الفصل التاسع

1.5K 49 1
                                    



الفصل التاسع
زوجتي الحزينة
قالت السيدة إيمان ضاحكة وهي تربت على بطنها المتضخمة :- زوجي المسكين .. فقد عقله تماما عندما اخبره الطبيب بأمر التوأم .. لقد ذهل وفقد قدرته على الكلام لساعات بعدها .. التفكير بعبء طفل واحد أرهقه جدا .. فكيف بعبء طفلين في آن واحد
علقت سارة قائلة :- جميع الرجال يذعرون في البداية .. ثم سرعان ما يروق لهم الامر .. لم يمض وقت طويل على إنجابي لطفلي الثالث .. وهاهو فراس يلمح إلى رغبته بالرابع
عندها .. صاحت والدتها بحدة :- لا مزيد من الأطفال لك يا سارة .. يرغب الرجال بإغراق زوجاتهم بالأطفال كي تنسين انفسهن .. وتكرسن حياتهن بالكامل لهم ولأولادهم
ابتسمت سلام وهي تستمع إلى الحوار الظريف الذي اعتادت المشاركة بمثله كلما اجتمعت مع صديقات حماتها وسارة صباح كل ثلاثاء في منزل حماتها .. فمنذ حفل الزفاف الذي مضى عليه شهر ونصف حتى الآن .. وهي تشارك في حياة
اجتماعية حافلة بالحفلات والسهرات .. وجلسات الثرثرة النسائية الشبيهة بهذه .. تمكنت من اكتساب إعجاب صديقات حماتها الرفيعات المستوى بأدبها الفطري واناقة ملبسها .. وكانت تستمتع حقا بالتظاهر بانها جزء من هذا المجتمع حتى تدلي إحداهن بتعليق يعيدها إلى الواقع بقسوة كتعليق السيدة إيمان التالي :- وماذا عن كنتك الجديدة ؟ ألا تخبئ لنا هدية جميلة ستصل بعد أشهر
شحب وجه سلام .. وغابت ابتسامتها .. ولكن احدا لم يلاحظ اضطرابها عندما قالت حماتها :- أتعشم أن يكون هذا قريبا .. فلا صبر لي حتى أحمل ابن جهاد بين يدي اخيرا
لم تكن سلام حاملا .. وقد تأكدت من هذا منذ أسبوع واحد .. ولكن الحديث في الموضوع كان يذكرها دائما بالآمال المعلقة على هذا الزواج .. وبالخداع الذي تمارسه مع جهاد امام الجميع .. مما يعيدها مجددا إلى الواقع .. واقعها المر والقاسي
بعد انصراف الضيوف .. أصرت السيدة جهان على بقاء سلام قائلة :- لقد سبق واتصلت بجهاد .. سيأتي إلى هنا وستتناولان الغداء معنا ..
ثم ظهر التأثر في عينيها وهي تقول :- لا أصدق بانه قد عاد ليشاركنا وجبات الطعام مجددا .. لقد ابتعد عنا لفترة طويلة رغم وجوده معنا .. وها قد استعدناه مجددا بسببك أنت
عاد تأنيب الضمير يعذبها لخداعها هذه المراة الطيبة ..فهي تظن بان سلام قد حققت المعجزات وأعادت لها ابنها الشارد .. وبما انها لا تستطيع تصحيح ظنونها .. التزمت الصمت
في تمام الساعة الواحدة .. دخل جهاد برفقة والده .. استسلم لعناق أمه العاطفي ومزاح اخته المرح .. وبعد أن رد عليها بتعليق ضاحك عن غياب زوجها .. استدار نحو سلام
كما في كل مرة يقع بصره عليها .. يحبس انفاسه للحظات وكانه يراها للمرة الاولى .. وفي ذلك النهار.. كانت تبدو مذهلة بطريقتها العفوية وكانها لا تدرك حقا مدى جمالها .. شعرها الطويل كان حرا مسترسلا فوق كتفيها وخلف ظهرها .. مشكلا ما يشبه الهالة الذهبية حول وجهها الناعم .. فستانها الازرق البسيط و الانيق ناسب تماما بشرتها النقية .. وأظهر قوامها الكامل الانوثة .. وعلت عينيها كالعادة .. تلك النظرة الشبيهة بنظرة الغزال الذي وجد نفسه فجاة في مواجهة الاسد
مقدار خوفها منه .. والذي يستشعره دائما من طريقة مواجهتها له .. كانت تزعجه وتغضبه .. ود للحظة لو يمحي كل ماضيهما وحاضرهما .. ويخلق واقعا جديدا .. تنظر خلاله إليه بسعادة .. بطمأنينة وراحة على الأقل
عندما توجه نحوها أحست سلام بالرجفة تسري في اوصالها .. لقد مر شهر ونصف على زواجهما .. كان عليها تخطي هذا الاضطراب الذي تشعر به كلما راته
بحق الله .. الرجل يكرهها بجنون .. ويحتقرها .. فلماذا يزداد حبها له مع مرور الايام .. بدلا من أن ينقص
نظر في عينيها وسألها بهدوء :- كيف حالك يا سلام ؟
أومأت برأسها .. وغمغمت برد غير مفهوم .. وهي حريصة على رسم ابتسامة على شفتيها .. تحت انظار عائلة زوجها الجذلى
صاحت حماتها ببشاشة :- سيكون الغداء جاهزا خلال دقائق .. فلننتظر في غرفة الجلوس حيث تخبرنا انت ووالدك عن نهاركما
أحاط كتفي سلام بذراعه قائلا :- لك ما تريدين يا أغلى الناس .. ولكنني سأستأذنكم لمخاطبة زوجتي على انفراد للحظات
قادها إلى غرفة داخلية .. حيث حررت نفسها من لمسته .. واستدارت تواجهه ساخرة :- يا له من عرض مشوق لمشاعر غير موجودة على الإطلاق .. بما أن الغرض منه قد تحقق .. وزدت من قناعة والديم بحرارة غرامنا .. فأنا ذاهبة لمساعدة والدتك في التحضير للغداء
عندما ارادت الانسحاب منعها بإحاطة معصمها بأصابعه القوية وهويقول بحزم :- ليس هذا ما أردته منك
التفتت إليه بدهشة بالغة .. إذ كانت المرة الأولى منذ شهر ونصف يحاول فيها إجراء حوار معها دون وجود متفرجين .. في الواقع .. بالكاد كانت تراه إن لم يكونا مدعوين إلى منزل أحد أقاربه .. او إلى حفلة اجتماعية ما .. ففي الصباح الباكر .. يغادر إلى عمله قبل ان تستيقظ ويعود غالبا بعد أن تخلد إلى النوم .. وإن وجه نحوها اي كلام .. فغالبا ما يقتصر كلامه على ماهو ضروري وبلهجة مقتضبة
حتى وجبات الطعام كانت تتناولها وحيدة .. في حال تذكرت أن تفعل .. بينما يتناول هو طعامه خارجا .. دون ان تعرف إن كان يتناوله وحيدا أو برفقة أحد .....أ, إحدى صديقاته القديمات مثلا
تمتمت باضطراب :- ما الذي ؟ .. ما الذي تريده مني ؟
مسح وجهها الشاحب بنظراته .. ثم اخذ نفسا عميقا ليقول :- تبدين شاحبة .. وأكثر نحولا .. هل انت بخير ؟
اهتمامه المفاجئ بها هزها بقسوة .. شيء ما تفجر داخلها مبعثرا كل الآلام التي كتمتها داخلها .. كل الوحدة القاتلة التي تكاد تدمرها
والنتيجة طبعا .. ان تدفقت دموعها كسيل غزير اتبعه تعالي نشيجها .. أفلت معصمها وكأن بشرتها قد أحرقته .. ووجد نفسه يقول بارتباك وعجز :- ما الامر ؟ ما الذي يضايقك ؟
أحس بأن سؤاله لا يمكن وصفه إلا بالغباء ... ما الذي يضايقها ؟؟
هل نسي تدميره لحياتها ومعاملته السيئة لها في بداية حياتهما الزوجية ؟ هل هو غافل عن الحزن الذي قلما فارق وجهها او صوتها .. ومحاولتها إخفاؤه بتحفظها وانطوائها عنه ؟
ابتعدت عنه وهي تحاول تجاوز هذا الانفجار الا إرادي .. وتمسح دموعها باصابعها المرتعشة .. بينما تمالك هو نفسه قائلا بهدوء :- أنا آسف للضغط الذي تشعرين به .. لابد ان الوضع قاس عليك
تمتمت :- لا تعتذر.. أنت لم تخطئ
وهذا صحيح .. فهي المذنب الوحيد فيما حصل .. وتستحق تماما كل ما تمر به .. دون ان تنظر إليه .. قالت بضعف :- هل أستطيع المرور لزيارة خالتي اليوم ؟
قال بوجوم بعد دقيقة صمت :- بالتأكيد
بعد تناولهما الغداء مع العائلة .. اعتذر جهاد ليوصل سلام إلى منزل خالتها قبل عودته إلى عمله .. وأثناء خروجهما .. اكدت والدته عليهما :- لا تتأخرا صباح الجمعة .. سنكون كلنا هناك في وقت مبكر للغاية
وما كانت تتحدث عنه هو اتفاقهم على الاجتماع جميعا في مزرعة العائلة لقضاء اليوم كاملا هناك في محاولة لاستغلال آخر أيام الصيف قبل حلول الخريف بأمطاره ورياحه القوية
قبل أ، تترجل سلام من السيارة أمام المينى المتواضع الذي تقطن فيه خالتها .. خاطبها جهاد قائلا :- اتصلي بي إذا احتجت إلي
التقت عيناهما ليقرأ اضطرابها وحيرتها فيهما .. قبل أن تومئ برأسها موافقة .. وتقفل الباب خلفها .. وتغيب عن بصره داخل المبنى
بقي هناك لدقائق معدودة ينظر شاردا إلى البوابة التي اختفت عبرها ثم حمل نفسه مرغما على التحرك .. وقيادة السيارة مبتعدا عنها


 انتهى الفصل

رواية سلام لعينك لكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن