((ميثاق الحرب والغفران))
_ الفصل العشرون_
داخل منزل خليل صفوان.....
كان جالسًا فوق الأريكة ويتابع بعينيه الترحيب والحفاوة التي تتلقاها زوجته الجديدة من عائلته بدخولها لمنزلهم وبالأخص أمه التي سعادتها تحملها من فوق الأرض وتحلق بها في الهواء.
على جانبيه من كل ناحية كان يجلس أولاده ويتطلعون بزوجة والدهم في خنق حتى أن عمار الصغير القى بنفسه بين ذراعين والده ورفض الابتعاد عنه ومعاذ كان يعقد ذراعيه أسفل صدره يتطلع بمنيرة في غيظ، لم يكن طفلًا كأخيه حتى لا يفهم أن تلك المرأة تأخذ مكان والدته.
تنفس جلال الصعداء بنفاذ صبر وابعد ابنه الصغير عن ذراعيه بعد أن قبله بحنو من شعره هامسًا:
_أنا هطلع أنام وأنت وأخوك اطلعوا على اوضتكم وناموا معاكم مدرسة الصبح
هتف معاذ في أسلوب فظ وغير لائق بغضب:
_أنا عاوز أمي يابوي مش عاوز الست دي تقعد معانا في البيت
استقرت في عيني جلال نظرة حادة وقال لابنه:
_معاذ.. أتكلم بأدب واوعاك اسمعك بتتكلم إكده قصادي تانياستاء أكثر بعد تعنيف والده وتوبيخه له فاستقام واقفًا واسرع للأعلى حيث غرفته وبعد لحظات من متابعة عمار لشقيقه وهو يصعد الدرج توقف هو الآخر والحق به، بينما جلال فأخذ يتطلع نحو الدرج على أثر أولاده بضيق ثم راح يمسح على وجهه وهو يتأفف بصوت مرتفع.
هب واقفًا ونظر لزوجته التي تتحدث بسعادة مع نساء عائلته تسرد وتحكي لهم عن حياتها ومواقفها فقال بانزعاج ملحوظ:
_ يلا يامنيرة مش بزيادة حكاوي ولا إيه؟
لم تتضايق من انزعاجه بل فسرت سببه أنه ربما لا يطيق الانتظار حتى يختلي بها في غرفتهم فابتسمت بخجل ورأت جليلة وهي تشير لها أن تنهض وتطيع أوامر زوجها وتذهب لغرفتهم فهذه هي ليلتهم الأولى.
لحقت منيرة به في خطوات رقيقة على عكسه تمامًا الذي وصل للغرفة قبلها بلحظات، كانت جليلة قد أعدت وجهزت غرفة جديدة كليًا لمنيرة بعدما رفض أن تبقى بغرفته هو وفريال، فور دخوله للغرفة وجدها مجهزة ومرتبة وبها كل ما يحتاجه أي عروسين فزفر بخنق وهو يهز رأسه وراح ينزع عنه عبائته السوداء ويلقيها فوق الفراش، بتلك اللحظة كانت منيرة قد دخلت فوقفت عند الباب وتشابكت يديها ببعضهم وهو تتطلعه بخجل مبتسمة.. لم يبدي أي ردة فعل وبدا متجمدًا المشاعر وهو يقول لها بجدية:
_ادخلي واقفلي الباب واقفة إكده ليه؟
استدارت وأغلقت الباب ثم تقدمت منه ووقفت أمامه وهي تبتسم باستحياء دون أن تتطلع بعينيه، كان سيتركها ويذهب للحمام أو ربما حتى كان سيفحمها برد قاسي لكنه اطال النظر بها واستغفر ربه متنهدًا بقلب مهموم، ما فعلته فريال معه واندفاعه لقرار الزواج حتى لو كان لا يستطيع النظر أو الأقتراب من امرأة سواها.. هذا لا يعطيه الحق أن يعامل الأخرى بجفاء أو حتى يفرغ بها شحنات جموحه المكتظة بصدره من حبيبته.. فهذا ليس ذنبها.
رسم ابتسامة ودودة على ملامح وجهه ورفع يده يمسح على ذراعها بلطف هاتفًا:
_أنا هدخل الحمام آخد دش وأنتي خدي راحتك وغيري هدومك
ردت عليه بدلال مبتسمة:
_حاضر
استدار بجسده كاملًا وبعد أول خطوة التفت لها مجددًا وقال بثبات ولهجة رخيمة:
_ اليوم النهادرة كان صعب قوي يامنيرة وأنا تعبان، نامي ومتستننيش
اتسعت عيناها بصدمة بعدما فهمت المغزى الحقيقي خلف كلماته وظلت تتابعه حتى اختفى عن انظارها وتوارى خلف باب الحمام فجلست فوق الفراش وهي تتطلع في الفراغ بغضب حقيقي وانزعاج، لكنها هدأت من أعصابها واقنعت نفسها أنها مع الوقت ستكسبه وستجعله يسقط بحبها وينسى تلك المدعوة فريال.
***
بصباح اليوم التالي داخل غرفة عمران بمنزل الصاوي......
كانت آسيا تقف أمام المرآة تقوم بتسريح شعرها وترتدي عباءة منزلية صفراء ضيقة بعض الشيء تظهر منحنيات جسدها بوضوح، في تلك الأثناء خرج هو من الحمام بعدما انتهي من حمامه الصباحي وارتدي ملابسه لكي يذهب للعمل، وقع نظره عليها فعلقت عيناه على شعرها الحريري الطويل الذي يغطي ظهرها كله.. لأول مرة يراه على طبيعته دون تلك الأشياء الغريبة التي تضعها به وتلمه بهم دومًا، هل كانت تحجب عنه كل هذا الجمال ولا تسمح له برؤيته كاملًا.
نفر عن عقله تلك الأفكار وهز رأسه بالرفض وهو يتنحنح بصوت مرتفع فانتبهت لوجوده على أثر صوته والتفتت له برأسها هاتفة بعفوية:
_أنا خلاص خلصت هلم شعري والبس الطرحة وبعدين ننزل عشان الفطور
تنهد الصعداء بحرارة ثم جلس فوق الفراش والتقط هاتفه يجري اتصال ببشار الذي أجابه بخنق:
_إيه ياعمران فينك ده كله؟
رد عليه بهدوء:
_ ساعة بالكتير وأكون عندك.. ظبط الدنيا في المخزن لغاية ما آچي عشان بعدين نطلع على الوكالة
بشار بإيجاب وبجدية:
_طيب ومتتأخرش
رد عليه بالإيجاب وأنهى الاتصال ثم عاد ينظر لها من جديد وجدها قد بدأت في ارتداء حجابها لكن فور سقوط نظره على ملابسها قال بحدة:
_ادخلي غيري اللي لابساه ده
التفتت له ونزلت بنظرها على ملابسها وجسدها ثم عادت له من جديد وقالت بعدم فهم:
_اغيره ليه؟!
احتدمت نظرته وقال بغلظة صوته الرجولي:
_بصي لروحك في المرايا وأنتي تعرفي.. أنتي مش قاعدة في بيت لوحدك إهنه في رجالة غيري
وقفت أمام المرآة ونظرت لنفسها فرأت العباءة تلتصق بجسدها وضيقة، عندما ارتدتها لم تنتبه لذلك والآن دهشت فراحت تهتف بتلقائية في عبوس:
_مكنتش ضيقة إكده فيا.. هو أنا تخنت ولا إيه!
تنهد مستغفرًا ربه وقال بقلة حيلة:
_ احنا في إيه ولا أيه دلوك يا آسيا.. غيري يلا هدومك أنا ورايا شغل
جلست فوق المقعد المقابل للمرآة وقالت بضيق وهي تنظر لنفسها بإحباط:
_انزل أنت.. أنا مش نازلة مش عاوزة آكل نفسي اتسدت
ضحك رغمًا عنه واستقام واقفًا ثم اقترب منها وملس على ذراعها بلطف هاتفًا:
_غيري وحصليني على تحت.. مش هتعملي اضراب عن الوكل عشان تخنتي شوية
لم تجيبه حتى أنها لم تنظر له وفور انصرافه وقفت مجددًا وراحت تدور حول نفسها أمام المرآة تتفقد جسدها ووزنها المتزايد في خنق وهي تتأفف.. أخذت تهز رأسها بالرفض بعدما تذكرت عبارته الأخيرة وهو يطلب منها أن تلحق به للأسفل، وراحت تجلس فوق فراشها ممتنعة عن النزول لكن فجأة تحولت قسمات وجهها من الإحباط للغيظ فور تذكرها لوجود تلك الأفعى المدعوة منى.. أن لم تنزل الآن ستترك لها الساحة فارغة حتى تتقرب من زوجها.
هبت واقفة وقالت بوعيد وغيرة حقيقية:
_مبقاش أنا آسيا أما خليتك ترچعي من مطرح ما چيتي ياعقربة
اتجهت نحو الخزانة وأخرجت ملابس أخرى لها ثم بدأت في ارتدائها بدل التي ترتديها ولحقت به للأسفل.
حول طاولة الطعام كان الصمت يهيمن على الجميع باستثناء عمران الذي كان يتحدث مع إبراهيم عن العمل الذي سيقوم به اليوم وكان يخبره أنه سيمر أولًا على المخزن قبل الذهاب للوكالة، ومن الغريب أن منى كانت ساكنة بمقعدها لا ترفع نظرها وتتطلع بعمران مما اطفأ نيران آسيا المشتعلة قليلًا، لكن ما هي إلا دقائق معدودة حتى انتهى عمران من طعامه واستقام واقفًا ينوي الانصراف لكن اوقفه صوت أمه وهي تقول مبتسمة:
_عمران بنت عمتك رايحة تشتري كام حاجة في نفس طريق المخزن بدل ما تروح لحالها خدها وصلها معاك ياولدي في طريقك
ردت منى برقة أنثوية وهي تتصنع التمنع:
_ملوش لزمة يامرت خالي.. مش عاوزة اتعبه واعطله عن شغله
خرج صوت عمران الرجولي بطبيعية:
_مفيش تعب ولا حاچة يامنى.. خلصي وكلك وأنا هستناكي في العربية
لم يكن منتبه لذلك البركان الذي سينفجر من فرط الغيظ والغيرة سوى إخلاص ومنى وهم يبتسمون بخبث وتشفي، وآسيا ترمقهم بوعيد مخيف فقد اطلقوا سراح الساحرة الشريرة التي سجنتها لفترة بداخلها والآن سيتحملون عواقب خطأهم.
ظلت هادئة بطريقة مريبة وهي مستمرة في تناول طعامها وحين رأت منى تقف وتتجه للحمام حتى تغسل يديها، ابتسمت بنظرة جانبية كلها شيطانية واستقامت واقفة وكأنها انتهت من طعامها وقادت خطواتها للطابق الثالث حيث غرفة منى.
دقائق معدودة وسمعت خطواتها تقترب من غرفتها فتوارت داخل أحد الغرف حتى لا تراها وفور دخولها خرجت وذهبت لغرفتها فرأتها تقف تضع اشيائها بحقيبتها وتولي ظهرها للباب فابتسمت بخبث واقتربت تمد يدها تلتقط هاتفها ثم جذبت مفتاح الغرفة من القفل وخرجت وأغلقت الباب ووضعت المفتاح بالقفل من الخارج وأقفلت عليها.
انتصبت منى في وقفتها باستغراب عندما سمعت صوت الباب وفورًا هرولت للباب تمسك بالمقبض وتحاول فتحه وهي تقول بصوت مرتفع في غضب:
_مين اللي قفل الباب؟
سمعت صوت آسيا الماكر من الخارج وهي تهمس لها:
_أنا ياغالية.. اعتبري ده تاني تحذير مني ليكي ونصيحة اوعاكي تخليني احذرك للمرة التالتة
ضربت منى على الباب وصرخت بها:
_افتحي الباب يا آسيا فكرك بتهديدك ده أنا هخاف منك.. لا ده أنا هتصل بعمران دلوك وأقوله مرتك حبساني في الأوضة وخلينا نشوف هيعمل إيه معاكي
ضحكت آسيا بقوة وهي تنظر لهاتفها الذي بيدها وقالت من بين ضحكها بشر:
_هتتصلي بيه من تلفونك اللي معايا!
اتسعت عين الأخرى بصدمة وسرعان ما راحت تصرخ بها بهستيريا:
_ماشي يا آسيا صدقيني هندمك على عملتك دي.. يامرت خالي
تحلوت نبرة آسيا من البرود لأخرة حادة ومخيفة وهي تهتف:
_ اقفلي خشمك بزيادة صراخ محدش هيسمعك كلهم تحت بيفطروا
أنت تقرأ
رواية ميثاق الحرب والغفران
Romanceالرواية رومانسية واجتماعية ❤️ المواعيد : الأحد والثلاثاء والجمعة اسم البيدچ الخاصة بيا علي الفيس بوك قصص وروايات بقلمي ندى محمود