١٨

29 3 0
                                    

كان يوم الثلاثاء ٨ رمضان سنة ٢٠١ هـ يوم عيد شعبي ، فقد شهدت الأزقة كوكبات من الفرسان والجنود بملابسهم الرسمية يتوجّهون الى الميدان استعداداً للمهرجان ، فيما إنهمك رجال البلاط والديوان في اعداد مكان يليق بالخلافة.

اتخذ رجال الجيش وقادة الفرق العسكرية ، والجنود أماكنهم في خطين يشكّلان عند « دست » الخلافة نقطة الالتقاء ثم ينفرجان كلما يبتعدان مشكّلين مثلثاً قاعدته طبقات الشعب التي بدأت بالتوافد لاعلان بيعتها لولي العهد الجديد.

بدأ توافد المواكب الرسمية لرجال الدولة ، وكان موكب الفضل مهيباً جدّاً أعقبه موكب المأمون الذي فاق وزيره أُبهّة ،وتلا ذلك موكب ولي العهد وقد فوجئ الناس تماماً ولكنهم نهضوا إجلالاً ... كان موكباً متواضعاً فقد كان الامام ممتطياً بغلة شهباء ، مطرقاً برأسه تواضعاً وبدا بحلته البيضاء رمزاً للسلام القادم.

اتخذ المأمون مكانه على دست الخلافة الذي أُلحق بوسادتين عظيمتين لولي العهد.

كان الامام يرتدي عمامة مورّدة متقلداً سيفاً جالساً في مكانه في سكون وطمأنينة واتزان ... لم تصدر عنه أيّة حركة ، ومع ذلك ، فقد بدا نقطة المركز في ذلك التجمّع الرسمي والشعبي الواسع.

حتى عندما تحدّ ث المأمون وأعلن ما ورد في وثيقة ولاية العهد كان معظم الناس ينظرون الى الرضا من آل محمد ، ان الذين حضروا ذلك الاحتفال لابدّ وأنهم اكتشفوا بأن سرّاً ما جعل قلوب الناس تتجه الى الامام بحب!!

كان الامام ما يزال ساكناً ، وكانت سكينته تعكس بجلاء الهدوء المطلق في أعماقه وتركّز وجوده كلّه في نقطة ما .. نقطة لا يمكن أن تكون في الأرض أبداً.

أومأ المأمون الى ولده العباس ٨٨ فتقدّم ليبايع الامام ،والتفت الخليفة ليقول :

ـ ابسط يدك للبيعة!

وفي هذه اللحظة نهض الامام بقوّة ، ورفع كفّه اليمنى عالياً مع انحناءة أخاذه باتجاه الشعب ، وهتف :

ـ « ان رسول الله عليه‌السلام هكذا كان يبايع » ٨٩.

ونهضت الجماهير مأخوذة بمنظره ، ورفعت أكفّها كما يفعل الإمام معلنة بيعتها ومرّت القوات المسلحة من أمام دست الخلافة وقد رفع الجنود أيديهم وتمّت مراسم البيعة ... وعاد المثلث الى هدوئه مرّة أخرى وارتدى الامام بعض الأردية الرسمية التي غلُب عليها اللون الأخضر.

وأشرقت ابتسامات الفرح ، ورأى الامام أحد مواليه ، وهو يكاد يطير فرحاً ، فأشار اليه ، وما أسرع أن امتثل أمامه ودموع الفرحة تكاد تشرق من عينيه ، همس الامام في أذنه :

الطريق إلى خراسان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن