آتى صوت "غادة" كالصدى في أذني "فرح".. كانت مثل دمية بين يديها و هي تجلس أمام المرآة.. بينما الأخيرة تهيأها و تتفنن بوضع مساحيق التجميل على وجهها المثخن بالجروح ...
-فرح !
أزاحت "فرح" نظراتها الزائغة عن اللاشيء و تطلعت إلى صديقتها :
-ماذا غادة ؟! .. ما زال صوتها متأثرًا بالنحيب
رمقتها "غادة" بإبتسامة حزينة و هي تقول ممسدة على شعرها المصفف بإتقان :
-كنت أريد أن أريك كيف تبدين الآن.. لم يعد هناك آثرًا للجروح في وجهك يا عزيزتي !
نظرت "فرح" بعد كلامها إلى المرآة لترى مآل جلسة التزيين هذه ...
و للدهشة فقد أصابت "غادة" حقًا، و إستطاعت أدوات التجميل أن تطمس آثار الكدمات و التخثرات الدموية في خديها و أسفل فكها.. لم تكن تدرك قبل الآن مدى براعة صديقتها بهذا الصدد ...
-شكرًا لك ! .. تمتمت "فرح" شاكرة و هي تعدل صدرية ثوبها العرائسي زهري اللون
كان قديم الطراز قليلًا، أحضرته معها عندما إنتقلت إلى هنا ضمن محتويات جهازها القليلة التي كانت تجمعها أمها من أجلها حين كانت فتاة صغيرة.. قبل أن تتآمر على بيعها بالطبع.. من بعدها لم تتسنى لها فرصة شراء أيّ شيء إضافي لها لظروف مرضها العضال الذي طرحها بالفراش لسنوات و حتى الآن !
-هل إنتظاري معك ضروريًا كثيرًا يا فرح ؟ .. تساءلت "غادة" بشيء من التردد
نظرت لها فورًا قائلة :
-بالتأكيد. هل تمازحينني ؟ لن تتركيني بمفردي وسطهم و تحت ضغطه عليّ. و إلا فسوف أنهار تمامًا !!
هدأتها "غادة" مسرعة :
-حسنًا. حسنًا لن أتركك.. إطمئني يا عزيزتي
و إستدارت لتجلب لها وشاح الرقبة الرقيق.. لفته حول عنقها بوساطة بحيث يواري الندبات الزرقاء أعلى صدرها و قالت :
-هاك.. لن يظهر منك شيء يثير الشك. و لو أني لا أدري سبب إصرار زوجك على حضور ذلك العشاء معهم و أنت برفقته. فلو كان يريد أن يشهر بك بينهم لكان فعل منذ الوهلة الأولى !
إبتسمت "فرح" بسخط قائلة :
-لعله يريدني أن أعاني بطريقة ما أجهلها و يعلمها هو.. ألم أقل لك أنه قد تعهد لي بالتعاسة الأبدية ؟
تنهدت "غادة" عاجزة عن إيجاد كلمات تعبر عن شدة أسفها لما صار لصديقتها.. و كادت تضمها من جديد لتهون عليها قليلًا
إلا إن باب الغرفة قد فتح الآن بعد طرقة صغيرة... فشهقت "فرح" و هي ترفع رأسها.. لترى "هاشم" واقفًا عند مدخل الغرفة، مرتديًا ملابسه الأنيقة ذات الطابع العصري مؤخرًا و التي تألفت من كنزة زرقاء مجسمة و سروال من الكتان الأبيض، و على عكسها فقد بدا مشرقًا و نضاحًا بالسعادة.. ممّ أذهلها لوهلة، ثم أدركت أنه ربما يفعل ذلك بسبب وجود "غادة" معها ...
أنت تقرأ
كيف أقول لا!
Romanceلم يتبقّى سوى أيامٍ على ليلة زفافها، كابوس عاشت به منذ نعومة أظافرها، متاهة بلا نهاية خالت بأنها ستظل حبيستها للأبد، لكن.. لا شيء يدوم للأبد و جاء اليوم الذي صرعت فيه هذا الكابوس، و كسرت قيودها و غادرت المتاهة، لم يكن هذا بلا ثمن بالطبع فقد كابدت أب...