ولجت "غادة" مرةً أخرى إلى غرفة "فرح"... أغلقت الباب خلفها بهدوء، كانت تحمل في يدها فنجانًا كبيرًا تتصاعد منه الأبخرة
سارت به نحو "فرح" المتكومة فوق سريرها في سكون، تحت ضوء الإنارة المصفّر، تلتحف بغطاء سميك دون أن يصدر عنها أيّ صوت أو حركة.. لكنها كانت مستيقظة، مستيقظة تمامًا ...
-هاك مشروبك الساخن ! .. قالتها "غادة" بصوت خفيض و هي تجلس على طرف الفراش الوثير
أمسكت بذراع "فرح" و أجبرتها على الجلوس مجتذبة إياها بحزم.. سقط اللحاف حتى خاصرة الأخيرة، و لمحت "غادة" أدمع تسيل من بين شعرها المشعث و الذي تبعثر حول وجهها بفوضوية لم تزيدها إلا جاذبية
ما كان بها إلا أن أطلقت نهدة عميقة و لتسيطر على بوادر بكاء شعرت به في إحتراق عينيها، لا شك أن ما سمعته منها مفجع، التفاصيل كارثية.. و لكن لا يتوجب عليها أن تنهار هي الأخرى، إذا فعلت و كم هي قريبة من ذلك.. لن يتم حل شيء، و الأمر سيظل كما هو و حالة صديقتها سوف تزداد سوءًا ...
-هيا يا عزيزتي. إفتحي فمك ! .. تمتمت "غادة" و هي تقرب الفنجان من فم "فرح"
و أبت إلا أن تسقيها المشروب الساخن كله على جرعات، و كم كانت صبورة و حنونة كعادتها أصلًا.. وضعت الفنجان الفارغ جانبًا، و همّت تدثر كتفي "فرح" بوشاح كبير ملقى إلى جوارها
أخذت تمسد ذراعيها تارة، و تكفكف لها دموعها التي أغرقت وجهها تارة أخرى.. لم تنفك عنها إلا بعد أن هدأت نوعًا ما، ثم قالت بصوتها الهادئ :
-لقد نامت أمك الآن. بالكاد إستطعت أن أُسكّن روعها عليك. قلت لها أنك ذهبت في نزهة لتنفسي عن غضبك منها و من موقف البارحة برمته ثم خلدت إلى النوم. و يبدو أنها صدقتني !
صمتت "غادة" لبرهة عسى تعلق "فرح" على كلامها بأيّ شيء.. لكنها ظلت على حالها، فأضافت "غادة" بجدية لا تخلو من الحِلم :
-و الآن علينا أن نتحدث يا فرح. بعد أن أفصحت لي عن سرك.. يجب أن أعلم كل شيء. حتى أتمكن من مساعدتك. فأنا ما زلت أجهل بعض التفاصيل الهامة
-غادة أرجوك كفى ! .. قالتها "فرح" هامسة و قد تدفقت موجة دموع جديدة من عينيها فورًا
-لن أقدر.. لن أقدر على قول المزيد. ما من أقوال أخرى لديّ !!
جزعت "غادة" لمرآى نظراتها المثقلة بكل هذه الآلام، و فمها الذي إنقبض كابتًا نحيبًا زلزل أركان جسمها.. تخلت عن تحفظها اللطيف في هذه اللحظة و إنفجرت بها :
-أوتحسبين أنني سأتركك بعد الذي سمعته ؟؟؟ ماذا تظنينني فرح ؟ يتوجب عليك شرح الأمر كله لي. لن تتركيني هكذا. لن تتركيني أتخبط في الظلام كما كنت في السابق. إما أن تقولي كل شيء الآن أو سأذهب أنا لأمك و أستجوبها بنفسي
قبضت "فرح" على يديها و هي تقول متوسلة :
-لا تفعلي يا غادة. لا تفعلي أرجوك. ذريني و جهلي أرجوووك. لقد فررت من عند الطبيبة لأنني أدركت أن لا طاقة لي بتأكيد شكوكي. لو تأكد الأمر لن أحيا دقيقة أخرى
أنت تقرأ
كيف أقول لا!
Romanceلم يتبقّى سوى أيامٍ على ليلة زفافها، كابوس عاشت به منذ نعومة أظافرها، متاهة بلا نهاية خالت بأنها ستظل حبيستها للأبد، لكن.. لا شيء يدوم للأبد و جاء اليوم الذي صرعت فيه هذا الكابوس، و كسرت قيودها و غادرت المتاهة، لم يكن هذا بلا ثمن بالطبع فقد كابدت أب...