يجلس "ريّان" بالعتمة، فوق الآريكة البالية بتلك الغرفة الصغيرة ذات الأثاث الرث المحدود.. يسمع قرعًا على الباب.. لكنه لا يرد و يبقى منكبًا على نفسه و مستغرقًا في كل تلك الكآبة التي تغمرهتلج إليه "غادة" باللحظة التالية بغير إنتظار، لكنها تخطو بحرص و هي تتنحنح صائحة :
-ريّان ! هذه أنا غادة.. أتسمح لي ؟!
يرفع "ريّان" رأسه متطلعًا إليها عبر الظلام الذي إعتادت عليه عيناه.. يرد عليها و بنفس الوقت تكون هي قد أشعلت الضوء ليرى كلًا منهما الآخر جيدًا :
-تفضلي يا غادة !
كانت لهجته الجافة تحتفظ بنبرة تبجيل و ود لمضيفته رغم الظروف الحالكة التي يمر بها ...
يتبين و هو يشملها بنظراته بأنها تحمل بين يديها نفس صينية العشاء التي تحضرها إليه يوميًا، فيقوم فورًا مفسحًا لها فوق الطاولة المكتظة بمتعلقاته الرفيعة و بعض قوارير المياه الفارغة
يساعدها في وضع الطعام بالطريقة التي حفظها عنها بينما يقول لائمًا :
-كم مرة قلت لك ألا تتعبي نفسك من أجلي يا غادة ؟ يتحتم أن تعلمي بأني إذا أردت طعامًا سأطلبه من الخارج يكفي أنك إستضفتني ببيتك كل هذه الأيام !
تنهدت "غادة" و قالت :
-أولًا يا أستاذ ريّان أنت بهذا الكلام تشعرني بالإهانة. بالتأكيد أني لست مجبرة على تحضير بضعة وجبات لك يوميًا لكنني أفعل ذلك إعمالًا بقيم و عادات نشأتي ثم إكرامًا لك أنت لأنك قريب أغلى إنسانة على قلبي بهذه الحياة
و أكملت و هي تجلس أمامه :
-ثم أنك لست ضيفي.. هذه الغرفة بعلية العمارة ملكًا لإحدى جارتي و قد إستأجرتها لك منها و أنت دفعت لها مقدمًا أم نسيت ؟
ريّان بإبتسامة صغيرة :
-على كل شكرًا لك. لا أدري كيف أصوغها لكنك في الحقيقة أنقذت حياتي. رغم أنني لم أكن أريد ذلك.. و تلاشت إبتسامته فجأة
قست تعابيرة و هو يستطرد بجمود :
-لم أكن أريد الهروب يا غادة. فأنا لست مذنب. و لا حتى فرح !
أومأت "غادة" مؤيدة :
-أعلم.. أنا أعلم هذا و واثقة منه مئة بالمئة يا ريّان. لكن لم يكن أمامنا حلًا آخر.. لقد رأيت بعينيك كيف كان هاشم. خاصةً بعد إكتشافه هروب فرح. كان مثل المجنون و لو كنت بقيت أمامه لكان قتلك دون أن يتردد للحظة
-هذا كله من فعل تلك الغبية ! .. غمغم "ريّان" بحنق شديد
أصاب ركبته بلكمة عنيفة من قبضته و هو يقول عبر أسنانه المطبقة :
-فرح هي من تسببت في كل هذا. آثرت الهروب على المواجهة الجبانة الضعيفة.. سوف أفقد عقلي يا غادة. لماذا فعلت هذا ؟ لماذا تتنازل عن حقها بهذه الطريقة ؟ كيف تقبل أن يثبت هاشم عليها تهم كتلك ؟ أن يقال عليها خائنة و عاهرة كيف كيف كيف !!!
أنت تقرأ
كيف أقول لا!
Romanceلم يتبقّى سوى أيامٍ على ليلة زفافها، كابوس عاشت به منذ نعومة أظافرها، متاهة بلا نهاية خالت بأنها ستظل حبيستها للأبد، لكن.. لا شيء يدوم للأبد و جاء اليوم الذي صرعت فيه هذا الكابوس، و كسرت قيودها و غادرت المتاهة، لم يكن هذا بلا ثمن بالطبع فقد كابدت أب...