الفصل الحادى عشر

1.6K 52 0
                                    

الفصل الحادي عشر بلا حياة
وصلت عائلة جهاد بعد أن توسطت الشمس كبد السماء .. وصلوا مع ضجة كبيرة كان مصدرها أبناء سارة الثلاثة المتفاوتي الاعمار .. إذ كان اكبرهم في ا لسادسة .. وأصغرهم لم يتجاوز عمره الاشهر .. بالطبع لم يحضر حسام أو زوجته التي طالبها الطبيب بتوخي الراحة التامة حتى نهاية حملها
أحضروا معهم غداءا جاهزا بكميات كبيرة بدت كافية لإطعام جيش .. إلا أن سارة علقت ضاحكة بانها بالكاد كافية لإشباع زوجها فراس الذي رد عليها بان حملها بلا تردد وقذف بها في الماء متجاهلا صراخها .. ثم لحق بها هو وطفليه الكبيرين .. وسرعان ما انضم إليهم جهاد ووالده .. بينما دخلت سلام إلى المطبخ مع حماتها .. وبدأتا بإعداد المائدة ..
كالعادة .. اخفى جهاد وسلام توترهما عن باقي افراد العائلة .. وتقمصا فورا دور العروسين السعيدين .. لم يشكك أي احد بضحكة جهاد المنطلقة .. أو ابتسامة سلام الخجول .. ولم يشعر أي أحد بالغثيان الذي كان يصيب سلام كلما كان جهاد يطعمها بيده أثناء تناول الغداء .. مظهرا الدلال والاهتمام بزوجته الصغيرة .. بينما تتذكر مع كل لقمة كلماته القاسية التي امطرها بها سابقا .. وواقعها المرير .. ظنت سلام أنهما نجحا حقا بخداع الجميع حتى عرضت عليها سارة السير معها بين حدائق المزرعة الغناء عله يسرع من هضم الطعام الدسم
جرت سارة العبة بابنها الأصغر تيم الذي سرعان ما استسلم للنوم مع الحركة الرتيبة والجو الجميل الصحو .. وانهالت على سلام ثرثرة عن الصباح المزعج الذي قضته في تجهيز الاطفال .. والشجار مع فراس حول ما يجب عليها اخذه معها .. بينما تحاول سلام التركيز فيما تقوله دون فائدة .. حتى سالتها سارة :- ألست متشوقة لحمل طفل جهاد في أحشاءك ؟ أنا متاكدة بأن الأرض لن تسعه من الفرحة إن حصل هذا .. فهو يحب الاطفال بجنون .. لا يغرنك أبدا ما يظهره من نفاذ صبر مع علي وضياء .. فهو نفسه طفل كبير .. ويجد متعة كبيرة في صحبة الصغار
نظرت سلام إلى حيث كان جهاد يلعب الكرة مع علي .. الابن الأكبر لسارة .. بينما يحاول ضياء ذو الثلاث سنوات مجاراتهما دون فائدة .. وقالت بارتباك :- ما يزال الوقت مبكرا
تأملت سارة وجهها المتورد .. ولاحظت وميض الحزن في عينيها و الذي فشلت في إخفاءه .. ثم قالت بهدوء :- كل زوجين معرضان للمشاكل وسوء الفهم في بداية الحياة الزوجية .. بعد فترة قصيرة يفهم كل منهما الآخر ويتعلم أن يحب عيوبه كمزاياه تماما .. وتزداد علاقتهما متانة .. ويكبر حبهما مع مرور الايام .. وإنجاب الاطفال يسرع كثيرا التفاهم بين الزوجين
قالت سلام بعصبية وهي تتحاشى النظر إلى سارة :- لماذا تظنين بأن هناك أي مشاكل بيني وبين جهاد ؟
:- انا لا اظن .. بل متأكدة تماما من هذا .. فجهاد أخي .. وأنا اعرفه جيدا .. وأعرف طبيعته الصعبة و العنيدة .. لو انك عرفته قبل سنوات لما واجهت صعوبة في التفاهم معه .. إذ كان رغم طباعه الصعبة شابا مرحا محبا للحياة .. لا يكف عن البحث عن المتع والمباهج .. بعيدا عن المسؤولية .. مما كان يضايق والدي ويتعب أمي .. إلا ان هذا كان في الماضي .. إذ تغير جهاد كثيرا منذ فترة قصيرة
نظرت إلى سلام وقد بدا عليها التردد وهي تقول :- لقد تعرض لحادثة غيرت مجرى حياته تماما
قالت سلام بهدوء :- تقصدين حادثة الاختطاف التي تعرض لها جهاد قبل سنتين ؟
قالت سارة بدهشة :- لقد اخبرك عنها إذن .. أستغرب هذا إذ رفض التطرق للموضوع منذ نجاته المعجزة من خاطفيه
تنهدت بعمق إذ عادت إليها ذكرى تلك الأيام المزعجة .. وقالت :- عندما وصل إلى أبي خبر اختطاف جهاد مع طلب فدية كبيرة أحسسنا جميها بالرعب الشديد على مصير جهاد إذ أكدت الشرطة بان معظم الحالات المشابهة لا يعود الضحية إلى عائلته أبدا حيا على الأقل .. ولكن لحسن الحظ عاد جهاد بطريقة غامضة إذ وجده بعض عابري السبيل في مكان مقفر خارج المدينة مصاب بطلق ناري وعلى شفير الموت .. لم يعرف احد كيف وصل إلى هناك .. إذ بقي لأيام في المستشفى فاقدا للوعي يهذي عن فتاة غامضة أنقذته .. ولكن عندما عاد إلى وعيه .. كل ما تذكره هو إصابته برصاصة من خاطفه أثناء محاولته الهرب .. ومن يومها .. عاد جهاد إلينا رجلا آخر .. وكأن تلك الحادثة قد قتلت جانبا منه .. جزءا من كيانه .. ظننا انه لن يعود حتى ظهرت في حياته يا سلام
لم تكن سلام حقا راغبة في الاستماع إلى كلمات سارة .. إذ رغم توقها وفضولها لمعرفة كيفية نجاة جهاد إلا أن الذكريات السيئة قبضت على انفاسها حتى احست بنفسها تكاد تختنق .. حتى نطقت سارة بعبارتها الاخيرة .. حدقت سلام فيها بارتباك بينما اكملت سارة بنبرة خاصة :- لأول مرة منذ سنتين نرى جهاد حيا من جديد .. لقد اختفت لا مبالاته وبروده .. عاد جهاد القديم بحيويته وشقاوته .. أنت أعدته إلينا يا سلام .. فإن لقيت شيئا من عناده وتسلطه وسوء طباعه .. فأرجو ألا تتخلي عنه إذ يحتاج فقط إلى بعض الوقت والصبر لينسى تماما .. إنه يستحق هذا بعد كل ما عاناه
بالرغم منها عادت سلام بذاكرتها إلى ذلك اليوم الذي رأته فيه أول مرة مضرجا بدمائه .. يحترق من الحمى .. واحست بعطف كبير وحزن عميق لما عانى منه .. ولما يعاني منه الآن بسببها .. كما قالت سارة .. إن جهاد يستحق السعادة .. فعلام حصل بدلا منها .. عليها هي .. بماضيها المشين وعارها الكبير
قالت سارة بقلق إذ لاحظت شحوب وجه سلام :- هل أنت بخير يا سلام ؟ أرجو ألا يكون كلامي قد أزعجك إذ سلمت بأنك على معرفة بمعظم ما قلته
قالت سلام بصعوبة :- انا بخير .. لقد أحزنني تخيل كل هذه الأهوال التي عرفها جهاد .. من الأفضل أن نعود قبل أن يتساءل عن سبب غيابنا
ابتسمت سارة قائلة :- أنت محقة .. لن يعجبه ان يكون محور أحاديثنا
في طريق العودة .. لم يتفوه جهاد أو سلام بحرف واحد .. خيم عليهما الصمت ثقيلا لم يتخلله سوى صوت صفير الهواء وهو يصفع زجاج السيارة .. أفكار جهاد كانت معلقة بالمراة الجالسة إلى جانبه .. يتذكر متوترا كل ما حدث بينهما .. بل هو لم يتوقف عن التفكير به لحظة منذ ترك لها المطبخ خارجا بغضب .. غاضبا منها أولا ومن نفسه ثانيا لأنه لم يستطع كبح لسانه المؤذي ومنعه من إيذائها .. ولكن ما الذي يفترض به ان يفعل عندما يرغب بها بجنون وقسوة .. فتمنعه عنها وفاءا لرجل آخر ؟؟؟ .. أين كان وفائها ليلة الزفاف بحق الله ؟ .. إن مجرد تذكره لتجاوبها الحار معه يكاد يفقده صوابه .. والطريقة التي كانت فيها هذا الصباح ناعمة ورقيقة بين يديه تسبب الالم لكل خلايا جسده .. بينما هي تجلس إلى جانبه .. حزينة كالعادة .. تفكر بصديقها المهجور كما يخمن
اشتدت أصابعه حول مقود السيارة .. وكز على اسنانه مجبرا نفسه على التركيز في القيادة .. الوقت الذي قضياه مع عائلته لم تساعده على الاطلاق .. مرآها وهي تحمل تيم بين ذراعيها وتهدهده برقة .. سماع ضحكتها أثناء حديثها العابث مع سارة .. أما ما جعل غضبه يزداد جنونا .. مرأى الارتباك والذعر في عينيها كلما أحرجها واطعمها امام الآخرين .. وكان ما يحمله بيده ليس طعاما .. بل سما الهدف منه قتلها والخلاص منها ... هل تظنين خلاصك مني سيكون بهذه السهولة ؟؟
دخل جهاد إلى البيت امامها .. وكاد يختفي داخل غرفة المكتب لولا ان اوقفته سلام قائلة :- انتظر قليلا .. هناك ما أريد قوله لك
استدار نحوها ببرود منتظرا سماع ما ستقول .. كادت تجبن وتهرب إلى غرفة النوم .. ولكن اهمية ما ستقوله منحها الشجاعة لتقول بحسم :- طلقني
اختفى بروده فجأة .. وبدا وكأنه قد بوغت بآخر ما توقعه .. سأل باضطراب :- ماذا قلت ؟
ترقرقت دموعها وهي تقول بصلابة :- أريدك ان تطلقني .. بقاءنا معا لن يساعد إلا في زيادة الاذى الذي يسببه كل منا للآخر .. الحل الأفضل هو ان تطلقني .. فأعود إلى بيت خالتي .. وينسى كل منا انه قد عرف الآخر في يوم من الأيام
هل كانت تقرأ أفكاره في السيارة .. هل لمحت مخاوفه الدفينة من رغبتها للرحيل عنه ؟ سار نحوها خطوتين وهو يقول بصعوبة :- تعرفين جيدا سبب تأجيلنا الطلاق
قالت بجمود :- أعرف .. والله يعلم لماذا ترغب بتجنيبي الفضيحة رغم استحقاقي لها .. على كل حال .. لقد مرت فترة كافية .. ولن يشك أحد بسبب انفصالنا الحقيقي
فكرة أن ترغب في الرحيل عنه بأقرب فرصة .. مع إحباطه وغضبه الذين تصاعدا ببطء منذ الصباح جعله يقول بحدة :- هذا ما تتمنينه بالتأكيد .. الخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر الممكنة .. العودة إلى حبيب القلب الولهان الذي أخذ ما أراده منك ثم رمى ببقاياك دون اهتمام .. هذا لن يحدث يا عزيزتي .. ستعودين إلى بيت خالتك في اللحظة التي أراها انا مناسبة .. أي عندما أشفي غليلي منك برؤيتك حطاما .. انهيارك فقط هو ما سيخلصك مني .. اتفهمين ؟
تدفقت دموعها وهي تقول بضراعة :- ألا ترى بأنك تؤذي نفسك بهذه الطريقة .. انت تكرهني وتريد أذيتي وأنا لا امانع .. غن كان إذلالك لي يرضيك فلا تبخل به علي .. ولكنك تفوت على نفسك فرصة إيجاد السعادة مع امراة تستحقك

قال ساخرا :- وكل ما تريدينه هو سعادتي .. سأذرف الدموع تأثرا في أي لحظة .. هلا وفرت علي هذا العرض المسرحي .. وجودك هنا لن يوقفني ابدا عن البحث عن سعادتي .. أ تفهمين ؟ العشرات في انتظار إشارة مني كي يركضن سعيا خلف إرضائي .. ولا تظني بان احترامي لك سيوقفني لأنني لا أحمل نحوك أي ذرة من الاحترام على الاطلاق .. في الواقع .. سأتركك الآن يا زوجتي العزيزة .. وأذهب لرؤية إحدى صديقاتي لتمنحني ما تعجزين عن منحي إياه .. وهو الرضا الكامل
بدون أي كلمة إضافية .. وبتجاهل تام للصدمة المرسومة على وجهها .. اتجه نحو الباب الخارجي .. وخرج صافقا الباب ورائه بقوة .. وعندما اصبح وحيدا خارج الشقة .. اغمض عينيه متكئا على الجدار وهو يتساءل إن كان كلاهما سيجد الراحة إن سمح لها بالرحيل أخيرا .. أم أنه سيفقد بعدها كل أمل له في الحياة

انتهى الفصل

رواية سلام لعينك لكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن