الفصل الثالث عشر

1.7K 53 0
                                    


الفصل الثالث عشر
دموع .. ودماء
قضت سلام نهارا كاملا في تنظيف الشقة بإتقان شديد حتى تأكدت مع حلول المساء من لمعان كل زاوية من زواياه .. بالرغم من عدم اهتمام جهاد بما تقوم به او لا تقوم به سلام منذ ذلك المساء الذي وجدت فيه قميصه ملطخا بأحمر الشفاه .. إلا انها لم ترغب في التقصير في أي من واجباتها .. وفي الوقت ذاته .. أرادت ان تجهد نفسها إلى أقصى حد كي تتجنب التفكير .. وتذكر واقعها المرير .. هذا كان نظامها اليومي .. العمل بجهد حتى الإرهاق التام .. ثم تنهار نائمة في نوم عميق بلا احلام
دخلت إلى الحمام لتمنح نفسها حماما طويلا أشعرها وكأنها في الجنة .. إذ أنساها للحظات وضعها مع جهاد والذي كان يزداد سوءا مع الوقت .. بكل بساطة .. هي لم تعد تراه إلا في المناسبات .. فهو يغادر البيت كل صباح قبل أن تصحو بساعات .. ويعود متأخرا بعد ان تأوي إلى فراشها .. وغالبا ما كانت تبقى صاحية ..حتى تستمع إلى صوت خطواته دون أن تجرؤ على الخروج من غرفتها حتى لا يضطر لرؤيتها او الاحتكاك بها .. أما هي .. فقد كانت تتحرق شوقا إليه .. إلى رؤيته وسماع صوته .. كل صباح كانت تنظف الفوضى التي يحدثها في المطبخ أثناء إعداده لقهوته الصباحية .. فتلمس فنجانه وملعقته .. تتحسس آثاره بنهم
تنهدت وهي توقف شلال المياه .. ولفت جسدها بمنشفة كبيرة .. وعادت إلى غرفة النوم .. نظرت إلى نفسها في المرآة .. فوجدت امرأة جميلة .. شعرها المبتل يحيط بوجهها المتورد بفعل المياه الساخنة .. إلا أن حزنا عميقا أطل من عينيها المحاطتين بهالات داكنة .. لماذا سيريدها جهاد ؟ إنها مجرد واجهة جميلة لشيء بشع ومستهلك
كما انه يرضي جميع احتياجاته خارجا .. مع صاحبة أحمر الشفاه الفاقع .. هو لا يحتاج إليها .. ولن يفعل .. إنها موجودة هنا لفترة محددة .. حتى يقرر جهاد بان وقت رحيلها قد حان
هزت رأسها بقوة لتمحي الأفكار السوداء .. ثم ارتدت روبا منزليا .. ثم عادت إلى المطبخ لتعد كوبا من الحليب الدافئ ليساعدها على النسيان والنوم
عاد جهاد تلك الليلة مبكرا عن العادة .. ورغم إنكاره الشديد فهو بعرف في اعماق نفسه بان سبب عودته الباكرة هو أمله برؤية سلام قبل أن تنام مع انه يعرف تماما بانها غالبا ما تكون ساهرة في غرفتها .. متظاهرة بالنوم .. تحاشيا للقائه .. مضى على آخر مرة رآها فيها أربعة أيام عندما ذهبا معا إلى منزل سارة تلبية للوليمة العائلية التي أقامتها .. وطبعا بالكاد تبادلا يومها بضع كلمات حفاظا على المظاهر
أما الآن .. فقد أحس وهو يدس مفتاحه في القفل بالشوق الشديد لرؤيتها ولو لدقائق .. وسماع صوتها حتى وهي تستأذنه بلهجتها المقتضبة
وعندما لمح الضوء المتسلل من المطبخ تسارعت نبضات قلبه من شدة الانفعال .. إنها مستيقظة ..
أجبر نفسه على إبطاء خطواته .. وهو يتجه إلى هناك .. وهيء نفسه لرؤية الارتباك في ملامحها .. ولكن بدلا عن هذا .. كانت ممددة على الأرض بلا حراك إلى جوار كرسي خشبي مقلوب .. فهوى قلبه بين قدميه وهو يندفع نحوها ويجثو إلى جانبها ليريح رأسها على فخذه بحذر وهو يهتف بقلق :- سلام .. هل أنت بخير ؟ سلام .. أجيبيني
فتحت سلام عينيها بصعوبة وهي تحس بالألم في كل جزء من جسدها .. ثم لمحت وجه جهاد القلق .. ووجدت نفسها ممددة بين أحضانه فهمست مترددة :- جهاد .. ماذا .. ماذا حدث ؟
تجاهل سؤالها وعاد يردد بإصرار :- هل أنت بخير ؟ هل تشعرين بأي ألم ؟
حاولت أن تجلس .. فأجفلها الألم الذي أحسته في ذراعها اليسرى .. ووركها وفي جانب رأسها .. عبست متذكرة :- لقد سقطت عن الكرسي
صاح بغضب فاجأها :- وما الذي كنت تفعلينه فوق الكرسي بحق الله ؟
تمتمت بارتباك وهي تحاول الابتعاد عنه :- حاولت تغيير مصباح السقف بآخر جديد .. وتذكرت وجود واحد في الخزانة العلوية
لاحظ ضوء المصباح المتقطع فهدر ثائرا :- أما كنت قادرة على انتظاري
ترقرقت دموعها فظهر ضعفها جليا له .. فزفر بقوة وهو بقف ساحبا إياها برفق لم يمنعها من التأوه ألما .. ثم انحنى فجأة ليحملها رغم احتجاجها الضعيف وينقلها إلى غرفة النوم حيث وضعها على السرير العريض قائلا بجفاء :- أين ملابسك ؟
سألت بحيرة :- لماذا ؟
:- سآخذك إلى الطبيب
أذهله الذعر الذي ارتسم على ملامحها وهي تهتف :- لا أريد طبيبا

رواية سلام لعينك لكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن