٤

73 10 0
                                    


٤

ليس هناك ما هو اكثر مرارة من أن يشهد الانسان لحظات الانهيار .. انهيار الاشياء .. اهتزاز ثوابت الزمن ..

كل شيء بات يهتز .. وخفت صوت الانسان لتنبري عشرات الاصوات الغامضة .. الاصوات الي تستمد قوّتها من غرائز كامنة في النفس البشرية في اللحظة التي يسقط فيها العقل أمام بريق الاطماع.

الدنيا دوّامة يدور بأهلها ، إِعصار فيه نار ... في ذلك الزمن الردئ حيث يهتز كل شيء تحت وقع سنابك خيل مجنونة ، وقف الرجل الذي ناهز الخمسين من عمره ... عيناه تسافران في سماء لا انتهاء لها ، وكفّاه ممدودتان الى حيث تتجه القلوب في اللحظات التي توشك فيها الأمواج أن تحطّم سفينة تائهة ... كلمات هادئة متضرعة متوسلة الى الله :

ـ « يا من دلّني على نفسه ، وذلك قلبي بتصديقه ... أسألك الأمن والايمان في الدنيا وفي الآخرة » ١١.

دخلت فاطمة .. جلست قرب شقيقها تستشعر الطمأنينة في عالم يموج بالرعب ، تتشرب الخير ، في عالم يعج بالشرور ...

يتألق في عينيها حزن مرير .. حزن يمتد الى ربع قرن هو كل حياتها المفعمة بالحزن.

ما تزال تتذكر منذ عشرين سنة اللحظات التي أخذوا فيها أباها الطيّب الى بغداد ... لم تره منذ ذلك الوقت ، هل تنسى اللحظة التي فارقت أمها الحياة كانت ليلة شتائية أيضاً .. ليلة قارسة البرد لم تجد فيها دفءً الا قرب شقيقها علي ..

وها هو علي في قلب الاعصار .. تماماً في المنطقة الساكنة .. في النقطة المركزية حيث تنعدم الحركة الاعصارية.

وكانت فاطمة التي لم تجد كفئاً لها منذ أمد بعيد .. ترنو الى الانسان الذي تشعر بحضرته انها أكثر قرباً من الملكوت .. ملكوت السماوات البعيدة.
ففي حضرته تشعر فاطمة بتجاوز حدود الذات ، لتستحم روحها في بحيرة من ذلك النور الذي يسطع في القلوب.

لكأن آلاف القناديل تسرج في اعماقها.

هكذا تعيش فاطمة لحظات قرب شقيقها الوحيد.

البركان الذي انفجر بمكّة تصل هزّاته مدينة الرسول .. لقد ثار محمد بن جعفر ١٢ وقمعت الثورة في مهدها ، وها هي خيول المأمون الخليفة السابع تتجه الى المدينة للانتقام من العلويين.

« الجلودي » ١٣ الرجل الغليظ القلب يقود جنوده لنهب دور الطالبيين في المدينة الخائفة.

الخيول الغازية تدخل المدينة وهدفها نهب بيوت الطالبيين ومصادرة كل ما يملكون ، وفي رأس الجلودي الغليظ أوامر شخصية من الخليفة العباسي السابع تقضي بسلب النساء الحلل والحلي فلا يدع لهن الا ثوباً واحداً ترتديه.

الطريق إلى خراسان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن