٢٦

215 9 0
                                    

تهادت تلك الإبتسامة الصغيرة إلى شفتيها عندما تذكرت ذلك اللقاء القصير مع من إستطاع أخذ تفكيرها وأول نظرة إعجاب لرجل، هي التي لا تُطيق بنو آدم تِمًَّا و لا تنظر لهم من الأساس، جاء هو في بضع ثوانٍ و سرق لُب عقلها!

تتذكر حينما تجولت عيناها بنظرات خاوية في أرجاء شقتها ذات الديكور العصري الحديث في تلك المدينة التي كانت تتمني منذ صغرها أن تأتي للعيش بها و ها هي تحقق أحدي أحلام الطفولة ولكنها تفتقد إلى البشر، أمها وشقيقاتها، تشعر بالوحدة، هنا لا يوجد أصدقاء تنعدم تلك المحبة والأُلفة بين الأُناس مقارنة بوطنها الحبيب.
ذهبت إلى شرفتها المطلة علي تلك البحيرة التي تبعث في روحها الهدوء والسكينة، هي من إختارت أن تسكن في تلك القرية الريفية الصغيرة في مدينة أحلامها " إسطنبول"، تلك القرية التي لا يسكنها إلا القليل بخضرتها الرائعة و أشجار الصنوبر والزيتون، كل شيء هنا يبعث في روحها الدفيء!.
أتت إلي هنا لقضاء رحله قصيرة بعيدًا عن الملل والروتين اليومي وعملها الذي لا ينتهي، حتي تتخلص من تلك العادات الشرقية التي تمنعها من السفر وحدها وكلمات أمها التي لا تمل من تكرارها بكل لحظة عن الزواج..، وبكلتا الحالتين تظن أن الريف يطاردها بما أنها أيضًا تعيش في قرية ريفية في مصر، إستوقف ذكرياتها مقدار الوجع الذي لا يُحتمل في قدمها؛ لتستوعب أنها أثناء سيرها إصطدمت بشده في طرف المنضدة، وبسرعة أمسكت كاحلها مدلكة إياه بلطف ولين وحاجبيها معقودين ألمًا.
سمعت الباب يطرق والصوت الصارخ من خلفه باللكنة العربية تصدح بالمكان؛ لتشق الإبتسامة وجهها على إبنه جارتها الشابة التي تقاربها في عمرها وعلمت أنها تعلمت اللغة العربية من أخيها الذي يسكن في القاهرة ويأتي لهم كل سنة وأصبحت تتحدثها بطلاقة شديدة استغربتها هي.
فتحت الباب و هي تستند عليه تعقد يديها حولها، من ثم دخلت الأخرى كالإعصار وجلست علي الأريكة بأريحية
فتحدثت سلاف وهي تتعثر في مشيتها
- مالك ساكته ليه كده
ردت عليها بنفس العبوس الذي يحتل وجهها
- جواد رجع امبارح بس راح عند صحابه الأول
- جواد ده أخوكِ صح
إستندت بيدها علي وجنتها و هزت رأسها بالإيجاب
- و إيه إللي مزعلك في كده
تحدثت بصوت يشوبه الحزن
- علشان أنا بستناه كل سنه يجي ليا أنا الأول علشان بيوحشني وكمان بيخرجني شوية من هنا
تبسمت سلاف علي تفكير تلك الفتاة، جلست بجانبها واضعة يدها على شعرها برفق
- ولا تزعلي نفسك هاخدك ونخرج إنتي النهاردة المرشدة السياحية بتاعتي هتوديني كل الأماكن إللي تعرفيها ونستمتع أهو على الأقل إنتي إللي بعرف أتكلم معاها بلغتي عادي.

صفقت هوليا بيديها بحماس وهي تستعد لتلك الرحلة بصحبة سلاف
وبعد ما يقارب النصف ساعة..

تسير برفقة هوليا في تلك الغابة بين كمية الأشجار المثمرة وهالتها الضخة، منبهرة بكل شيء تراه، هي بالفعل ترى تلك المدينة مختلفة وكأنها قطعة من الجنة بجمالها الطبيعي و عادات القرويون بها وكرمهم الزائد هنا في الريف..
قررت هي و هوليا أن يأخذوا الرحله سيرًا على الأقدام حتى يتيح لهم الإستمتاع واللهو أكثر.
وبالطريق وجدت سلاف نفسها تعبر طريق أخر في تلك الغابة وتخرج إلى قرية شديدة الجمال، ظلت تنظر حولها وعيناها تلمعان بوميض إعجاب، إنبهار، سعادة!.

حواديت "القلب وما يهوى"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن