تقف حنين أمام الجميع وهي تنظر إلى الأسفل ودموعها تتساقط على الأرض لتصدر أصواتاً مثل أصوات قطرات المطر. لا تقدر أن ترفع عينيها في عيني أحد من شدة الخجل مما فعلت بها نوران أمام الجميع في أول يوم لها في الجامعة. تدمدم حنين ببكاء:"لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، هو مولانا ونعم المولى ونعم النصير."
تردف الفتاة التي تقف بجوار حنين قائلة:
"وفيها إيه يعني؟ لو خادمة مش إنسانة زيك؟ وحتى لو والدك المحترم ساعدها تكمل تعليمها، ده مش يديك الحق تتعاملي معها بالشكل ده قدام الناس. وبعدين، لو والد حضرتك، يا آنسة، كان شايف إن الخادمة ما تستحقش تدخل جامعة زي دي، ما كانش يخلي مستواها زي مستوى بنته."
ترد نوران بغيظ من رد الفتاة:
"اسمعي يا شاطرة، أنا عمري ما كنت في مستوى خادمة، ولا خادمة هتكون في مستواي، فاهمة؟"
يردف عاصي بصوت خشن قائلاً:
"سكوت! وياريت كل واحدة منكم تتفضل على مكانها. إحنا جايين هنا علشان نحضر المحاضرات مش علشان نشوف مين مستوى مين. وعلى ما أظن، في آخر السنة هنعرف مين مستوى أعلى من التاني."
يخاف الجميع من صوت عاصي، فيذهب الكل إلى مقاعدهم إلا حنين التي ظلت واقفة. يردف عاصي بهدوء:
"اتفضلي يا آنسة، اقعدي في المقعد اللي وراي ده."
تنظر حنين إلى ما يقوله عاصي لتجد أن المقعد يجلس عليه شاب. تردف بهدوء قائلة وبصوت رقيق وأرق إليه قلوب الكثير:
"أنا آسفة يا دكتور، بس أنا مش عاوزه أقعد جنب شاب. بعتذر، هافضل واقفة مكاني وتقدر حضرتك تبدأ المحاضرة."
يرد عاصي قائلاً:
"هاتفضلي واقفة إزاي يا آنسة؟ المحاضرة هاتاخد ساعتين ونص على الأقل."
ترد حنين وهي تنظر إلى نوران بحزن:
"عادي يا دكتور، مافيش مشكلة."
وبالفعل، ظلت حنين واقفة طوال المحاضرة من أجل ألا تجلس بجوار شاب، وهذا ما جعل عاصي يعجب بها. وبعد أن انتهت المحاضرة، خرج الجميع إلا حنين التي جلست على أقرب مقعد إليها. كان عاصي مازال يحضر نفسه للرحيل، لكنه لاحظ حنين فتوجه إليها وهو يحمل في يده كأساً من الماء ووضعه أمام حنين قائلاً:
"مش كان يستحسن إنك تقعدي بدل ما حضرتك تعبتي كده؟"
حنين دون أن تنظر إلى عاصي:
"لا، مش أحسن. أنا أفضل إني أقف طول حياتي على إني أقعد جنب شاب غريب ماعرفهوش وممكن يلمس جسمي بالغلط. وده أنا ما أسمحش إنه يحصل معي. بعد إذن حضرتك."
تخرج حنين من أمام عاصي دون أن تقول شيئًا آخر، أما عاصي فابتسم بينما ازداد إعجابه بحنين أكثر. يدمتم بالكلمات غير المفهومة:
أنت تقرأ
قصة حنين /الكاتبة صباح عبدالله فتحي
Aléatoireفي بداية قصة حياتها، تجد نفسها تتحدى التمييز والتوقعات الاجتماعية بينما تسعى لتحقيق أحلامها في جامعة مرموقة. لكن رحلة الاندماج في هذا العالم الجديد تقودها إلى مواجهة عوائق غير متوقعة وتكشف أسراراً قد تكون أكثر تعقيداً من أي شيء تصورته. في خضم الصراع...