الفصل الحادي عشر

7.7K 240 24
                                    


(( ميثاق الحرب والغفران ))
_ الفصل الحادي عشر _

فتحت عيناها بفزع وانتفضت جالسة فوق المقعد الذي لازمته منذ أمس وغفيت عليه دون أن تشعر، تلفتت برأسها في أرجاء الغرفة ولم تجده فتنهدت مطولًا براحة واعتدلت في جلستها ترفع كفها لعنقها تدلكه بلطف وهي تتمايل برأسها يمينًا ويسارًا بفعل الألم الذي يعصف بعظامها، توقفت بعد لحظات وقادت خطواتها البطيئة تجاه الحمام لتغسل وجهها وبينما كانت بطريقها توقفت للحظة تتطلع بذلك الجلباب الأسود الذي ترتديه منذ أمس فتأففت وعادت مجددًا لحقيبتها تفتحها وتخرج منها عباءة منزلية مطرزة باللون الأزرق وبأكمام واسعة وطويلة وأخرجت معها بقية ملابسها الداخلية وذهبت للحمام لكي تأخذ حمامًا دافيء، داخلت وأغلقت الباب بإحكام خلفها تحسبًا لوصوله بأي لحظة وقد قررت بأنها ستأخذ حمامًا سريعًا قبل أن يعود.
وقفت أسفل المياه ساكنة دون حركة تترك الماء تطهرها من الأيادي التي انهالت عليها تنوي قتلها دون ذنب، تركتها تمحو الشوائب المبعثرة في نفسها المقهورة، تنظفها لتعيدها لحالتها اللامعة مرة أخرى وتطرد عنها الأتربة التي كادت تملأها لرأسها وتخنقها.

خرجت من الحمام بعد دقائق قصيرة ثم توجهت نحو المرآة المعلقة في باب الخزانة وأخرجت فرشاة الشعر خاصتها وبدأت في تسريح شعرها وهي تتأمل ملامحها الذابلة، لكنها مازالت تحتفظ ببأسها وقوتها رغم الحزن، استقرت عيناها على شفتيها المتورمة وأسفل عيناها الذي يميل للأزرق فلمعت عيناها بالعبرات لكنها اسرعت وجففتهم رافضة المزيد من الضعف، واستمرت يداها تسير بالفرشاة على شعرها بهدوء تام وملامح وجهها أصبحت جامدة فقط تتطلع لانعكاس صورتها ببرود.
انتبهت حواسها على أثر طرقة الباب الرقيقة ومن بعدها انفتح وظهرت من خلفه فريال التي دخلت وأغلقت الباب خلفها ثم تسمرت بأرضها تتطلع بآسيا وبوجهها في صدمة، أن كان الشك يأكلها فالآن هي متيقنة أن الأمر لم يكن مجرد زواج من أجل إنهاء حرب بين عائلتين.
رمقتها آسيا مطولًا بثبات قبل أن تشيح بوجهها مجددًا وتكمل تسريح شعرها وهي تهتف ببرود غريب:
_ إيه چاية تشمتي فيا يافريال.. بس عندك حق تشمتي أنا نفسي مش فاهمة كيف في يوم وليلة كل حاچة حصلت ولقيت نفسي في الآخر في بيت أبوكي، البيت اللي رچلي حرمت تعتب عتبته من بعد ما أبويا اتقتل وكان بنسبالي محرم عليا، وأخوكي اللي كنت بتوعدله ومبطيقش ابص في وشه اديني في اوضته دلوك

الذهول كان يستحوذ على فريال التي لا تحيد بنظرها عن آسيا تتمعن حالتها المزرية وتشتعر القهر في نبرة صوتها القوية رغم كل هذا، فتقدمت منها بتريث ووقفت بجوراها تسألها بترقب:
_ عملتي إيه يا آسيا ؟!
رمقتها بنظرة لا روح بها كأنها شبح يستعيد أنفاسه ليعود للحياة وقالت باسمة بشيطانية:
_ صدقيني أنا لغاية دلوك معملتش حاچة كل ده كان لعب عيال
ضيقت عيناها باستغراب وقلق من كلماتها الغامضة فعادت تلقي عليها سؤال مختلف:
_ اتچوزتي عمران ليه وكيف جلال وافق، أنا عارفاه زين مستحيل يوافق يرمي اخته عشان صُلح!
ابتسمت آسيا ساخرة وردت بشراسة:
_ ليه متروحيش تسألي أخوكي أصله محرچ عليا متنفسش بدون أذنه، ولو قولت حاچة يمكن يعلقلي حبل المشنقة
كانت تتحدث بكل استهزاء تخبرها بخوفها وأوامر أخيها لكن نبرتها ونظراتها تثبت العكس وأنها لا تكترث له.. فاشاحت فريال بوجهها عنها تتأفف بنفاذ صبر بعدما أدركت أنها لن تستطيع الحصول على معلومة مفيدة منها حول حقيقة زواجها هي وأخيها فقررت تسألها لآخر مرة لكن هذه المرة ونظرات ثاقبة:
_ وإيه اللي عمل في وشك إكده؟!
تقوست ملامحها بضيق وردت مقتضبة:
_ وقعت من على السلم.. أنتي چاية تحققي معايا ولا إيه يافريال!!
فريال بحزم:
_ مش بحقق يا آسيا لكن اللي بيحصل ده مش لادد عليا ومتوكدة أن في حاچة منعرفهاش.. اللي قصادي مش آسيا اللي أعرفها
آسيا بنظرة مميتة وجديدة تمامًا كلها جبروت:
_ صُح ومن إهنه ورايح هتشوفوا آسيا چديدة، ملكيش صالح بيا وركزي على نفسك
هتفت بتساءل وجدية:
_ اركز على نفسي في إيه؟!
آسيا في عين ثابتة ونبرة تضمر خلفها خبايا وأسرار:
_ يعني ارچعي لچوزك قبل ما تخسريه وتاچي تبكي وتولوي كيف الحريم اللي عچينها اتكب، أنت أول واحدة هتندمي ويمكن محدش هيندم غيرك.. چلال مش هيقعد يبكي وراكي كيف الحريم حتى لو بيعشقك
انقبض قلب فريال وتوغل الخوف له فراحت تسألها بعدم فهم واضطراب:
_ قصدك إيه يعني؟
ابتعدت آسيا عنها وردت بنظرة جانبية باردة:
_ مسيرك تفهمي قصدي لو فضلتي في صف أبوكي القاتل
رغم الرعب الذي استحوذ عليها من إمكانية خسارتها لزوجها إلا أنها رفضت الاستماع لصوت قلبها مجددًا ولم تكترث لكلام آسيا لترد عليها بغضب رافضة تصديقها:
_ شكل الحزن والضيق سيطر عليكي وبقيتي تخرفي، أنا ماشية

رواية ميثاق الحرب والغفران حيث تعيش القصص. اكتشف الآن