاول ألا بظهر فيه أي شيء من مشاعره:" لماذا فعلتِ ذلك؟ لماذا خبئتِ امراً كهذا؟". نظرت إليه بغضب وقالت: " ومنذ متى كان يهمك أن تحصل على طفل؟! هل نسيت كم مرة أخبرتني عن عدم رغبتك في الإنجاب؟!". نظر إليها وسألها: "هل أخفيته لتعاقبيني؟". نظرت إليه ولم تستطع أن تصرح بشيء فهدوئه وانكسار عينيه والحزن فيهما ألجم لسانها واشعرها بعظم فعلتها. وقف عدي بجوار شاهين وسألها:" لماذا لم تخبريني بذلك ؟؟ كنت تعرفين انه لن يحدث سوى ما تشائين ؟؟ لا اذكر اني خذلتك يوماً لكنك خذلتني اليوم ". نظرت إليه شيلان وقالت:" انظر إلى نفسك الآن كل هذا الغضب من اجل أخاك. اما انا فلست لك بشيء". نظر عدي إليها بغير تصديق وسألها: "متى احتجتِ إلى أحدنا ولم تجدينا؟! ". نظرت اليه شيلان وأخذت تذرف الدموع وهي تفكر من اين تبدء وماذا تقول؟ ليلجم لسانها ويتوقف دمعها عندما سمعت والدتها تقول:" غادري غرفتي لا ارغب برؤيتك حتى ان مت لا تحضرين جنازتي ". نظر الجميع الى العمة رقية التي كانت غاضبة جدا لتبكي شيلان وهي تقول بصدق:" انا اعتذر يا امي ان كان هذا قد يرضيك ". لتدير والدتها وجهها بعيداً وهي تقول:" غادري مع زوجك لا مكان لكِ بيننا ". تجمدت شيلان بمكانها وهي ترى والدتها فضلت شاهين وأخوته على وحيدتها. حملت حقيبة يدها وغادرت المكان حاملة كنان يرافقهما جهاد لكن اثناء ذلك سمعت شاهين يناديها من خلفها وقد خرج عن هدوئه طالباً منها أن تتوقف. استدارت شيلان نحوه وهي تشد بقبضتها حول كنان لتمنع اياً كان من الوصول إليه لتجيبه غاضبة:" ماذا تريد ؟؟". لكن شاهين فاجئها فهو لم يقل شيء بل اقترب منها ونزع كنان من بين يديها دون أي مقدمات. ليجن جنونها وهي تلحق به وتصرخ : " اعد ابني يا شاهين .. لا يمكنك اخذ كنان مني". استدار شاهين نحوها وقال: "ابني سيبقى هنا معي". اخذت شيلان تدفع بيديه عن صغيرها بينما كانت تصرخ: "عن أي ابن تتحدث؟! كنان ابني فقط هل تفهم ذلك؟!". امسك بها شاهين بعنف حتى يوقفها عن جنونها وقال بغضب:" من اليوم انسي ان لديك طفل يا شيلان ". كادت تفقد عقلها وهي ترى وجه شاهين وهو يهددها فأخذت تبكي وتشد يديه محاولة منها ان تصل لكنان لكن شاهين امسك بكنان بيد واحدة وبيده الاخرى دفعها عنه بغضب فإذا بها تسقط على الأرض. صرخت متألمة من شدة الوقعة لكن ذلك لم يغير من موقف شاهين فقد أدار ظهره لها. وسار نحو المنزل لتنهض عندها ناسية كل ألم تشعر به. فأخذه لكنان اكبر آلم قد شعرت به بعد وفاة والدها. اقترب جهاد منها وامسك بها وقال:" شيلان دعينا نغادر ونعود فيما بعد .. إنه ابنه على كل الأحوال ". دفعت شيلان جهاد من أمامها وهي تصرخ بغضب:" إنه ابني فقط .. ليفهم الجميع ذلك ". ثم استدارت ولحقت بشاهين الذي كان يسير متجهاً نحو المنزل. رأت حينذاك كنان يبكي وهو ينظر نحوها ويمد يديه نحوها. لكن دون ان يصدر اي صوت منه فعرفت انه فزع مما يحدث. لكن شاهين كان قد دخل المنزل واغلق الباب خلفه ليجن جنون شيلان التي اخذت تطرق الباب بكل جنون وهي تصرخ باكية:" شاهين .. أرجوك .. اعد ابني .. اعد كنان .. اعده يا شاهين". فتح الباب فجأة وظهر عمها كمال لتمسك بيده وترجوه من بين دموعها:" عمي كمال اتوسل إليك اخبره ان يعيد ابني .. ارجوك يا عمي .. اعده لا استطيع ان اعيش دون ابني". ليمسك بها عمها كمال وقال:"اهدئي يا ابنتي ابنك سيعود إليكِ لن يأخذه احداً منكِ". نظرت نحوه شيلان وقد رأت به بصيص الأمل في عودة ابنها إليها. فمن المؤكد أن شاهين لن يرفض طلب والده. لترى عمها كمال ينظر نحو شاهين آمرا إياه بإعادة كنان إلى والدته." ابني لن يعيش بعيداً عني يا أبي بعد اليوم. وسأسامحها من اجل عمي جلال فقط. لهذا تستطع زيارته متى شاءت غير ذلك ليس لها اي شيء لديّ ". امسكت شيلان بعمها كمال وقالت باكية:" ارجوك يا عمي اعد لي ابني". ليتدخل عدي قائلا:" جمال لا يصح هذا اعد كنان لوالدته ، وسنتفاهم بعد ذلك ". ليصرخ شاهين به:" لا دخل لاحداً منكم با ابني ". صرخ به والده لأول مرة :" جمال قولت لك اعد كنان لوالدته ". ليصرخ شاهين هو الاخر وكأن الحنون ضرب بالمكان وأصحابه:" ابني لن اتركه .. اما هي ستنسى منذ هذه اللحظة ان لها طفل ". جن جنون شيلان حينها لتسير نحوه صارخة به:" ستعيد ابني إلىّ يا شاهين رغماً عن انفك .. اتفهم ". لتفاجأ به يدفعها بعيداً عنه لتسقط على الارض مرة أخرى. رغم الألم الذي أصابها والمهانة إلا أنها وقفت مرة أخرى. مستعدة أن تحارب لأجل طفلها إلى النهاية. ليفاجئ شاهين بوالدته تصرخ به وهي تشد كنان من بين يديه:" اعطني كنان يا شاهين .. هل جننت حتى تضرب والدته امامه وتصرخ بها هكذا؟؟ اتركه ". واخذت كنان من بين يديه لتضعه على الارض ليفاجئ الجميع بكنان يرجف من شدة الفزع ووجهه مصفر وقد التصق شعره بوجهه من شدة تعرقه ودموعه الذي كان يذرفها في صمت. لتسقط بجواره جيهان تضمه وتبكي لمنظره ذاك. لكن ما صدم الجميع وأحزنهم هو رؤيتهم لكنان وقد بلل سرواله. لتبكي جدته فيروز وهي تنظر الى شاهين وتقول:" هل جننت ؟؟ ما الذي دهاك لتخيف ابنك هكذا ؟؟ انظر ماذا فعلت به ؟؟". تجمد شاهين بمكانه وهو يرى كيف تغير حال صغيره من طفل واثق من نفسه مبتهج الى طفل يرجف من شدة الفزع لدرجة التبول على سرواله. اخذت شيلان تضمه وتحاول أن تطمئنه لكن كنان ظل متخشباً في مكانه فقد كان الأمر اكبر منه. عندها عرف شاهين فداحة عمله الأحمق الذي ساقه اليه غيرته وخوفه من اختفاء شيلان بطفلهما مرة أخرى. جلس شاهين بجوار كنان وقال نادماً:" بني .. كنان..". لينظر إليه كنان بعينان جاحظتين من شدة الفزع بينما دموعه تسيل وزاد ارتجاف جسده. فضمته شيلان لصدرها وهي تنظر الى شاهين وتقول بكراهية:" لا يمكن ان تكون اب .. لا يمكن ان يكون لديك قلب حتى .. انظر إليه.. انظر ما فعلت بابني المسكين .. أنت لا تصلح أن تكون أباً أبداً". لم تكن كلمات شيلان سوى حمماً نارية وقعت بقلبه فأحرقته.

أبناء النار و الجبال ( مكتملة ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن