الفصل الخامس

1.7K 57 1
                                    

الفصل الخامس
ليلة واحدة
حفل الزفاف كان كبيرا .. يليق باسم عائلة جهاد الكبير .. تم في أحد الفنادق الفخمة .. وكان مدعووه من علية سكان المدينة .. ارتدت سلام فستان زفاف أبيضا ورائع الجمال .. أصرت حماتها على شراءه لها من أحد أهم دور الأزياء المحلية ..
أما جهازها .. فقد رفضت خالتها بشكل قاطع عرض السيدة جهان بأن تشتريه لسلام كهدية .. بل قررت بحزم بأن جهاز العروس يجب أن تقوم عائلتها بشرائه كاملا بما يليق بها .. يومها .. أخذتها خالتها إلى غرفتها .. وأخرجت صندوقا مقفلا من داخل خزانتها .. فتحته بمفتاح صغير .. وعرضت على سلام محتوياته البراقة والمليئة بالمجوهرات .. أمسكت إحدى القلائد الذهبية الجميلة وهي تقول بانبهار :- أمي .. من أين لك هذه الأشياء؟
قالت خالتها بهدوء :- هذه الأشياء ليست لي .. بل لك يا سلام .. إنها مجوهرات والدتك .. احتفظت بها لأجل هذا اليوم .. لن أسمح أبدا بأن يقلل أي أحد من شأنك .. قد يكون جهاد فهمي وعائلته بثراء قارون .. ولكننا لا نقل عنهم كبرياء وعزة نفس .. ستدخلين بيت الزوجية دون أن ينقصك أي شيء ..
قربت الصندوق من سلام قائلة :- اختاري القطع التي ترغبين في الاحتفاظ بها .. وبثمن الباقي .. سنشتري لك كل ما تحتاجين إليه
أرادت سلام المتأثرة أن تخبر خالتها بأن لا داعي لكل هذا التكلف لأجل زواج لن ينجح .. ولكن ما فعلته هو الإمساك بقلادة طويلة .. من الطراز القديم .. تدلت منها سبيكة ذهبية دائرية الشكل .. نقشت عليها كلمة ما شاء الله في الوسط
بخط جميل جدا .. نظرت إليها شاردة فقالت خالتها بصوت مختنق :- لقد كانت هذه المفضلة لدى والدتك .. لقد أهداها والدنا المرحوم لها ليلة زفافها بوالدك .. لقد آمنت طويلا بأنها تمتلك قوة حمائية .. كفيلة بإبعاد الأذى عنها .. ليلة الحادث .. كانت قد انتزعتها من عنقها لأول مرة وارتدت قلادة أخرى كانت هدية والدك لها بعد إنجابها لك
تشبثت سلام بالقلادة بقوة .. وفكرت بعينين مغشيتين بالدموع .. هل كان قدري ليتغير لو أنني كنت أرتديها قبل سنتين ؟
خلال الشهر الذي سبق الزفاف .. تعرفت سلام إلى عائلة جهاد كاملة .. إلى والده الرائع .. الذي رحب بها في العائلة بطريقة أبوية محضة جعلتها تشعر بغصة من لم تعرف أبا يوما
وتعرفت إلى حسام شقيق جهاد .. الذي صعقها بشبهه بأخيه الأكبر .. وإن كان يبدو أكثر بساطة ومرحا .. وسعادة في حياته مع زوجته نورا .. التي كانت شديدة اللطف والترحيب بها وتبدو في غاية السعادة في انتظار مولودها الأول
تعرفت أيضا إلى زوج سارة ( علاء ) .. وهو مهندس ناجح دمث الأخلاق ومغرم بجنون بزوجته الشقية مما يمنحه الطاقة لاحتمال أفعالها المتمردة
كان من الممكن لسلام أن تسعد بلقاء عائلة محبة كعائلة جهاد .. واعتبارهم كعائلة ثانية لها .. لو لم يكن إحساسها طوال فترة الخطوبة .. أشبه بشعور شاة صغيرة تساق رغما عنها إلى الذبح
في اللقاءات القصيرة التي جمعتها بجهاد قبل الزفاف .. حاولت مرارا إقناعه بعدم جدوى هذا الزواج .. ولكنه كان يزداد عنادا كلما حدثته في الأمر .. كالطفل المدلل الذي بحث طويلا عن لعبة مميزة لا مثيل لها .. وعندما وجدها اخيرا .. رفض التخلي عنها
رغم اكتئابها وحزنها الواضح .. بدت سلام رائعة الجمال في حفل الزفاف .. جميع الحاضرين أثنوا على جمال ورقة عروس العائلة الجديدة .. وتهامسوا فيما بينهم عن السر الذي دفع جهاد أخيرا للتخلي عن عزوبيته واستهتاره من أجل فتاة وإن كانت تمتلك جمالا مميزا .. إلا أنها تنتمي إلى عائلة متواضعة لا تمتلك المال أو الاسم العريق
رمقت سلام مظاهر الفرحة بين الموجودين بمرارة متساءلة إن كان أحدهم يدرك ما تمر به .. خالتها كانت تذرف دموع الفرح دون توقف وهي تتلقى التهنئة إلى جانب السيدة جهان التي بدت في غاية الأناقة .. وسعيدة جدا بزواج ابنها .. صدحت الموسيقى في الارجاء .. وبدأ بعض المدعوين يحتل حلبة الرقص .. حيث تمايلت الفتيات مع الألحان في غنج .. وصفق لهم الرجال ضاحكين .. سارة كانت رائعة الجمال بفستانها الأسود القصير كما بدت نورا بفستان الحمل المطرز .. عماد كان مختفيا عن الأنظار حرجا كما ظنت سلام .. وجهاد كان جالسا إلى جانبها وقد ظهرت عليه معالم العريس المزهو بعروسه الرائعة .. مال نحوها بعد دقائق قائلا بغيظ :- هلا ابتسمت قليلا وتظاهرت بالسعادة على الأقل ؟ .. الكل يتساءل إن كانت العروس قد سيقت مرغمة إلى هذا الزواج
ابتسمت وهي تومئ برأسها ردا على تحية أحد الحاضرين وقالت :- أليست هذه هي الحقيقة ؟ على كل حال لن يصدق أحد أنني قد أرغمت على الزواج من جهاد فهمي العظيم .. وفقا لما أراه في أعين كل فتيات الحفل من حزن وخيبة وحقد .. فقد خطفت منهن عريسا لا يمكن أن يرفض
قال بضيق من تهكمها :- لم لا تبدأين بالتفكير بهذه الطريقة إذن ؟ سيسهل هذا الأمور عليك كثيرا ؟
نظرت إليه قائلة بغضب :- سيسهلها عليك أنت بالتأكيد .. أما أنا .. حتى بعد أن عقد فراننا هذا الصباح .. ما زلت رافضة لهذا الزواج القسري
برقت عيناه الخضراوان بالغضب للحظة .. ولكن سرعان ما حل محله الخبث وهو يقول :- سأعمل بعد هذا الحفل على تغيير رأيك جذريا
ارتعشت عندما نظر إلى فمها .. وإلى فتحة عنق فستانها الواسعة .. وتذكرت قبلته الوحيدة التي لم تتكرر بعد ذلك المساء الذي طلب فيه يدها أول مرة .. كانت نظرته معبرة للغاية .. وتقول بوضوح بان ما سيحدث هذه الليلة يتعدى بكثير تلك القبلة .. انتابها الرعب للتفكير بما سيحدث فلم تتمالك نفسها وصاحت به :- أنت وقح
أطلق ضحكة عالية دغدغت حواسها مما أزعجها .. مالت نحوه قائلة بعنف :- تظن نفسك بارعا وعنيدا .. تحصل على ما تريد مهما كانت العقبات .. لقد سبق وحذرتك بأن هذا الزواج سيكون مهزلة .. ولكن لا .. الطفل الأناني داخلك ألغى كل منطق لديك ومنعك عن رؤية الدلائل الواضحة على كارثة الزواج المقبلة
صمت للحظات وهو يتأمل وجهها الفاتن .. ولمعان الغضب في عينيها .. ثم قال بهدوء :- اظنني مستعد للمجازفة
التقت نظراتهما طويلا .. هو بتحدي وإصرار .. وهي بغضب يكاد يتحول إلى ذعر هستيري .. اندفع نحوه في تلك اللحظة شقيقه حسام .. وحفنة من أصدقائهما الشباب يسحبان جهاد للمشاركة في رقصة رجالية على الموسيقى التقليدية التي صدحت في أرجاء القاعة .. راقبته وقد استحال غضبها إلى حزن عميق .. حزن لا يعرف أسبابه غيرها .. لقد فات الاوان على تدارك الأمر .. وهي الآن زوجة جهاد الذي ما أن يأخذ غرضه الذي يؤرقه منها .. حتى ينبذها بعيدا .. وربما يطلقها أيضا
بدت لها هذه الفكرة مؤلمة للغاية وهي تتأمله يرقص برشاقة مع أصدقائه .. كان يبدو في غاية الوسامة بالحلة الرسمية الانيقة السوداء التي لاءمت جسده الطويل والقوي تماما .. سحره انتشر ليبهر جميع الموجودين وهو يضحك مستنكرا عندما تعاون الرجال على حمله فوق أكتافهم .. أحست بقلبها يخفق بقوة وهي تتأمله من حيث تجلس فوق منصة العروسين .. لطالما كان يمثل لها المثال الكامل للجمال الرجولي .. منذ راته قبل سنتين مضرج بالدماء .. وبحاجة يائسة للمساعدة .. لم تفارقها عيناه الخضراوان يوما .. ولم تخلو أحلام اليقظة التي كانت تستعين بها على الواقع من وجوده فيها .. حيث كان يحبها فيها ويهتم بها .. ويعدها بانها ستكون بخير .. ترقرقت الدموع في عينيها وهي تتمنى بألم لو كان الأمر مختلفا .. لو انهما التقيا في ظروف أخرى .. وكانت هي مجرد فتاة عادية تتمنى ان تحظى بحب حبيبها .. واهتمامه .. وحمايته .. وكان هو مجرد شاب يجد فيها المرأة التي يحب ويرغب في قضاء حياته معها .. وليس الفتاة التي سيجن إن لم يحصل عليها
سيل الألم العميق سرى بين عروقها بعنف على إثر هذه الأفكار .. وإدراك تام لمعناها سبب لها صدمة جعلتها تحدق في عريسها الضاحك الشديد الوسامة ذاهلة .. لقد كانت قادرة على تحاشي هذا الزواج .. قادرة على أن تنفر هذا الرجل منها بكلمة واحدة .. ولكنها لم تفعل .. لماذا ؟ .. أ لأنها أحبته .. وأرادته .. وأملت بأن يمنحها ما تحتاج إليه من حب وعاطفة ؟
أغمضت عينيها وهي تكاد تبكي مرارة .. إنها تحب جهاد .. منذ رأته قبل سنتين مضرجا بدمائه وبحاجة ماسة للمساعدة .. تحبه بجنون ويأس .. وقد منعها خوفها وألمها من إدراك هذا .. عندما عبر بتلك الطريقة عن هوسه بها ورغبته فيها .. عقلها الباطن منحها الأمل بأنه ربما .. ربما يحبها بنفس الطريقة .. وبانها قد تستحق القليل من السعادة .. على الأقل لليلة واحدة .. تشعر فيها بانها محبوبة ومرغوبة .. وإن انتهى الحلم في اليوم التالي ..
ألهذا خنعت عن مقاومته ؟؟.. ألهذا استسلمت لضغط خالتها وعماد ؟ ألأنها أرادت في قرارة نفسها الاستسلام ؟ وماذا عن الغد .. ألم تفكر به ؟ هل باعت قلبها وعمرها لأجل ليلة حلمت بها لسنوات ؟ هل يستحق جهاد منها هذه التضحية ؟؟
بينما هي تجاهد للسيطرة على ذعرها من الأفكار التي ما انهالت عليها ضربا كالسياط .. سمعت صوتا أنثويا رقيقا يقول :- مبارك يا عروس
التفتت سلام إلى صاحبة الوجه الجميل .. والشعر الأسود الطويل والعينين الزرقاوين .. وقد وقفت إلى جانبها فتاة لا تقل عنها جمالا .. وقد تعارضت فتنتهما مع الكراهية الواضحة المطلة من عينيهما .. تمتمت سلام تائقة إلى انسحاب الفتاة والبقاء وحيدة :- أشكرك
إلا أن الفتاتين كانت لهما خططا أخرى .. إذ أمالت زرقاء العينين رأسها جانبا وهي تتأمل سلام قائلة :- أنت جميلة جدا .. عندما تزوج جهاد أخيرا .. أحسن الاختيار فعلا .. أليس كذلك ؟.. هذا غير مستبعد إذ أنه خبير في الفتيات الجميلات
لكزتها صديقتها بطريقة واضحة بينما غطت هي شفتيها الحمراوين بأناملها قائلة بقلق :- أنا آسفة .. هل قلت ما لا يجب قوله ؟.. لا أظنك تجهلين ماضي جهاد الحافل
ابتسمت سلام ببرود والغيرة تنهش قلبها من ذكر النساء اللاتي عرفهن عريسها في الماضي .. قالت أخيرا :- ليس هناك من يجهل ماضي جهاد .. لقد عرف كعازب الكثير من الفتيات .. ولكن هذا انتهى الآن
قالت الفتاة بمكر :- هل أنت متأكدة ؟
لم تكن سلام ضحية سهلة .. إذ رمشت بعينيها ببراءة مصطنعة وقالت :- هل أنت واحدة منهن ؟ أعني الفتيات اللاتي نبذهن جهاد ورفض الاقتران بهن قبل أن يختارني أنا ؟
ثم نظرت إلى صديقتها بابتسامة عذبة قائلة :- أم أنها صديقتك التي كانت تتمنى أن تكون مكاني ؟
نجح مسعاها .. إذ احمر وجه الفتاتين بغضب .. قالت الأولى :- لقد اختارك لتكوني زوجته والله يعلم السبب .. ولمن لا تحسبي بأنك ستكونين الوحيدة .. حب التنويع يجري في دم جهاد .. ولم تتمكني أبدا من ربطه وترويضه .. ربما فتاة مثلك قد تقبل بأن يعاشر زوجها غيرها مقابل حياة الترف التي ستحصل عليها منه
تراجعت إلى الخلف قائلة بانتصار :- أرجو لك ليلة زفاف سعيدة يا عزيزتي
راقبتهما سلام بحزن وهما تختفيان بين المدعوين .. لم تكن سلام جاهلة بماضي جهاد .. لقد استشفت بنفسها خبرته عندما قبلها .. كما أن سارة قد أخبرتها في زلة لسان عن الفتيات اللاتي تبكين مرارة بسبب زواجه
ليت ماضي جهاد وحبه للتنويع كما قالت الفتاة .. يكونا أكبر همومها
كانت الساعة قد أتمت الثانية صباحا عندما انتهى الزفاف أخيرا .. ودعت عائلتها وأصدقائها فب الصالة قبل أن يصطحبها جهاد إلى سيارته .. وفي المقعد الخلفي .. أراحت رأسها إلى الخلف .. وأغمضت عينيه بإرهاق فسألها :- متعبة
قالت دون أن تفتح عينيها :- وهل تستغرب هذا .. لم أنم ليلة كاملة منذ شهر تقريبا .. أتوق بشدة للتخلص من هذا الفستان .. والنوم بعمق حتى الصباح
:- أوافقك الرأي بالنسبة للفستان .. ولكن أظننا ستؤجل النوم قليلا
رفعت رأسها ونظرت إليه مصدومة وقد ذكرها بالواقع الذي كانت تنشد نسيانه .. راقب بدقة كيف انسحب اللون من وجهها وارتسم الذعر في عينيها الواسعتين .. كان يرغب بتهدئتها وطمأنتها بان مكروها لن يصيبها .. إلا أنه اكتفى بتأملها من حيث كلن يجلس مسترخيا في كسل .. وعيناه تجولان فوقها بحرية مما جعل السخونة نسري في انحاء جسدها .. قالت بغيظ :- توقف عن النظر إلي هكذا
قال بمكر :- سأفعل إن فعلت هذا
سحبها فجأة لتلتصق به .. فانتفضت لإحساسها بدفء جسده .. وبصدره القوي يعانق صدرها .. فبسطت أصابعها فوقه محاولة دفعه عنها وقد ارتسم الذعر في عينيها .. وتلاحقت انفاسها .. إلا انه كان يحيط بها بذراعه بإحكام
كان وجهه قريب منها لغاية .. أنفاسه الدافئة تداعب وجهها كما نظراته بالضبط .. تسللت رائحة عطره الثمين الممزوجة برائحته الرجولية إلى انفاسها لتشتت تركيزها .. فهمست مرتعشة :- أرجوك
ذعرها وتوترها كانا واضحين .. أحب ان يرجع سبب ارتعاشها إلى تأثرها به .. فبالنسبة إليه .. كان قربها منه يثير جنونه إلى حد قد يدفعه لتجاهل وجود السائق وأحد حارسيه الشخصيين في المقعد الامامي ويقبلها حتى تنسى كل مخاوفها .. لقد تزوجته أخيرا .. وأصبحت له .. ملكه وحده .. ملاكه البريء الجميل .. ساحرته الفاتنة .. اخيرا بين يديه .. صحيح انه قد ضغط عليها لتقبل به .. ولكنه لن يدخر جهدا كي يزرع حبه في قلبها .. يا الله كم هو في حاجة إلى حبها .. وإلى وجودها في حياته .. لولا كبرياءه وغروره الشديدين .. لجثى على ركبتيه .. وقبل يديها الناعمتين قبل أن يضمهما إلى قلبه متوسلا منها العاطفة ..
أغشت العاطفة عينيه وهو ينظر إليها بطريقة اعقدت لسانها .. فتحت فمها دون أن تعرف ما عليها قوله .. فوضع أنامله على شفتيها هامسا :- ششششش .. لا تقولي شيئا .. فقط اشعري .. اشعري بي .. وبحاجتي إليك
ترقرقت الدموع في عينيها .. وارتعشت عندما داعبت أطراف أنامله شفتيها الناعمتين .. ثم لامست ذقنها وعنقها بطريقة جعلت عقلها يتوقف عن العمل .. ويخضع تماما لسيطرته
لم يوقظها من خدرها إلا توقف السيارة .. وقول السائق :- لقد وصلنا يا سيدي
ابتعد عنها بسرعة أدهشتها .. وأبدى رصانة وتحفظ وهو يفتح الباب ويساعدها على الخروج من السيارة ومن بين طيات فستانها الكبير .. هل تذكر الآن فقط وجود شهود على عواطفه اتجاه عروسه ؟؟
مكان إقامتها الجديد كان يقع داخل عمارة فاخرة مكونة من ثلاثة أدوار .. في أحد الأحياء الراقية المعروفة .. لم تكن قد زارته قبل الآن .. فأحست بالاضطراب وهي تدخل إلى المبنى عبر البوابة المعدنية الكبيرة برفقة جهاد الذي أمسك بمرفقها وكأنه يخشى أن تهرب منه ..
شقتهما احتلت الطابق الأخير كاملا .. وكان عليها استخدام المصعد الكهربائي للوصول إليه .. حشرت سلام نفسها إلى جانبه داخل المكان الضيق وهي تتحاشى النظر إليه .. بينما كان بعكسها تماما .. مستمتعا بمراقبتها .. وتأمل معالم الحرج والتوتر الباديين عليها
انتهت المحنة سريعا لحسن حظها .. فتح باب الشقة وهو يقول :- أرجو أن يعجبك المكان .. لقد بذلت أمي وسارة جهدا كبيرا في جعلها شقة مناسبة لعروسين
خطت إلى الداخل بارتباك .. وتأملت المكان حولها بإعجاب صامت .. فالشقة الواسعة كانت رائعة تماما .. خالتها كانت قد وصفتها لها عندما جاءت بمفردها لترتيب جهازها .. إلا أنها لم تفيها حقها .. فكل شيء في المكان .. من طلاء الجدران .. إلى قطع السجاد الثمينة التي غطت الأرضية الرخامية .. إلى الأثاث الحديث و الأنيق .. وانتهاءا بالإنارة الموزعة بإتقان ..كان رائعا
همست :- إنه جميل جدا
راقبته بطرف عينها وهو يخلع سترته وربطة عنقه قائلا :- تابعي تجوالك .. ستجدين المطبخ عبر الباب الأيسر من الممر .. وإلى الداخل .. سترين غرف النوم
غرف النوم .. ازدردت ريقها .. وسارت على مهل تتأمل المطبخ الواسع والمجهز بشكل كامل .. ثم غرفة مكتب أنيقة تحوي كل المتطلبات اللازمة لعمل جهاد .. بالإضافة إلى مكتبة كبيرو رصت فوقها مجموعة أنيقة من الكتب
كانت واعية تماما لوجوده خلفها .. يصف لها ما تراه بهدوء .. مدركة الحد الذي يخطط للوصول إليه .. لأنها ما إن استدارت لتعود من حيث اتت ..قطع عليها الطريق قائلا برقة :- لم تري غرف النوم بعد
ولا تريد رؤيتها .. ولكنها اضطرت للتحرك امامه .. إلى داخل الغرفة الكبيرة الرائعة الجمال .. حيث سقط نظرها مباشرة فوق السرير الضخم الذي توسط الغرفة .. وقد علته الشراشف المطرزة والمزينة بالدانتيل
سألها برقة :- هل اعجبتك ؟
تحاشت النظر إليه وهي تقول بصوت مختنق :- جميلة جدا
فاجأها بسؤاله :- هل ترغبين باستبدال ملابسك .. لابد أن هذا الفستان رغم جماله مزعج للغاية
مرت يدها فوق شعرها المثبت جيدا بتسريحة متقنة .. وه يتقول باضطراب :- لا .. لا اعرف
راقبته يتجه بقامته المديدة إلى إحدى الخزائن العديدة التي كادت تلامس السقف بارتفاعها .. مد يده إلى داخل الخزانة . وأخرج فميص نوم رائع الجمال .. انساب فوق يديه وهو يقدمه إليها قائلا :- هيا .. بدلي ملابسك .. وسأعد بعض القهوة .. بعد هذه الليلة المتعبة .. يحتاج كلانا إلى منشط ما
تركها وحدها .. فأحاطت نفسها بذراعيها هامسة ببؤس :- ماذا علي ان افعل ؟
إن عاد جهاد ولم يجدها قد بدلت ملابسها بعد .. قد يقوم بأي عمل فجائي يناسب طبعه العاصف .. قررت مجاراته .. وحملت قميص النوم الذي اختاره لها .. ودخلت إلى الحمام الخاص بالغرفة
بعد دقائق قليلة .. سمعت صوت طرقاته على باب الحمام وصوته يقول :- سلام .. هل أنت بخير ؟
أخذت نفسا عميقا وقالت :- سأخرج حالا
ولكن كيف ؟ عندما نظرت إلى نفسها في مرآة الحمام الكبيرة .. ذهلت للجمال الذي أسبغه على جسدها الرشيق بقماشه اللامع .. ظهرت ثنايا جسدها وأنوثته الصارخة .. وهي تدعو إلى شيء واحد فقط .. الشيء الذي يجب أن تتحاشاه سلام أكثر من أي شيء آخر .. ولكن كيف ؟
من حسن الحظ .. كان وجود روب خاص بالقميص لا يقل عنه جمالا وشفافية .. وعندما ارتدته .. لم يخف الكثير من مفاتنها .. ولكنه كان كافيا لتشجيعها على الخروج أخيرا حيث وجدت جهاد قد بدل ملابسه إلى بيجاما حريرية زرقاء اللون .. لم يغلق أزرار قميصها .. فظهر صدره الأسمر المكسو بالشعر الناعم .. فتذكرت مرغمة تلك اللحظات التي كانت تمرر فيها يدها فوقه لتشعره بوجودها وهو غارق في غيبوبته
كان واقفا إلى جوار منضدة الزينة .. يصب القهوة في فنجانين صغيرين عندما رآها عبر المرآة الكبيرة .. وفجأة .. توقف الزمن لحظة التقت عيناه بعينيها .. قرأت بوضوح المشاعر العنيفة التي ظهرت على وجهه أثناء تأمله لها .. مزيج من الإثارة .. والرغبة .. والحنان .. فأطرقت بخجل وهي تحيط جسدها بذراعيها اتقاءا لنظراته الساخنة
وضع إناء القهوة فوق الصينية الفضية .. وقال بهدوء :- اقتربي .. قبل أن تبرد قهوتك
تقدمت ببطء نحوه حيث أزاح المقعد الصغير من أمام المنضدة إلى الخلف ودعاها للجلوس .. وقدم إليها فنجانها فأخذته شامرة وحريصة على ألا تتلامس أناملهما
احتست القهوة اللذيذة ببطء .. بينما هي تشعر بحرارة نظراته تحرقها من الخلف .. قال بصوت دافئ :- هل خف تعبك قليلا ؟
همست :- قليلا
اقترب منها .. بينما احتفظت هي بوضعها .. محدقة في الفنجان بإصرار .. ولكنه أخذه من بين أصابعها .. ووضعه على المنضدة ..وضع يديه فوق كتفيها بتملك .. فارتعشت توترا وترقبا .. قال بخفوت :- اهدئي
بحركات ناعمة .. بدأ يدلك عضلات كتفيها .. فأغمضت عينيها وهي تشعر بزوال تشنجها .. فأصدرت رغما عنها أنين رضا .. سمعت على إثره جهاد يطلق تنهيدة عميقة .. قبل أن يزيح الروب عن كتفيها ليسقط على الأرض
ارتبكت .. وغطت عنقها وصدرها بذراعها عندما أوقفها جهاد برفق وأدارها لتواجهه .. نظر بثمل إلى ملامح وجهها الناعمة .. والجميلة .. ثم انحدرت نظراته نحو خطوط كتفيها الأنيقة وبياض بشرتها الناعمة
همس ب رقة :- لا تخجلي مني .. أنت زوجتي الآن .. أنت امرأتي .. وحبيبتي .. ولي وحدي
أسكرتها كلماته .. فدنت منه رغما عنها تستمد المزيد من المحبة والشغف .. لقد كانت بحاجة ماسة للشعور بالحب .. وبانها جديرة به .. وفي تلك اللحظة .. كان هذا ما أحست به سلام .. عندما أحنى جهاد رأسه ليقبلها .. برقة ونعومة .. وهو يحتضنها بين ذراعيه بقوة .. وكانه يريدها قطعة من جسده
نسيت سلام الواقع للحظات وهي تستسلم لمشاعر جهاد العاصفة .. ولكنها عادت إليه مصدومة عندا حملها إلى السرير .. وبدأت لمساته تزداد جرأة .. لهثت قائلا بارتباك :- جهاد .. اتركني أرجوك
غمغم بكلمات غير مفهومة دون ان يسمح لها بالابتعاد .. بينما ذلك الطنين يدوي في أذنيها مجددا .. ثم يتحول تدريجيا إلى ضجيج صاخب دفعها لان تصرخ فجأة وهي تدفعه بعيدا عنها :- توقف .. أرجوك .. لا تؤذني
رفع رأسه ناظرا إلى وجهها المذعور دون ان يتركها .. محكما قبضته عليها .. أذهله ذعرها وكأنه وحش مفترس وجدت نفسها بين أنيابه .. فقال بصوت أجش :- اهدئي .. اهدئي يا حبيبتي
استمرت في التخبط اللاواعي في محاولتها التملص منه .. ولكنه ما كان ليسمح لها بالابتعاد .. ليس وقد حصل عليها اخيرا .. مرر يده عبر خصلات شعرها الناعم .. مكررا بلهجته الرقيقة :- اهدئي .. أنا لن أؤذيك أبدا .. ولن أسمح لأي أحد بأذيتك
كان لصوته مفعول المهدئ عليها .. إذ استرخت فجأة .. وتوقفت عن القتال .. ونظرت إلى وجهه الوسيم الحبيب .. فلم تر غير العاطفة الصادقة والرغبة العميقة .. فانتابها إحساس مؤلم بانها ربما .. ربما تستحق شيئا ولو يسيرا من مشاعره نحوها .. واهتمامه بها
ترقرقت دموعها في عينيها وهي تهمس برجاء مس شغاف قلبه :- هل تعدني بهذا ؟
لم يجبها عن سؤالها .. ليس بالكلمات على الأقل .. إذ عاد يقبلها بكل ما يمكن ان يصدر عن رجل عاشق من رقة وحنان .. فاستسلمت له سلام بدون أي تحفظ .. وقد قررت منح نفسها ومنحه هو .. هذه الليلة .. ولا يهم إن كرهها أو كرهها في الصباح
على الأقل .. ستحتفظ بذكرى هذه اللحظات غالية على قلبها إلى الأبد ..


 انتهى الفصل

رواية سلام لعينك لكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن