|النكبة|

597 49 83
                                    

سمعت صوتها، يبدو أنها غاضبة، صليت بداخلي أن تكون النوبة المعتادة وألا يتفلت الأمر من أيدينا.

«ماري، أسيل، نوح، تعالوا الآن!»

بصوتٍ صاخب نادتنا فاستنبطت ما سيحدث بعد دقيقة، أسرعت بإدخال ماري وأسيل أختاي الصغيرتان غرفتهما، أغلقت الباب بالمفتاح، ووضعته حيثما أضعه كل مرة، وأسرعت إليها حتى لا تزداد ثورتها.

«ها أنت ذا، هل أوصدت الباب عليهم جيدًا هذه المرة أيضًا؟ خوفًا من أن يفترسهما الحيوان الذي تربونه؟ أخبرني نوح، لمَ تتركونه يعيش بينكم بينما كان دائمًا مصدر رهبة وإزعاج لكم؟»

كانت تتكلم بهدوءٍ مربك، بينما تقترب مني أكثر بعد كل كلمة.

«يا أمي، ماري وأسيل لديهم دراسة، فأردت ألا ينشغل..»

قاطعتني بعد أن دارت بعينيها في الغرفة حولنا.

«نوح، هذا أخر تحذير لك، إن لم تعدل عن سلوكك سأحرمك من أي متاعٍ لك، ولن تخطو عتبة البيت لأي عذرٍ كان!»

تحولت نبرتها إلى عالية مفزغة.

«لا لا، لا يجب عليّ أن أصبر عليك أكثر.»

جفلت.

«قلت أني لن أجعلك تخطو باب المنزل صحيح؟ لا، هيا الآن، لن ترى هذا المنزل ثانيةً.»

لا أذكر أنني ذقت فزعًا يضاهي هذه اللحظة في حياتي.

ونفذَت ما قالته، طردتني خارج المنزل.

«جميعكم تكرهونني، جميعكم، لا أعلم لمَ تعاملوني هكذا، أكنت عدوتكم؟ فلتقتلوني ولترتاحوا إذًا فأنا لست مسلحة حتى! لن أقاوم! وأنتما، فقط عندما أجد مفتاح الغرفة ستذوقون مني ما لم تذوقونه من قبل، إن الخطأ خطئي.. كان يجب علي أن أحسن تربيتكم!»

سمعت صراخها من وراء الباب، وثمة بكاء بعيد، تبينت أنه بكاء ماري وأسيل، حتمًا انتابهم الرعب من صوتها.

أخذت أبكي بشدة، أبكي لأنني لا أعلم ما بها، ما أفعله صحيح أم خاطئ، ما يجدر بي فعله، وإلى أي وجهة تأخذني الأيام..

حينما تعود إلى رشدها تكون قد مُحي كل ما فعلته من ذاكرتها.. تفزع من عدم وجودي بالبيت ومن بكاء ماري وأسيل المتواصل، يخبرونها أنني بالخارج، فتقوم بفتح الباب، تجدني لم أبرح عتبة المنزل، تمتلئ مقلتيها بالدمع، وشفتيها باعتذارٍ أبى أن يُنطق، فاندفع إلى عناقها باكيًا.

في يومٍ آخر، وساعةٍ أخرى، كنتُ قد أنهيت دراستي واستلقيت على سريري أشرع في النوم، حينما دخلت أمي قائلةً دون مقدمات:

«ألا ترى يا نوح أنك فاشلٌ أكثر من الحد المقبول للفشل حتى؟»

تنهدت.

«تمنيت طويلًا أن أسير بين الناس إفتخارًا بابني الطبيب أو المهندس..»

قالت وكأنها تحدث نفسها وهي تدور بأعيونها في الغرفة، تقصد ابنها المختل النفسي، ما تفعله وتقوله على الدوام ينتج هذا ليس إلا.

مرسىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن