٢

184 13 0
                                    


٢

ومضى التاريخ يشعل الحوادث هنا وهناك في دنيا الناس.

وتمرّ الايام متتابعة كأمواج نهر تتدافع باتجاه نقطة ما.

وفي بغداد عاصمة الشرق ، تربّع هارون ، يقود أزمّة الأيّام ... يحاول دفع الأيام في اتجاه الذي يريد ، ويأبى التاريخ. جلس هارون يفكّر ويدبّر ، وبدت آثار الارهاق على وجهه المكدود لكأنه يصارع قدراً لا مفرّ عنه.

ولو قدّر للمرء أن يجوس خلال القصر تلك الليلة لرأى كيف يسعى الانسان بكل ما أوتي من قدرة الى تغيير مسار التاريخ.
ها هو الرشيد تجتاحه موجة من الأرق المدمّر ، الأرق الذي لا يمكن مواجهته برحلة في مياه دجلة ولا ارتياد قصور برامكة وعبّ كؤوس اللذة .. لقد اندثر البرامكة الى الأبد ، ولم يعد الرشيد يستمتع بالليالي الحمراء فقد غزا جسده مرض لا يُعرف دواؤه! واستولى عليه هاجس الخوف على ملكه العريض الممتد من سمرقند الى حدود أفريقيا ؛ وما برحت الغيوم المسافرة تهطل في تلك الاراضي المترامية لتتدفق بعد حين ذهباً وفضاً ؛ وهارون غارق حتى هامة رأسه في بحر من اللذائذ فكأنه عاد الذي أراد أن يبني جنته في الأرض!

ولكن ما باله هذه الليلة مكدّر الخاطر ، تعصف في رأسه آلاف الهواجس كخنازير وحشية؟!

اشار الى حارس يقف كتمثال :

ـ عليّ بالاصمعي!

وما أسرع أ، جاء فجلس قريباً منه ، وأدرك الاصمعي أن هارون يصارع هواجس في أعماقه .. هواجس لا نهاية لها!

وطال الانتظار ، لشدّ ما يتغير الكائن البشري ... أين دماء العافية التي كانت تموج في وجهه ، لقد غادره ذلك الألق الوردي وحلّت مكانه صفرة رجل حيث الخطى نحو رمسه.
غمغم امبراطور الشرق :

ـ ألا تحبّ أن ترى محمداً وعبد الله٢؟

ـ أجل يا أمير المؤمنين إني لأحب ذلك.

قال الأصمعي ذلك وحاول النهوض.

تمتم الرشيد :

ـ مكانك يا أصمعي .. سيأتيان.

إشارة خفيفة ، وانطلق حارس يدعوهما.

راح الاصمعي بعد أن حضرا يدير الحديث بلباقة أديب يعرف كيف ينفذ الى نفوس الملوك والأمراء.

تساءل الرشيد وقد ذهب شطر من الليل :

ـ كيف رأيتهما.

الطريق إلى خراسان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن