١٥

1.1K 64 20
                                    






فعل شراب تاجر ' فالباريزو ' ودُخان التَبغ الأزرق فعلهما ، وقد تحالفا مع تعب أيامٍ من المشي ورفاهة السَرير الهولندي ، إذ نام جونغكوك كالأموات ، واستيقظ وكأنه وُلِد من جديد برأس ثقيل وسط نعومة وسادة الريش ، وأطراف مُرتخية ، واستمع لحظاتٍ طويلة لإيقاع قلبه الهادئ وقد مرَت عليه سنوات لم يحسَ بنفسه شاباً فتياً .

كان ريكاردو قد منحه غرفة نجله ، وعادت حجرة ابنته المجاورة إلى تايهيونغ ، وبعد أن استغرق في النَوم على الأريكة لم يتفطَن تايهيونغ حتى إلى جونغكوك الذي حمله إلى السَرير ذي الملاءات البيضاء النَظيفة والمُعطَرة بعطر لطيف ، وكأنه هُيِّئ لاحتضان نوم أحد الأمراء .

تمطى جونغكوك ، وكان ضوء النهار يلاعب طيات السَتائر المُسدلة ، وتناهت إلى سمعه أصوات تتردَد في الخارج ، فنهض ولبس ثيابه على عجل وغادر الغرفة .

كانت أرجاء المنزل تعبق برائحة الخبز والقهوة ، هل يستحقُ وهو القاتل الصُعلوك أن يمرَ ولو للحظة بهذا المكان الذي تكتنفه الفتنة ؟ ألن يكدِّر صفوه ؟ حاول جونغكوك ألا يتفطَن إليه أحد وهو يعبر المنزل في خفَة النَّسائم .

وقف على العتبة مأخوذاً ، كان تايهيونغ يضحك ملء شدقيه برفقة ثلاثة صبية صغار وهو يرقص على العُشب النَدي الذي يتلألأ تحت أشعة الشمس .

وهناك بعيداً قُرب مستودع الحطب كان ريكاردو ينعم بالشمس ويداه في جيبه ، بعد أن تخلى عن جراره لحظات يراقبه ، مسح جونغكوك على وجهه بيده وتقدَم نحو حلقة الأطفال .
مَن هم ؟ من أين خرجوا ؟ كيف ؟ وبأي وسيلة نقـ ..

قال ريكاردو وقد وضع فجأة يد الحطاب على ذراع جونغكوك :
" لا تُزعجهم ، هم يستمتعون باللَهو . "

حدق جونغكوك في بؤبؤي عيني الرَجل يبحث فيهما عن أجوبة لأسئلته ، فقال له ريكاردو مُقترحًا :
" تعالَ ، ينتظرك إفطار في الداخل . "

تبعه جونغكوك إلى داخل المنزل دون أن يُبدي مقاومة ، وقد تعالت وراء ظهره ضحكات الأطفال النَقية المُبتهجة ...

في قاعة الجلوس ملأ ريكاردو فنجانين من الخزف المطليِّ قهوةً كان قد وضعهما على المائدة قُرب الأريكة ، ثم مدَّ أحدهما إلى جونغكوك الذي فغر فاه مذهولاً وعجز عن أن ينبس ببنت شفة ، فنصحه ریکاردو قائلًا :
" لا تحاول ، فقد علمتني الحياة أن أقبل السعادة غير المعقول منها ولا المقبول ، فاقبل السعادة واصمت ، فلا جدوى مما تطرحه على نفسك من أسئلة ... فقد رأيتَهم كلَّهم كما رأيتُهم أنا معك ، أليس كذلك ؟ وتستطيع أن تشهد بأنهم حقيقةٌ كما تايهيونغ الذي أمسك أيديَهم ليتحلَقوا ، وهذا يكفيني ، فهم يأتون ثلاثتُهم ليروني كلَّ صباح منذ قرابة الأربعين سنةً ! "

دموع ألقاتل |TKحيث تعيش القصص. اكتشف الآن