(( ميثاق الحرب والغفران ))
_ الفصل الثاني عشر _كانت تنزل الدرج وهي تتلفت حولها بقلق خشية من أن يراها أحد لكنها وصلت بالأخير للطابق الأرضي بسلام.. وقفت عند آخر السلم وتلفتت حولها بسرعة ثم اندفعت مسرعة نحو باب المنزل عندما لم تجد أحد بالأرجاء حولها، كانت بيد تحمل الحقيبة واليد الأخر مدتها لمقبض الباب لكي تفتحه وهي تشعر براحة وسعادة أنها ستتخلص من ذلك الجحيم ومن ذلك المتسلط الذي يسمى زوجها، لكن فجأة وجدت يد تمتد وتغلق الباب مجددًا وحين التفتت ورفعت رأسها وجدته عمران.. شعرت وكأن دلو من المياه البارد سكب فوق جسدها فهي منتهية لا محال بعدما أمسك بها وهي تحاول الهروب، ازدردت ريقها بخوف حقيقي هذه المرة من نظراته المتوعدة والقاتلة ثم وجدته يقبض على ذراعها بعنف وينحنى يحمل الحقيبة بيده الأخرى ليجذبها معه بقسوة للأعلى حيث غرفتهم.. ذلك المتجبر يخيفها حقًا وهي لم تكن تخشى أحد من قبل أبدًا.
وصلا للغرفة ودفعها للداخل بعنف ثم دخل والقى الحقيبة على الأرض بعدم اكتراث وأغلق الباب، ثم اندفع نحوها كالثور الهائج يقبض على ذراعها ويلويه خلف ظهرها صارخًا بها:
_مستنياني أنام كنتي عشان تغفليني وتهربي فكراني نايم على وداني ولا عبيط وبريالة
صرخت بألم وصاحت به في غضب:
_ آاااه سيب يدي ياعمران
اكمل صراخه المرعب بها:
_ ده أنا هكسرهالك هي ورچلك دلوك عشان تعرفي تهربي زين بعدين
رغم الرعب المهين عليها إلا أنها صرخت به بتمرد واشمئزاز:
_ معوزاكش ولا عاوزة أفضل معاك في بيت واحد
دفعها بقسوة فسقطت فوق الفراش وأشرف عليها بجسده العريض يصرخ بها بصوت رجولي نفضها:
_ مش بمزاچك أنا چوزك وغصبن عنك هتكوني في المكان اللي أكون فيه، وحطي مية خط تحت چوزك يعني أنتي شايلة اسمي لو الشيطان وزك في دماغك تعملي حركة تاني وتحطي راسي في الطين، أنا اللي هقتلك يا آسيا فاهمة ولا لاهزت رأسها بالموافقة دون وعي منها من فرط خوفها ثم وجدته يبتعد عنها ويستقيم واقفًا ليعود إلى الباب ويغلقه بالمفتاح ثم يخرجه ويضعه بجيبه هاتفًا:
_ من إهنه ورايح أنتي هتتحبسي صُح في الأوضة ورچلك مش هتعتب برا
انتصبت جالسة وهي تطالعه بغضب وعجز بينما هو فحدقها بقرف واقترب نحوها مجددًا ودخل للفراش ومد يده للضوء بجواره يطفأ الأضواء ثم صاح بها حين وجدها تجلس متسمرة دون حركة:
_ اتخمدي متقعديش إكده قصادي كيف الصنم
ابتلعت غصة مريرة في حلقها واستقامت واقفة ثم جلست على الأرض بمكانها وهي تحدق في الظلام أمامها بأسى وألم.....
***
داخل منزل خليل صفوان تحديدًا بغرفة خلود......
كانت تتحدث في الهاتف بصوت منخفض وهي تضحك بدلال وترد بكل ميوعة على الرجل الذي تتحدث معه أو بمعنى أدق حبيبها السري، وهو لا يتوقف عن إشباعها بكلمات العشق والغرام المزيفة التي تأخذ منحنى منحرفًا في بعض الأحيان.
هتفت مبتسمة بحماس:
_ مش ناوي تاچي تتطلب يدي عاد ولا إيه، أنا خايفة حد يعرف عاوزة نكون مع بعض والكل عارف
أجابها بنبرة عاطفية:
_ وأنا اكتر والله ياحبيبة قلبي بس أعمل إيه أنتي عارفة ظروفي، أول ما الدنيا تتظبط معايا هاچي اطلب يدك طوالي
خلود بيأس وضيق:
_ تعالى وأنا راضية بيك بأي حاچة حتى لو شقة بأوضة واحدة
هتف بلطف محاولًا التهرب من الأمر:
_ عارف ياحبيبتي بس ناسك مش هيوافقوا لازم لما اچي اطلب يدك أكون چاهز عشان اقدرك كمان قصاد الكل
ابتسمت بحب على أثر كلماته الرائعة وقالت في رقة:
_ طيب وأنا هستناك ياحبيبي
تنهد براحة أنه نجح في التخلص من ذلك الحوار المزعج وقال مسرعًا برغبة:
_ المهم دلوك أنا اتوحشتك وعاوز أشوفك
زمت شفتيها بحزن وقالت بعدم حيلة:
_ وأنا كمان اتوحشتك بس مش هقدر اقابلك الفترة دي.. أبويا وچدي مشددين عليا في الخروچ قوي وحتى علي بقى واقف فوق راسي
قال متوسلًا إياها بانزعاج:
_ اتصرفي ياخلود أنا مقدرش اصبر اكتر من كدا ليا شهر واكتر مشوفتكيش
تنفست الصعداء مغلوبة وقالت مبستمة بموافقة:
_ طيب هحاول بس اصبر يومين إكده اظبط الدنيا في البيت وبعدين اقولك ونتقابل وأشوفك
قبل أن يجيب عليها سمعت صوت طرق الباب المصحوب بصوت أخيها الرجولي:
_ خلود
ارتعبت وقالت بسرعة هامسة:
_ علي بيخبط على الباب أنا هقفل وأكلمك بعدين
أنهت الاتصال بسرعة مع حبيبها وتحكمت بأنفاسها المتسارعة لتستنشق نفسًا عميقًا وتخرجه زفيرًا متهملًا قبل أنا تقف وتتجه نحو الباب تفتح لأخيها وهي تبتسم هاتفة:
_ نعم ياعلي
هتف بصوت رجولي صارم وهو يسألها:
_ بتضحكي مع مين في التلفون في الوقت ده؟!!
ارتبكت وتلعثمت لكن تداركت نفسها بسرعة وقالت مبتسمة باتساع تحاول التصرف بطبيعية حتى لا تدع له فرصة ليشك بها:
_ ولا حد.. أنا كنت قاعدة على التلفون ومشغلة فيديوهات وبضحك عليها عادي ياعلي
طالت نظرته القوية قبل أن يقول بإيجاب:
_ طيب، عاوزة حاچة قبل ما اروح أنام؟
ردت بلطف وحب:
_ لا عاوزة سلامتك ياخوي، تصبح على خير
ابتسم لها ورد بحنو:
_ وأنتي من أهله
ثم تحرك من أمامها متجهًا نحو غرفته بينما هي فأغلقت باب غرفتها بسرعة فور رحليه وهي تتنفس براحة وتلتقط أنفاسها بسرعة من فرط التوتر الذي اجتاحها في تلك الثواني القليلة.
***
تنتظر بمكتبه داخل المعرض منذ ساعة وينام ابنها الصغير على الأريكة بجوارها واضعًا رأسه فوق فخذ أمه أما معاذ فخرج وراح يتجول ويقف مع والده، ودت أكثر من مرة أن تقف وتغادر لتعود للمنزل بمفردها لكنها تخشى جموحه فلم تعتاد منذ زواجهم أن تعصي أوامره أبدًا ولذلك بقت بمكانها تنتظره أن ينتهى من عمله كما أخبرها حتى يأخذها معه أثناء طريق عودته للمنزل، كانت بين كل لحظة والأخرى تهبط بنظرها إلى ابنها الصغير وتبتسم بدفء ممررة أناملها بكامل اللطف فوق شعره الناعم.
طال انتظارها وبدأت هي الأخرى تشعر بالنعاس لكنها قاومت ذلك الشعور بقدر إمكانها حتى لا تغفو هنا وبالأخير فشلت فبرغم محاولاتها القوية إلا أن عيناها أغلقت من تلقاء نفسها وفقدت القدرة في التحكم برغبتها في النوم حيث رجعت برأسها للخلف على الأريكة تستند على ظهرها مغلقة عيناها وقد غطت في سبات جزئي.
بعد وقت طويل نسبيًا انفتح الباب ودخل جلال وهو يقول:
_ يلا أنا خـ......
بتر عبارته في منتصفها حين رآها نائمة وعلى قدمها ينام ابنه الصغير، تحرك خطوة للداخل وأغلق الباب بهدوء دون أن يحيد بنظره عنهم وتوقف لبرهة من الوقت يتأملهم مبتسمًا بحب، ذلك المشهد الدافيء والجميل القى بكل ما يعتليه من ضيق وغضب وصنع بدلًا منهم سعادة وراحة.
تقدم بخطواته المتريثة تجاههم وانحنى على ابنه أولًا يلثم شعره بحنو مبتسمًا ثم انتصب في وقفته وسلط نظره عليها يتأملها بعتاب ونظرة مريرة، رغم كل هذا يشتاق لها بشدة وربما أن لم يختلس الفرصة الآن لن يحصل على أخرى.. استغل نومها الهاديء وانحنى عليها ببطء يلصق شفتيه بجبهتها يقبلها بكل لطف ثم انحرف بشفتيه للاسفل قليلًا يلثم وجنتها بعمق وهو مغمضًا عيناه.. كانت قبلته رقيقة وحارة بث بها كل غضبه منها وشوقه إليها، تلك الحمقاء تتعذب وتعذبه معها بسبب أفعالها السخيفة!.
استيقظت وشعرت بشيء غريب يلمس بشرتها الناعمة ففتحت عيناها دفعة واحدة وانتفضت جالسة وهي تصرخ تستنجد بزوجها بعدما ظنته رجل غريب يحاول التعدي عليها:
_ چــــلا
انتفض وابتعد عنها وبحركة سريعة كان يكتم بكفه على فمها يمنع صرختها وهو يقول بنظرة مشتعلة:
_ شششش ده أنا
هدأ روعها حين رأته وارتخت عضلات جسدها لتبعد يده عن فمها وتهتف بصوت لا يزال يحمل أثر الفزع:
_ كنت بتعمل إيه؟
اعتدل ووقف بصلابة يقول في جدية ونظرة باردة عكس التي كانت تشتعل حبًا وشوقًا منذ قليل:
_ ولا حاچة كنت بصحيكي عشان نمشي.. يلا قومي
سكتت رغم أنها لم تصدقه فهي متأكدة أنها شعرت بملمس شفتيه الغليظة فوق بشرتها لكن تجاهلت الأمر وامتثلت لأوامره ثم أشارت له برأسها على ابنهم الصغير النائم فاقترب وحمله فوق ذراعيه واستقامت هي واقفة تجذب حقيبتها وأكياسها وتسير خلفه وهي تسأله باهتمام وقلق:
_ معاذ فين؟
جلال بنبرة عادية وهو يسبقها بخطواته حاملًا ابنه:
_ في العربية مستنينا
سارت خلف خطاه بصمت وهي تتلفت حولها في المعرض الذي تقريبًا لم يتبقى به سوى بعض العمال، وحين خرجت ووصلوا للسيارة كان ابنهم ينتظرهم بالسيارة جالسًا بالمقعد المجاور لأبيه فابتسمت له بحنو وفتحت الباب الخلفي تدخل ثم انحنى جلال ودخل بنصفه ليضع ابنه بجوارها على المقعد فضمت هي صغيرها بين ذراعيها مقبلة شعره وخرج جلال ثم أغلق الباب وأستقل بمقعده المخصص للقيادة لينطلق عائدًا نحو المنزل.. كان الصمت القاتل يستحوذ عليهم طوال الطريق هي نظرها عالق عليه في المرآة تتطلع لعيناه التي بين كل آن والآخر تنظر لها بسرعة وكان معاذ يتابع الطريق باهتمام شديد غير عابئًا بما يسير بين والديه من تبادل نظرات كلها عتاب وغضب.
بعد دقائق طويلة نسبيًا توقفت السيارة أمام منزل إبراهيم الصاوي فقبلت فريال ابنها الصغير النائم في حضنها وابعدته عنها بحذر شديد ثم نزلت ونزل معاذ معها، ضمته هو الآخر لصدرها هامسة بحنان وحب:
_ خد بالك من نفسك ومن أخوك وذاكر زين يامعاذ متلعبش وتسيب واچبك.. تخلص واچبك ومذاكرتك الأول وبعدين تلعب واسمع كلام أبوك ماشي
ابتسم لأمه وهز رأسه بالموافقة يتمتم:
_ حاضر ياما
لثمت شعره بدفء ثم رتبت فوق كتفه بلطف لكي يستقل بجوار أبيه مجددًا ليرحلوا، وبمجرد ما أن ركب استدارت هي وسارت تجاه باب منزل والدها وقبل أن تدخل التفتت فرأت جلال ينظر لها ينتظر دخولها حتى يطئن ويغادر وبالفعل فور دخولها انطلق بالسيارة يذهب للشارع الخلفي حيث منزله.
***
كانت آسيا تقف بشرفة الغرفة بتلك اللحظة التي وصلت فيها فريال ورأت أخيها داخل السيارة وهو يودع زوجته بنظراته، ظنت أنه سيرفع نظره للأعلى حيث غرفة عمران لكنه لم يفعل وانطلق بسيارته عائدًا لمنزلهم، بقت بأرضها تحدق في أثره وعيناها غارقة بالدموع.. كان الألم يعصف بقلبها في عنف كلما تتخيل أنها لم يعد لها وجود بحياتهم حتى أنهم انتزعوها من بينهم والقوها كالقمامة، لهذه الدرجة لم تكن تعنيهم بشيء ولم يحبوها؟!.. ظنت أنها الوحيدة التي تحصل على كل الحب من عائلتها وكانت تلك الشيطانة خلود تحسدها عليه ولكن اتضح أن مع أول خطأ اقترفته نسوا كل ذلك الحب، لم ينصفها أحد بينهم والجميع كان ضدها يتهمها ويعاقبها على ذنبها الذي لم تقترفه.. ليتهم قتلوها لكان الموت ارحم من هذا العذاب الذي تعيشه الآن.
داخلت للغرفة المظلمة والقت نظرة على عمران النائم في فراشه بعمق ثم تحركت تجاه فرشتها فوق الأرض وجلست مستندة بظهرها على الحائط وتضم ساقيها لصدرها تبكي بصمت ، عبراتها تنهمر فوق وجنتيها ساخنة كالنيران من فرط حرقتها وتحدق في الفراغ أمامها بنظرة لا روح بها حتى انتفضت على صوت رنين هاتفه المرتفع فاسرعت وتمددت على الأرض تضع رأسها فوق الوسادة تتصنع النوم.
فتح عمران عيناه بخمول على أثر صوت رنين هاتفه المزعج ثم مد يده وجذبه ليجيب على المتصل الذي كان ضمن أحد الشباب الذين يعملون في وكالة العطارة وكان يريد إخباره بشيء مهم يخص العمل، ورغم الغيظ الذي استحوذ عمران من اتصاله في ذلك الوقت وأنه تسبب في استيقاظه من نومه لكن تمالك أعصابه ورد عليه بهدوء مزيف وصوت ناعس:
_ طيب خلاص لما آچي بكرا نبقى نشوف الموضوع ده.. هو ده وقت تتصل فيه عشان الشغل
رد الشاب معتذرًا بأدب:
_ معلش يامعلم صحيتك من النوم أنا مكنتش عارف أتصرف كيف لغاية الصبح عشان إكده اتصلت بيك
مسح عمران على وجهه متأففًأ ورد بنفاذ صبر:
_ طيب اقفل خلاص دلوك وروح بيتك نام بزيادك
_ حاضر يامعلم، تصبح على خير
انهى الاتصال والقى بالهاتف على الفراش في عدم مبالاة، وقبل أن يخلد للنوم مرة أخرى رفع رأسه قليلًا والقى نظرة عليها فوجدها نائمة.. كان سيهم بالنوم مجددًا لكن اقتحمت أذنه صوت شهقة انفلتت منها ورغمًا عنها بسبب بكائها، تمعن بها للحظات في صمت وزفر بخنق حين أدرك أنها تبكي، تلك الساذجة تدفعه بتصرفاتها المستفزة والعشوائية لإخراج اسوء ما به وهو لم يعنف ولم يعامل امرأة بقسوة كما يفعل معها بسبب تصرفاتها حتى لو كانت تستحق.
أنت تقرأ
رواية ميثاق الحرب والغفران
Romanceالرواية رومانسية واجتماعية ❤️ المواعيد : الأحد والثلاثاء والجمعة اسم البيدچ الخاصة بيا علي الفيس بوك قصص وروايات بقلمي ندى محمود