(( ميثاق الحرب والغفران ))
_الفصل التاسع والعشرون _عادت بيدها للخلف بسرعة في خوف وقلق عندما رأت عمران كان يقف بالضبط أمام بوابة البناية ويرمقها بنظراته المريبة فعادت هي تنظر للشاب الذي أمامها تهتف لها مبتسمة بلطف:
_متشكرة بس أنا چوزي وصل أصلًا
التفت الشاب إلى حيث تنظر فرأى عمران وهو يتقدم نحوهم.. اتسعت عيناه بدهشة بسيطة وفور وصوله لهم مد يده له ليصافحه هاتفًا بحرارة:
_عمران حمدالله على السلامه اخبارك إيه؟
كانت ملامح وجهه مكفهرة وعضلاته متشنجة من فرط الغيظ لكنه تصرف بهدوء مزيف وصافحه متمتمًا:
_الله يسلمك ياسليم
صابتها الدهشة الأولى عندما رأتهم يتصافحون واتضح أنهم يعرفون بعضهم والآن الثانية عندما سمعت اسمه وتذكرت شقيق صديقتها عندما أخبرته أن اسمه " سليم".. إذًا زوجها كان يعرفه منذ البداية لكن ما سبب رفضه القاطع حول ذهابها لمنزل صديقتها إذا كان بينه وبين شقيقها معرفة صداقة.
كانت قسمات وجهه لا تبشر بالخير ووحدها فقط كانت تراها وتفهمها بوضوح مما جعلها تتجمد في أرضها بجواره دون حركة ولا صوت، وهي تنتظر طوفانه عندما ينفرد بها داخل منزلهم.
حديثهم لم يدم لأكثر من لحظات وخلالها قام سليم بتهنئة عمران على زواجه وبعد انتهاء حديثهم غادر سليم البناية بأكملها ولم بتبقى سواهم، تطلعته بنظرات زائغة وهو كان لا ينظر لها في برود مخيف حيث انحنى يلتقط الأكياس يحملها هو ثم يتجه نحو المصعد الكهربائي فتلحق به بسرعة وتستقل به معه، دقائق قصيرة وتوقف المصعد فخرج هو أولًا واتجه نحو باب المنزل ليضع المفتاح في القفل ويفتح الباب ثم يدخل.. لحقت به وأغلقت الباب بهدوء.
عندما اقتربت من الصالة رأته يجلس فوق الأريكة بهدوء مريب، فتقدمت نحوه وجلست بجواره تهمس في خفوت تجيب على سؤاله قبل أن يطرحه عليها:
_أنا نزلت اشتري شوية طلبات للبيت وانا وراچعة قابلته وهو حب يساعدني لما شافني شايلة كياس كتير
رمقها بطرف عيناه في نظرات بدأت تتحول من الهدوء المزيف:
_وأنتي إيه اللي ينزلك من البيت.. اتصلتي واخدتي أذني الأول.. إيه عرفك في إيه تحت ولا الطريق كيف عشان تنزلي لحالك
ردت عليه بثبات متصنع تحاول تلطيف الأجواء:
_أنا مرحتش بعيد.. هو السوبر ماركت اللي في نفس الشارع بس ورچعت طوالي
انتفضت مفزوعة على أثر صيحته المفاجئة:
_اسمها نزلتي من البيت ولا لا.. أنا مسألتكيش روحتي وين
أردفت باضطراب من غضبه المرعب وقالت بخفوت:
_عمران أهدى الموضوع مش مستاهل كل العصبية دي
انتصب في جلسته وصرخ منذرًا إياها بلهجة لا تتهاون أبدًا:
_الواد ده لو حصل وشفتك واقفة معاه تاني متلوميش غير روحك على اللي هعمله
ضيقت عيناها باستغراب فهي لا تفهم سبب كرهه لذلك الشاب.. لكنها لم تخضع لتعليماته خصوصًا بعدما علمت أنه شقيق صديقتها فلا تقتنع بنقمه الغريب عليه حيث قالت له باستياء:
_كله ده عشان وقفت ثواني معاه بس وهو كان عاوز يساعدني مقالش حاچة غلط واصل وأنت چيت بعدها علطول.. متعصب إكده ليه؟!
صرخ بها بصوته الجهوري الذي نفضها:
_من غير مقاوحة ( نقاش) وكلام كتير أنا قولت كلمتي ويارب تعاندي وتعملي عكسها يا آسيا
كانت تكظم خنقها منه بصعوبة بينما هو فانحنى بوجهه عليها وهمس أمام وجهه مباشرة بنظرات مرعبة ولهجة تحذيرية:
_أول وآخر مرة فاهمة ولا لا
أنهى عبارته وابتعد عنها ليستقيم واقفًا ويهم بالذهاب لغرفته لكنه توقف على أثر عبارتها القوية وهي تقول بغيظ وجرأة بعدما فسرت تعليماته بأنها مجرد تحكمات وفرض سيطرة لا أكثر:
_هو حلو ليك ووحش ليا ولا إيه!
التفت لها برأسه يطالعها بعينان قذفت الرعب في جسدها كله على عبارتها الجريئة.. ورغم ارتيعادها لكنها تابعت بنفس الغضب محاولة الثبات أمامه:
_أنت عارف زين أن بت عمتك عاوزة تخرب بيني وبينك عشان بعد إكده تفضالها الساحة وتتجوزك.. ورغم إكده أنت مبتبعدش عنها وطول الوقت قريب منها وحتى ما هان عليك تخلي أمك تمشيها من البيت بعد اللي عملته معايا.. ودلوك بتفرض تحكماتك عليا ومش عاوزني اتعامل مع جنس مخلوق غيرك
سكتت بالنهاية عندما رأته يقترب منها بخطواته المتريثة ونظراته المميتة فتوقف قلبها للحظة من فرط خوفها وتقتقهرت خطوة واحدة للخلف، ثم وجدته يقف أمامها ويرمقها بعينان واسعة ومخيفة يسألها في ترقب ونبرة شيطانية:
_ليه هو أنتي عاوزة تعملي زي عشان يبقى حلو ليكي كمان ولا إيه!!
ازدردت ريقها بخوف وردت عليه دون أن تنظر في عينيه مباشرة:
_أنا مقولتش إكده
أكمل بنفس نبرته السابقة يلقي تعليمات جديدة:
_مفيش حد له كلمة عليكي ولا يحقله يتحكم فيكي غيري.. لو ناسية روحك افكرك أنك متچوزة ومرتي وأنا لما اقول مش عاوز اشوف لسانك بيخاطب الواد ده تاني يبقى الكلام خُلص وحتى لو قولتلك صنف الرجال كلهم تقولي حاضر و.....
قاطعته بسخط شديد وهي تهتف:
_وأنا مش چارية عـ......
ابتلعت بقية عبارتها مرتعدة على أثر صوته المرعب وهو يصرخ بها:
_ لساتني مخلصتش كلامي.. عدى الأيام اللي هنقضيها إهنه على خير يا آسيا بدل ما تشوفي الوش اللي بتكرهيه
أشاحت بوجهها بعيدًا عنه تأبى النظر له وهي تشتعل من فرط قهرتها وعصبيتها بينما هو فتركها واتجه للغرفة، فور سماعها لصوت صفع الباب سقطت فوق وجنتيها دموعها المحبوسة في مقلتيها...
***
داخل منزل خليل صفوان.......
فتح جلال عيناه بخمول على أثر صوت رنين هاتفه الصاخب وهو يتأفف بخنق ثم مد يده للمنضدة الصغيرة المجاورة للفراش يلتقط الهاتف ويجيب على المتصل بجدية،داكت مكالمته حول العمل لدقيقة بالضبط ثم أنهى الاتصال وعندما نزل بنظره لصدره وجد ذراعه ملتف حول خصرها وهي نائمة بين ذراعيه ورأسها فوق صدره.. فابتسم بغرام وسعادة فور تذكره ليلة أمس.. يبدو أن جليد قلبها بدأ بالذوبان و وشروق شمسهم اقتربت.
تململت بين يديه وفتحت عينيها بنعاس لتهمس دون أن تنظر له:
_الساعة كام؟
مال بشفتيه على رأسها يلثم شعرها بحب متمتمًا:
_الساعة تسعة يافريالي صباح الورد والياسمين
فتحت عيناها على أخرهم لتبدأ بإدراك وضعهم فتسكن للحظات مكانها دون حركة تستوعب ما حدث وبعدها رفعت جسدها عنه وهي ترد بخفوت وجمود ملامح غريب:
_صباح النور
اعتدل جالسًا ليقترب من جديد وتلك المرة يطبع قبلته الدافئة فوق وجنتها متمتمًا بعاطفة جيَّاشة:
_شكرًا على ليلة امبارح وإنك فضلتي چاري ومهملتنيش لحالي
كانت تتفادى النظر إليه.. لا تفهم خجلًا أم انزعاجًا أم ماذا، بالرغم من أن قسمات وجهها تقول غير ذلك كان يبدو عليها اللين والهدوء وكأن الغضب ليس في زيارتها هذا الصباح مما زاده إشراقًا وسعادة، ردت عليه بحزم وجدية بسيطة:
_أنا فضلت چارك أه بس ده مش معناه إني سامحتك
ابتسم بحنو واستطرد بكل بساطة:
_أنا فاهم وعارف ده زين بس على الأقل قوليلي أن في أمل صُح!
زمت شفتيها للأمام في عبوس وقالت متدللة وهي تهم بالنهوض من الفراش:
_معرفش
رمقها بطرف عينيه بابتسامة مغلوبة ثم تنهد وهو يضحك، بينما هي فتحركت نحو الحمام وهي تزفر بقلة حيلة منه فهو لن يتوقف عن محاولاته في نيل رضاها مهما فعلت وهي تدرك تلك المعلومة جيدًا...
استقام واقفًا بعدما توارت داخل الحمام وراح يمسك بهاتفه يجري اتصال آخر استغرق ثلاث دقائق وبعد انتهائه استقرت عيناه على الحمام وهو يبتسم ثم أشاح بوجهه عنه وبمحض الصدفة سقط نظره على مقعد خشبي متين فوق الخزانة فلمعت عيناه بخبث، ثم توقف وراح يقترب من الخزانة يرفع جسده ويده للأعلى يحاول التقاط ذلك المقعد وعندما مسكه أنزله بصعوبة وراح يلقيه من أعلى الخزانة إلى الأرض بكل قوة.. أحدث المقعد ضجة عنيفة وصوت مزعج بالغرفة كلها وكأنه شيء ما تهشم وعلى أثره خرجت فريال بسرعة مفزوعة من الحمام وهي تقول:
_إيه اللي وقع ده!!!
رأته يجلس فوق الأريكة ممسكًا بكتفه وهو يتألم ويرد عليه بصوت مكتوم من الألم:
_الكرسى وقع على دراعي
اتسعت عيناها بدهشة وراحت تلقي نظرها على ذلك المقعد الصلب والقوى فزاد قلقها أكثر وبسرعة اندفعت نحوه تجلس بجواره تتحسس كتفه هاتفة بقلق:
_طيب أجبلك مرهم تحطه قبل ما تورم
هز رأسه لها بالنفي وهو يقول:
_لا لا هو خمس دقائق والألم هيخف لوحده
ردت عليه بحدة ممزوجة بخوفها:
_وقع عليك كيف ياچلال وأنت متاخدش بالك ليه
راحت تمسك بوجهه تحتضنه بين كفيها وتتفحصه بنظرها لتطمئن من عدم وجود كدمات، لكنها توقفت عندما رأته يضحك فقالت له باستغراب:
_بتضحك على إيه؟!!
رد عليها مازحًا بعينان لامعة بالحب:
_قولتلك وقع على دراعي مش وشي بتبصي على إيه!!
تهربت من النظر إليه وقالت بجدية محاولة إخفاء اضطرابها واهتمامها المتزايد به:
_بطمن عليك يعني ده چزاتي!
لمعت عيناه بوميض ماكر وقال وهو يقف ويهم بنزع جلبابه عنه:
_طيب كملي چميلك عاد واطمني عليا زين
سألته باستغراب ودهشة:
_بتعمل إيه.. أنتي هتقلع خلجاتك ليه؟!!
قال بنظرة لعوب وهو يضحك:
_عشان تطمني على كتفي وتشوفي لو فيه حاچة
تابعته وهو ينزع عنه جلبابه بإرياحية وذراعه المصاب يحركه بكل مرونة دون أي ألم، فرمقته بنظرة شك وهي ترفع حاجبها لكنها تصنعت السذاجة وعندما جلس بجوارها مجددًا وهو عاري الصدر، مدت يدها لكتفه وراحت تمسح عليه بلطف دون أن تنظر له على عكسه الذي كان لا يرفع عينيه عنها ويتأملها بهيام وعشق.. استغلت هي الفرصة لتتأكد من شكوكها وراحت تضغط بقوة على كتفه، وكما توقعت لم يصدر أي صوت يدل على تألمه من ضغطتها القوية فعادت تعيد الكرة مرة أخرى وهي تسأله بغيظ:
_حاسس بألم إكده!!
انتبه على صوتها وفاق من شروده بها وبسرعة راح يطلق انينًا مزيفًا وهو يقول:
_آااه لسا في ألم.. كملي بيدك يمكن يخف شوية
كانت تشتعل غيظًا منه بعدما أدركت حيلته الطفولية وتعمدًا أخذت تدلك له كتفه بكل عنف وهي تضغط عليه بقوة مما جعله يطلق تأوهًا حقيقيًا هذه المرة وهو يقول بتعجب:
_إيه يافريال براحة ياحبيبتي هتخلعيلي كتفي
ردت عليه وهي تصر على أسنانها:
_ليه مش يدي كانت فيها الشفا بقيت بتوچعك ليه دلوك!!
أنت تقرأ
رواية ميثاق الحرب والغفران
Romanceالرواية رومانسية واجتماعية ❤️ المواعيد : الأحد والثلاثاء والجمعة اسم البيدچ الخاصة بيا علي الفيس بوك قصص وروايات بقلمي ندى محمود