الفصل الثامن

1.6K 49 2
                                    


الفصل الثامن
ليس لي
فكرت سلام بانها لا يمكن ان تتحمل المزيد من التظاهر عندما قارب وقت مغادرتها مع جهاد منزل العائلة
ارتدت للمناسبة طقما ابيضا شديد الأناقة .. واهتمت بزينتها حتى بدت في النهاية أشبه بدمية جميلة تسر الناظر إليها .. بالرغم من هذا .. لم يقتنع جهاد بمظهرها تماما .. فعندما وصلا إلى باب الفيلا التي تقطنها عائلته .. قال ساخطا قبل ان يقرع الجرس :- هلا رسمت على وجهك ابتسامة على الأقل
قالت بخشونة :- هذا أقصى ما أستطيع فعله
نظر بإمعان إلى عينيها المتعبتين .. وفمها الحميل المقوس بحزن .. فقال :- ربما أستطيع انا أن أفعل شيئا
وقبل ان تفهم قصده .. أحاط خصرها النحيل بذراعه وجذبها إليه .. فصاحت بذعر :- ماذا تفع.....
لم تستطع إكمال جملتها .. إذ كتم أنفاسها بقبلة قوية .. بعثت الرجفة في أوصالها .. وأنستها ما كادت تقوله .. في الواقع .. لقد أنستها كل شيء .. حتى ليلتهما الاولى وخزيها الشديد .. قسوته وازدراءه هذا الصباح .. لقد نسيت حتى مخاوفها التي قلما تغادرها
وعندما تركها .. نظر إلى وجهها بعينين لامعتين .. وقال بصوت أجش :- بالتأكيد .. هكذا بالضبط تبدو العروس المتيمة
قبل أن تصحو من صدمتها .. فتح الباب فجأة .. وأطل وجه سارة المتورد خجلا وفرحا وهي تصيح :- ها انتما أخيرا .. لم أستطع انتظار أن تقرعا ا لجرس .. وإلا لكنت انتظرت طويلا
عرفت سلام من نظرة سارة الخبيثة أنها كانت تراقب ما يحدث عبر العين السحرية .. وأن المشهد الغرامي الذي رأته قد أسعدها .. لاحظت سلام انها ما تزال ملتصقة بجهاد .. ومحاطة بذراعه .. فابتعدت عنه بارتباك بينما حيا هو أخته بهدوء ومرح .. وكأن شيئا لو يحدث
هل كان يعرف بوجود عين رقيبة عندما قبلها بذلك الشكل ؟
بدا لها هذا السبب منطقيا .. فهو لن يرغب بلمسها بعد الآن .. وهمه الاكبر هو إقناع العائلة بكمال ومثالية علاقتهما
أفسحت لهما سارة الطريق قائلة :- الجميع في انتظاركما .. ادخلا ..
تأثير قبلة جهاد الكبير لم يغادرها بسهولة .. حتى بعد انفصالها عن جهاد وإحاطة جمع من القريبات النسنات بها .. يحاولن الاستفسار عن نتائج ليلة الزفاف بطرق غير مباشرة .. لم تستطع النطق وهي تحدق في الوجوه كالمذهولة .. فاهتزت الرؤوس برضا وقد وجدن في ذهولها جوابا شافيا
أخيرا بعد وقت طويل .. وجدت خالتها .. التي ضمتها دامعة العينين .. وأخذتها جانيا محاولة استنطاقها لتعرف إن كانت سعيدة ام لا
رغما عنها .. تدفقت دموعها تأثرا بحنان خالتها .. والذي كانت في أشد الحاجة إليه في هذه اللحظات .. فهتفت خالتها بانزعاج :- هل يسيء معاملتك ذلك الرجل ؟ أخبريني الحقيقة .. فإن نقوده لن تمنعه عني إن أزعج صغيرتي
لا .. يجب ألا تعرف خالتها بالحقيقة .. صدمتها ستكون كبيرة لو اكتشفت ما اخفته سلام عنها كل هذا الوقت .. ابتسمت وقالت من بين دموعها :- لم يفعل على الإطلاق .. لقد اشتقت إليك فحسب
لم تدر حقا كيف مر اليوم .. إذ مانت تمر بحالة من الانكار التام لما حولها .. تعيش انفصالا عن الأشخاص المحيطين بها .. والحديث الذي لم يتوقف لحظة ... كانت تهز رأسها في الوقت المناسب .. وتغمغم برد مقتضب عند الضرورة .. بيننما احاسيسها كلها كانت مركزة نحو الطرف الآخر من الصالة
نحو جهاد .. المحاط بوالده وشقيقه .. ومجموعة من أقاربه .. يجلس بينهم عماد بتهذيب .. غير مصدق بعد لنجاته بجلده من خطأه المميت القديم في حق جهاد
كانت تراقب وسامته المميزة .. وحيويته الفائقة .. وهو يدير الحديث بطاقة لا حدود لها .. محتكرا الانظار والاضواء
هذا الرجل الرائع هو زوجها هي .. ومع هذا هو أبعد عنها من نجوم السماء .. تذكرت أحداث الليلة الماضية .. وهذا الصباح .. يجب أن تكون ممتنة لطريقة مواجهته للوضع .. رجل غيره كان طردها من بيته قبل حلول الصباح فاضحا إياها في كل مكان
ولكنها و يا للعجب .. لم تكن كذلك .. فهي الآن ستقيم معه تحت سقف واحد ولفترة غير محددة .. تعاني من قربه منها .. وكرهه لها .. ترى .. هل لديه أي فمرة عن مقدار حبها له ؟ والذي لم يتأثر أبدا بمعاملته السيئة لها ؟
أما الألم الحقيقي الذي شعرت به .. فكان عندما راته سلام محتكرا من قبل الفاتنة ذات الشعر الأسود التي حذرتها بلؤم في حفل الزفاف من شرود جهاد
عرفت سلام بأنها إحدى قريباته .. وخمنت أيضا بانها لم تفقد الامل أبدا في الحصول على جهاد حتى بعد زواجه من اخرة .. من الطريقة التي كانت ترمش له فيها بعينيها الزرقاوين .. وتلمسه ( عرضيا ) ..
احست بخنجر من الألم يخترق صدرها عندما دوت ضحكة جهاد عالية ردا على شيء ذكرته الفتاة .. لا يمكن ان تسمح للغيرة بأن تستهلك طاقتها .. فجهاد ليس لها .. وفي النهاية .. سيطلقها ليتزوج بأخرى يفخر بها ويحترمها .. وقد تكون الفتاة الزرقاء العينين هي تلك الاخرى سعيدة الحظ
فتح جهاد باب الشقة .. وأفسح الطريق لسلام كي تتقدمه إلى الداخل .. أضاء الصالة .. ورآها تستدير إليه دون ان تفارق عيناها الأرض وتقول بخفوت :- سأبدل ملابسي وانام إن لم يكن لديك مانع
هز رأسه .. وراقبها تختفي عبر باب غرفة النوم .. ثم خلع سترته وربطة عنقه .. وحل أزرار قميصه وهو يلقي بجسده على الأريكة الوثيرة في غرفة الجلوس .. وتساءل إن كان عليه ان بنام هنا ام على الأريكة الجلدية التي تحتل جانبا كبيرا من غرفة المكتب
الآن .. وبعد أن هدأ جهاد تماما .. أدرك مقدار قسوته في معاملته لسلام منذ ليلة الامس .. لقد أتيحت له الفرصة ليفكر جيدا خلال حفلة الغداء في منزل عائلته .. اثناء مراقبته لسلام خفية عنها .. وملاحظة الذعر المطل من عينيها وهي تواجه أفراد عائلته وأقاربه وكأنها تخشى أن ينظر أحدهم إلى وجهها ويكتشف سرها .. وما حدث بينهما فيفضحها
في البداية تلذذ بفكرة تعذيبها ومعاقبتها على الموقف الذي وجد نفسه فيه بسببها .. ولكن عندما انقلب ذعرها إلى جمود .. بدت معه وكان الحياة قد فارقتها .. تسلل الالم إلى فلبه وهو يذكر نفسه بانها لم تخدعه حقا .. فقد رفضت الزواج منه بضراوة .. هو من هددها بإيذاء ابن خالتها إن لم تقبل به
في لحظة غضبه .. وفي ثورة جنونه .. أساء إليها في الكلام .. اهانها وجرحها واتهمها في أخلاقها وشرفها .. لم يفكر للحظة بانها ربما كانت في الوقت الذي ابتزها فيه لتتزوج به .. كانت في انتظار رجل آخر .. أحبته بروحها وكيانها وجسدها أيضا .. لم يفكر بانه ربما حطم حياتها وقلبها بأنانيته وعناده .. ورغبته الطفولية في تحقيق حلم لم يتوقف عن مراودته منذ سنتين
وهو بالرغم من خيبة أمله الكبيرة وصدمته بها .. ما زال يكن لها نفس المشاعر المرضية التي انتابته نحوها منذ رآها أول مرة .. وتجاوبها معه ودفء مشاعرها ليلة الزفاف لم تساعده على الإطلاق على تجاوز مشاعره نحوها .. لماذا .. لماذا منحته كل هذا الحب إن كانت تحب رجلا آخر .. هل فعلت أملا في تليين مشاعره نحوها عند اكتشافه الحقيقة ؟ فيرأف بحالها ولا يفضحها ؟
لم يستطع احتمال الحزن الشديد الذي بدا عليها عندما انسحبت إلى غرفتها .. الحزن الذي سببه لها هو .. أراد ان يلحق بها .. أن يواسيها ويخفف عنها .. ويخبرها بانه لن يؤذيها .. إلا انه لن يضمن نفسه أبدا إن اقترب منها مجددا .. فابتعاده عنها بعد ان قبلها صباحا .. استلزم منه كل ما لديه من إرادة وقوة .. وهو يفقدهما تماما عندما يكون معها
لو كان الامر بيده .. لطلقها هذه اللحظة .. وأرسلها إلى بيت خالتها .. فيعيد إليها حياتها التي سلبها منها .. ولكنه إن فعل .. فسيسبب لها ضررا أكبر .. وبالتالي .. ليس امامه سوى الالتزام بكلمته .. واحتمال قربها منه .. وإخفاء مشاعره عنها في الوقت نفسه .. حتى يتمكن من تحريرها دون الإساءة إليها اكثر
بضعة أشهر فقط .. وينتهي الامر .. سيبعدها عنه .. ويعيدها إلى الرجل الذي أرادته دوما .. والسؤال هو .. هل سيستعيد هو نفسه التي فقدها على يديها منذ سنتين في يوم ما ؟


 انتهى الفصل

رواية سلام لعينك لكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن