الفصل الخامس عشر

1.9K 50 0
                                    

الفصل الخامس عشر
ارحل
أوقف جهاد سيارته امام المبنى القديم الذي تقيم فيه سلام مع خالتها منذ خروجها من المستشفى .. وظل ساكنا خلف المقود محاولا استجماع شجاعته وقدرته على المواجهة
منذ أسبوع غادر غرفة سلام في المستشفى غير قادر على النظر إلى الخلف .. وكأن كل وحوش الدنيا تطارده .. وحوش الحقيقة المرة التي كان عليه إدراكها بنفسه لو أنه امتلك شيئا بسيطا من البصيرة
خرج من المستشفى وهو يتخبط تائها دون ان يعرف إلى أين يذهب .. فلم يشعر بنفسه إلا وهو واقف على عتبة باب منزل أمه التي فتحت له الباب مذهولة من زيارته المبكرة والغير متوقعة
هالها مظهره البائس .. ثم أذعرها بكاءه بين يديها فور سؤالها له عما حدث .. لم يستطع إخبارها بالحقيقة .. فقط أراد أن يشعر بحنانها ودعمها .. أن يعود كما كان طفلا صغيرا بين يديها .. مختلفا عن الرجل القاسي المرير الذي تحول إليه ..
لو أنه اخبرها بالحقيقة البشعة .. لطردته من بيتها احتقارا لما فعله بالفتاة المسكينة خلال الأشهر السابقة ..
بعد أن هدأ قليلا .. أخبر أمه جزءا من الحقيقة .. بجرح سلام لنفسها من غير قصد بعد شجار لهما .. بوجودها في المستشفى .. وبعدم قدرته على التواجد هناك خجلا منها
ذهلت السيدة جهان وهي تراقب ابنها البكر ينهار لأجل امرأة .. وهو الأمر الذي لم تتوقع أبدا أن تراه يوما .. لقد عرفت بغريزتها المتيقظة وجود أسرار بين الزوجين الحديثين .. إلا انها رفضت أن تتدخل في انتظار أن تهدا الأمور من تلقاء نفسها .. ويتغلب حب كل منهما الواضح للآخر
الآن .. لم تملك سوى أن تحتضن ابنها بين ذراعيها .. وتمنحه شيئا من السكينة التي ظنت أنه قد وجدها اخيرا مع سلام .. وقالت له بهدوء بانه يجب أن يذهب إليها إن كان متمسكا بها .. وإلا فإنه سيخسرها
ألم يخسرها بعد ؟؟
لم يستطع جهاد العودة لزيارة سلام في المستشفى .. إذ انه ما كان ليحتمل رؤية تلك النظرة مجددا في عينيها
نظرة الذعر الخالص .. والألم العميق .. وهي تتذكر ما تعرضت له بسببه
خلال الأسبوع الماضي .. أتيحت له الفرصة للتفكير .. وتذكر التفاصيل التي غفل عنها بسبب أنانيته
سلام التي تعرف إليها مجددا بعد سنوات كانت مختلفة .. حزينة .. وخائفة .. تذكر نوبات الذعر التي كانت تنتابها كلما اقترب منها .. ثم تقبلها لإهاناته وإذلاله لها وكأنها مؤمنة باستحقاقها لها .. أدرك بانها تلوم نفسها على ما حدث في الماضي .. وما إيذاءها لنفسها إلا طريقة لتخفيف الألم النفسي الذي لا يطاق .. ووسيلة لتطهير نفسها من ذنب لم ترتكبه
تذكر ذعرها في ليلتهما الأخيرة من رؤية الطبيب .. وخشيتها من اكتشافه ما تفعله بنفسها .. لولا تلك الحادثة التي كادت تودي بحياتها .. لما اكتشف الحقيقة .. ولظل بعاملها بقسوة ويهينها حتى تفقد قدرتها على الاحتمال فتتركه دون رجعة .. وربما أذت نفسها بتهور في إحدى المرات دون أن يكون موجودا لمساعدتها .. وفي الحالتين .. كان سيفقدها إلى الأبد
إن لم يكن قد فقدها بالفعل
رفع رأسه نحو الشرفة الصغيرة المطلة على الشارع من الطابق الرابع .. الآن .. وهو على مسافة لا تذكر منها .. يعترف أخيرا بانه مغرم إلى حد الجنون بزوجته
منذ سنوات .. منذ زحفت فوقه لتتوسل إليه باكية بألا يصدر صوتا .. فسحبها ماجد بعيدا عنه دون أن يفكر بصحة ادعائها بموته
في تلك اللحظة .. أخذت قلبه منه .. ولم يسترده أبدا بعد ذلك .. وعندما وجدها اخيرا .. ما الذي فعله ؟
مسح وجهه بباطن كفيه وهو يتنفس بقوة .. هل يأمل حقا بان تسامحه ؟ .. لولا مساعدتها له بالهرب من ماجد .. لما عانت من بطش الأخير وانتقامه .. لما عاشت السنوات الماضية في سجن قضبانه ألم وغضب وحطام .. وبعد ذلك هددها وأجبرها على الزواج به .. ثم عاملها بقسوة .. وعمل على هدم كل التماسك الذي بنته خلال السنتين السابقتين .. فبأي وجه سيذهب إليها الآن ويطالبها بمسامحته ؟
تردد للحظات قبل أن يقرع جرس الباب .. ولم يطل انتظاره .. فتحت له خالة سلام وهي تحكم وضع غطاء رأسها .. على عكس توقعاته .. لم تغلق الباب في وجهه .. بل احمر وجهها قليلا وهي تقول :- لقد تأخرت قليلا .. أليس كذلك ؟
قال بتوتر :- لو استطعت لما ابتعدت لحظة
تأملته مليا ثم أفسحت له الطريق قائلة :- تفضل بالدخول
خطا إلى الداخل وهو يبحث لا إراديا عن سلام .. فأتاه صوت خالتها يقول وهي تقوده إلى غرفة الضيوف :- سلام ليست موجودة .. خرجت لشراء بعض الحاجيات .. لقد ظننت بأن الخروج قليلا سينفعها فأرسلتها .. وأنا مسرورة لما فعلت لأن الفرصة قد أتيحت لي الآن لمحادثتك على انفراد
سألها وهو يجلس على الأريكة العريضة :- كيف حالها ؟
تنهدت قائلة :- بخير .. ظاهريا على الأقل .. إنها فتاة قوية جدا كما تعلم
اومأ برأسه عاجزا عن قول المزيد .. فاستلمت هي الحديث بعد جلوسها على المقعد المقابل :- أعتذر عن مهاجمتي لك في المستشفى .. قلقي على سلام أعمى بصيرتي وجعلني أصدق شكوك الطبيب فدفعت أنت الثمن .. لقد أطلعني عماد على الحقيقة .. عما حدث قبل سنتين .. وحتى الآن انا غير قادرة على تصديق ما فعله في حقك وحق سلام
قال بنفاذ صبر :- لقد كان مجبرا .. وقد تفهمته تماما قبل زواجي بسلام
:- هذا صحيح .. وهذا دليل آخر على نبل أخلاقك وشهامتك .. لقد سامحت عماد .. وكنت زوجا جيدا لسلام .. لا ذنب لك في نتائج فعلة عماد عليها
هنا .. نهض جهاد غير قادر على تحمل المزيد .. فمن الواضح أن سلام لم تطلع خالتها على الحقيقة كاملة .. الحقيقة التي لا يعرفها سواهما .. ومع هذا .. لم يستطع تحمل الاستماع إلى إطراء الخالة .. دون أن يستحقه فعلا .. وجد نفسه يقول بغلظة :- ما تقولينه غير صحيح .. أنا المسؤول الأول عن .....
لم يستطع إكمال عبارته إذ دوى في هذه اللحظة صوت انصفاق الباب الخارجي .. وصوت سلام الشجي يقول :- خالتي .. لقد وصلت
عبر باب الغرفة المفتوحة .. كان جهاد قادرا على رؤيتها من مكانه .. وهي تضع الأكياس من يدها على الأرض لتخلع سترتها
حبس انفاسه وقد أخذه جمالها كما في كل مرة ينظر فيها إليها ... وبهرته رقة جسدها وحركاتها وهي تعلق حقيبتها فوق المشجب
نحول جسدها كان أول ما لفت نظره .. وشحوب وجهها الجميل .. والذي اظهر مدى ضعفها .. وكأنها احست بنظراته تخترقها .. فاستدارت مجفلة إليه .. والتقت عيناهما
استطاع رؤية الذعر يومض في عينيها للحظة .. ثم يخبو ليحل محله الألم والحزن العميق .. فأحس بسكين حادة تمزق قلبه بلا رحمة .. وكاد أن يندفع نحوها ليحتويها بين ذراعيه مستجيبا لشوقه الحارق .. لولا أن لاحظ تراجعها إلى الخلف وكأنها تستعد للهرب منه
إلا أن خالتها اخرجتها من صدمتها بقولها اللطيف :- ها قد وصلت أخيرا يا حبيبتي .. لقد جاء جهاد ليراك
اقتربت منها لتحيطها بذراعها قائلة :- لم لا تجلسان معا لدقائق ريثما اعد القهوة لنا جميعا
استجابت سلام مذعورة لدفع خالتها لها إلى الداخل .. لم تكن مستعدة على الإطلاق لرؤية جهاد .. نعم .. لقد انتظرته طويلا خلال الأسبوع السابق .. وبكت ألما وشوقا كل ليلة وهي تناجيه طالبة منه الحضور لحاجتها الشديدة لحبه
ولكنها لم تكن مستعدة بعد لمواجهته .. ليس بعد أن عرف الحقيقة .. صدمته في المستشفى عندما استنتج ما فعله بها ماجد .. الطريقة التي غادر فيها المكان هاربا وكان الشياطين في إثره .. كانت واضحة بما يكفي لتعرف شعوره نحوها .. لم ترغب برؤية الاشمئزاز واللوم في نظرته إليها .. والاسوأ .. أن تلمس الشفقة في معاملته لها
ولكن هذه اللحظة كانت ستاتي عاجلا ام آجلا .. وبدلا من الهرب منها وتأجيلها .. يجب ان تتحلى بالقوة لمواجهتها
ففي النهاية .. لن تبقى لها سوى كبريائها .. ما تبقى منها على الأقل
خطت إلى داخل الغرفة متحاشية النظر إليه .. شاعرة بعينيه المسلطتين عليها .. والمدركتين لانزوائها في أبعد مكان عنه .. استجمعت شجاعتها وقالت بخفوت :- تفضل بالجلوس
جلس ببطء كما فعلت على المقعد المواجه له .. فأحس بان المسافة بينهما لم تكن يوما أكثر بعدا .. قال بهدوء خارقا الصمت :- كيف حال معصمك ؟
رفعت رأسها مجفلة .. وألقت نظرة سريعة نحو معصمها المضمد وكأن تذكره لتلك الحادثة قد أدهشتها .. اجابت بارتباك :- يلتئم
ولكن بعد ثوان من الصمت .. أحست بأنها لن تحتمل مزيدا من التوتر .. فقالت بجفاف :- لماذا جئت يا جهاد؟
لمحت وميضا من الألم في عينيه سرعان ما اختفى وهو يقول :- أنت زوجتي .. من الطبيعي أن أشعر بحاجة لرؤيتك .. والاطمئنان عليك
قالت ساخرة :- هذا صحيح .. بعد مرور أكثر من أسبوع .. انت غير قادر على تجنبي أكثر
قال بتوتر :- لم أكن أحاول تجنبك .. كنت بحاجة إلى بعض الوقت فقط
قالت ببرود :- الوقت لماذا ؟ كل ما يتطلبه منك الامر هو نطقك لتلك الكلمة .. وسرعان ما ستتحرر مني إلى الأبد
أخذ نفسا عميقا محاولا الا يفقد صبره :- أنا لن أطلقك يا سلام
نظرت إليه بارتباك :- ألم تأت لهذا الغرض ؟
زفر بقوة وهو يقف .. فحبست انفاسها محاولة ألا تظهر تأثرها لرؤية جسده الطويل القوي .. نظر إليها قائلا بحدة :- لا يا سلام .. لم آت اليوم لأطلقك .. لقد جئت لأننا يجب أن نتكلم .. بوضوح وصراحة هذه المرة .. أنا بحاجة لأن اعرف حقيقة ما حدث
شحب وجهها .. بينما برقت عيناها بغضب وهي تقف صائحة :- هل جئت آملا بأن أنفي الحقيقة .. أن أطمئنك بان ما تظنه قد حدث لم يحدث حقا .. حسنا .. انا آسفة لأنني لن أخفي الواقع بعد الآن .. ماجد اعتدى علي .. بعد دقائق من عثوره علينا .. اوهمته بانك قد مت فاستشاط غضبا .. وقرر بانه يستحق تعويضا عن فشل مخططاته .. فجرني إلى سيارته و ...
صرخ بها جهاد متألما :- توقفي
ولكنها اصرت بصوت بدأ يرتفع بهستيرية :- أليس هذا ما جئت تسمعه .. نعم لقد اعتدى عليه .. وكان يضحك كلما زادت مقاومتي عنفا وعلا صراخي .. قيد معصمي بحزامه و ...
قطع الغرفة نحوها بخطوتين .. امسك كتفيها وهزها مطالبا بوحشية :- توقفي
انسحبت من بين يديه ضاحكة بغضب .. بينما دموعها تسيل على وجنتيها :- لماذا ؟ إن كنت ستكرهني أكثر مما كنت تفعل قبل أن تعرف الحقيقة .. فلتملك الأسباب الصحيحة
قال بيأس :- أنا لم أكرهك يوما
تراجعت إلى الخلف وقد علا وجهها الامتعاض صائحة :- إياك أن تكذب يا جهاد .. لقد كرهتني منذ اليوم الاول عندما عرفت بان رجلا آخر قد سبقك إلى جسدي .. فلا تدعي بأن كراهيتك لم تتضاعف بعد أن عرفت بان ذلك الرجل لم يكن سوى الشخص الذي تكرهه أكثر من اي شيء آخر
هز رأسه وهو يمسح وجهه بباطن كفيه .. قال بإرهاق :- سبب غضبي كان ظني بان رجلا آخر قد سبقني إلى قلبك .. خلال الأشهر الماضية لم أستطع أن انام ليلا وانا اظنك تحبين رجلا آخر .. لقد دمرتني الغيرة من رجل حصل على ما لن أطوله أبدا .. والندم لأنني السبب في إبعادك عنه بابتزازي وانانيتي
قالت بتهكم مرير :- حسنا .. لقد كنت مخطئا .. ولكن محق في أمر واحد .. وهو احتقارك لي لأنني في النهاية استحققته كاملا
لم يستطع احتمال شعورها السلبي نحو نفسها فصاح بغضب :- توقفي عن احتقار نفسك .. ما حدث لك كان بسببي انا .. لو لم تنقذي حياتي وتساعدينني على الهرب .. وتوهمي ماجد بموتي .. لما صب غضبه عليك وأذاك بتلك الطريقة .. إن كان هناك من يستحق الاحتقار فهو انا .. بسبب الطريقة السيئة التي عاملتك بها .. في كل مرة كنت اهينك فيها .. كنت أقاوم خلالها مشاعري التي أبت إلا أن تعشقك رغم كل ظنوني بك .. لماذا تظنين بان حادثا لم يكن لك ذنب به سوف يلغيها من الوجود ؟
صاحت بوحشية :- إياك ان تدعي حبي يا جهاد .. وفر شفقتك لأنني لا أريدها
هنا .. لم يعد قادرا على تمالك اعصابه .. عاد يمسك بكتفيها .. وينظر إلى عينيها مباشرة قائلا بغضب :- شفقة !.. أنا لا أشفق عليك يا سلام .. بل أشفق على نفسي لأنني لم اتوقف عن حبك لحظة منذ سمعت صوتك يتحدث إلي خلال غيبوبتي داخل وكر ماجد وانا بين الحياة والموت .. لم اتوقف عن البحث عنك طوال السنوات السابقة لأنك كنت قد تغلغلت داخل روحي بحيث لم أعد قادرا على قضاء لحظة واحدة دون التفكير بك
رقت لهجته أمام عدم التصديق الذي أطل من عينيها الدامعتين :- عندما وجدتك .. سيطرت علي فكرة واحدة فقط .. يجب أن أحصل عليك قبل أن تهربي مني مجددا .. وعندما لاحظت تمنعك جننت .. وقسوت .. وأجبرتك بأنانية على الزواج مني .. دون ان أفكر للحظة واحدة بك .. كل ما سيطر على تفكيري هو الحياة القاحلة التي عشتها بدونك .. لقد ذعرت خوفا من فقدانك مجددا
قربها منه ببطء تاركا مسافة بينهما كي لا يثير ذعرها .. وأكمل بمرارة :- ليلة زفافنا .. كان مجرد وجودك قربي رائعا .. علاقتنا كانت أشبه بالحلم .. حنانك وتجاوبك .. كانا أروع من أن يكونا حقيقة .. كيف لي ان افكر بعدها بانك ...
توقف عندما شاهد تقلص ملامحها ألما .. تركها تبتعد عنه وهو يقول بألم :- أول فكرة خطرت في بالي أنك كنت على علاقة برجل آخر .. لم أفكر .. فقط لم أفكر بأي احتمال لأنك قد فقدت عذريتك مرغمة .. وفي ظروف بشعة ... أعمتني الغيرة .. والغضب المجنون لفكرة حصول رجل ما عليك قبلي .. ولكن الحقيقة هي انني ذعرت عندما فكرت بانك ربما منحت نفسك لرجل تحبينه .. تحبينه حقا .. وأنني أنا من فرق بينكما بأنانيتي وطيشي .. نعم .. ندمت وآلمني ضميري .. ولكنني كنت غاضبا أيضا لأنني لن أطول أي جزء من مشاعرك .. ووجدت نفسي أخفي عنك حبي استجابة لكبريائي السخيفة .. فأنت لن تعرفي أبدا كم هو مؤلم أن تحبي شخصا وهب قلبه لآخر
فكرت بمرارة .. ألا تعرف حقا ؟؟.. لقد عانت كثيرا خلال الأشهر السابقة من حبها الميؤوس منه له .. والآن ها هو يعترف بكل بساطة بانه كان يحبها منذ البداية .. كبتت بصعوبة ضحكة هستيرية كادت تتصاعد عبر حلقها وأجبرت نفسها على الجمود .. متحاشية النظر إليه .. بينما قال هو بتوتر عندما لاحظ تباعدها :- آخر ليلة لنا معا لم أستطع منع نفسي من حبك .. كنت أعذب نفسي لفترة بتحاشيك وتجاهلك لان أي احتكاك بيننا سيولد تلك الرغبة العمياء التي أحسها دائما نحوك .. وقد كنت محقا لأنك في تلك الليلة ..
أخذ نفسا عميقا ثم قال بمرارة :- لقد كنت رائعة .. مجرد النظر إليك كان يطيح بصوابي .. فكيف إذا أخذتك بين ذراعي .. لم أستطع التحكم بمشاعري وأنت كنت كما حلمت دائما بل أروع ..لأعود بعدها إلى الواقع مذعورا من أن أكون قد فضحت نفسي أمامك .. فتصرفت بانفعال .. وتهور .. وقلت كلمات كنت اتمنى لو أنني قطعت لساني قبل أن أنطقها .. بعد دقائق .. أدركت فداحة ما فعلت وعدت للاعتذار منك .. إذ أن ما حدث لم يكن غلطتك انت بل غلطتي انا لأجدك ..
شحب وجهه وأطل عذاب شديد من ملامحه وهو يتذكر ما حدث :- لو أنني تأخرت قليلا فقط
هز رأسه عاجزا عن تكملة العبارة .. فأحست بالعطف نحوه .. أدركت بانه لابد قد تعرض لصدمة عنيفة عندما اقتحم الحمام ليجدها غارقة في دمائها
تمالك نفسه وقال :- لقد كدت أفقدك .. لم تغب هذه الفكرة عن ذهني طوال الفترة التي قضيتها في انتظار الطبيب .. ثم اقسمت بانني لن اترك لحظة واحدة تمر بعد الآن دون أن أشعرك بحبي .. وأعوضك عما فعلته بك .. كنت مستعدا لمنحك الطلاق .. وتركك تعودين إلى الرجل الذي تحبين إن كان هذا يسعدك .. ويعيد البسمة إلى وجهك .. ثم عرفت الحقيقة
قاطعته بخشونة :- وأدركت بان ما من رجل آخر .. فقط إنسان قذر دنسني نتيجة إنقاذي حياتك .. فقررت الاحتفاظ بي لأن هذا أقل ما تفعله لأجلي بعد ما حدث .. إحساسك بالمسؤولية يبهرني حقا .. ولكنني سبق وقلت لك بانني لا أريد شفقتك
أمسك كتفيها وهزها بقوة قائلا بغضب :- ألم تفهمي حرفا مما كنت أردده منذ ساعة ؟؟ أنا احبك .. لطالما أحببتك .. ولن تتغير مشاعري بسبب حادث لم يكن لك أي ذنب به
نظرت إلى عينيه مباشرة وسالته :- هل تستطيع أن تقول بصدق انك لا تفكر ولو قليلا بما فعله ماجد بي .. ألا يغمرك إحساس بالاشمئزاز والغضب لأن رجلا حقيرا مثله قد دنس المرأة التي تحب
ارتبك .. ووجد نفسه يتركها .. ولكنها اكملت بنفس الهدوء :- هل تستطيع أن تعدني بانه لن يكون بيننا في كل مرة نكون فيها معا .. أنك لن تفكر به كلما لمستني او نظرت إلى وجهي .. ألا تظن بانه كان من الأسهل لي منذ البداية أن أخبرك بالحقيقة .. بانني لست فاسقة كما ظللت تنعتني منذ ليلة زفافنا .. وانني قد انتهكت من قبل الرجل الذي تكره وبسببك ؟ كنت وفرت على نفسي بكل بساطة الكثير من الذل والإهانة من قبلك .. إلا أن إذلالك لي .. كان اهون ألف مرة من احتمال شفقتك .. وعطفك وإحساسك بالذنب .. والاشمئزاز الذي سيطغى على مشاعرك كلما لمستني .. وعرفت بان ذلك الرجل قد لمسني قبلك
قال واجما دون أن ينظر إليها :- أي تحد لن يكون سهلا في البداية .. ولكن مع الوقت .. وبما يشعر به كل منا الآخر .. نستطيع أن نهزمه .. وأن نكون سعيدين في النهاية معا
لدقائق بدت له لن تنتهي .. نظرت إليه سلام يصمت .. أحس بشعور السجين أصناء انتظاره لحكم إعدامه .. مهما كان ما تفكر به سلام .. فهو لن يعجبه .. عرف هذا قبل أن تقول له أخيرا بهدوء :- الكلام سهل يا جهاد .. ولكن فكر معي .. ليس هناك ضمان بأننا سنتخلص من شبح ماجد في يوم من الأيام .. سيكون بيننا دائما .. حتى يأتي يوم يعجز فيه أحدنا عن النظر إلى وجه الآخر .. سنكره بعضنا يا جهاد .. وسيكون ألم انفصالنا مضاعفا .. من جهة أخرى .. سأبقى دائما أسيرة الشك بأنك لم تبقيني معك إلا شفقة و إراحة لضميرك
أطل القلق من عينيه الخضراوين .. وهو يقول بصوت أجش :- ما الذي تحاولين قوله يا سلام ؟
بذلت جهدا كبيرا كي تمنع سيل الدموع من تجاوز مقلتيها .. ولكن الألم ظهر واضحا في صوتها وهي تقول :- أريد الطلاق يا جهاد .. طلقني
صمت ثقيل ساد في الغرفة .. بينما التقت نظراتهما طويلا .. قال أخيرا بصوت ثقيل :- لن أطلقك يا سلام .. سأمنحك بعض الوقت فقط .. كل الوقت الذي تحتاجينه كي تؤمني بتمسكي بك .. وأنا مستعد لانتظارك حتى تعودي إلي .. وثقي بأنني لن أمل الانتظار
راقبته بتعاسة وهو يغادر الشقة .. التهمت عيناها قامته الطويلة الرائعة وهي تختفي خلف الباب .. ثم تركت دموعها الحبيسة تجري فوق وجنتيها .. وعندما لمحت خالتها ترتجف خلف باب غرفة الضيوف حيث لم يرها أحدهما .. عرفت بأنها كانت تستمع إلى كل حرف تبادلته سلام مع جهاد .. معرفتها بأن سرها قد انكشف أخيرا .. جعلت ثقلا كبيرا ينزاح من كاهلها .. وبدا سهلا للغاية لها أن تنهار أخيرا

رواية سلام لعينك لكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن