اندهاش :

163 3 4
                                    

لأكن صريحة لم يكن قرار الموت سهلاً ، لكني الآن أختاره ببرود كسبيلٍ للنجاة ، ليس لي أحدٌ يجعلني أتردد و ألتفت متراجعة ، كنت حقا أريد العيش ، كنت حقاً أرغب بالتمسك بأيدي دافئة ، أو الغوص في عناق طويل ، أو حتى مقابلة وجه يبتسم لي في كل مرة ، أنا حقاً لست كئيبة ، ولست أبكي لأني بعد ثواني سأتخلى عن حياتي ، و لا أتخلى عن حياتي لأنني أريد ، الأمور فقط أكثر تعقيداً ، لم أكن أريد أن أموت كالجبانة مرتمية من هاوية شاهقة العلو ، و لكن الأقدار من قادتني إلى الموت ، أتعلمون لطالما كنت مختلفة ، فبينما يتعلق الآخرون بالحياة أنا أتخلى عنها !!، لقد كان من الأصل وجودي في الحياة عائقاً ، سواءاً لي أو للآخرين ، لست أدري ما سيحصل بعد هذه اللحظة التي ان خطوت إنشاً واحداً سأكون اول منتحرة مستئذبة سيسجلها التاريخ ، لطالما عُرِفَ المسئذبين بقواهم و قوى ذئابهم ، لا تغلبهم ظروف الطبيعة القاسية و لا حتى يعترفون بالأمراض النفسية ، سوى واحدة ، وهي ضعفهم أمام رابطة الرفقاء ، أنا في الأصل أنتمي لقبيلة "بلاير "،و نعتبر من أكثر القبائل قوةً بعد التي تفصلنا عنها هذه الهاوية اللعينة ، و تسمى بقبيلة "آرديلا " ، يقال أن القبيلتين قبل مئات السنين كانتا  متحدتين باسم "بلارديلا" كقبيلة واحدة فائقة القوة ، لكن نشبت النزاعات و الخلافات و كان من الصعب إدارة مجال جغرافي شاسع مع تزايد الصراعات بين أفراد الشعب ، لذا اضطر الآلفا الحاكم إلى تقسيمها لقبيلتين وتسليم كل واحدة لأحد أبنائه ، ما لم يكن في الحسبان ، أن بعد موته سيتملكهم الجشع ، و سيقطعون العلاقات بصفة قطعية و كأنهم مستقلين عن بعضهم ،  سيسعى كل منهما إلى تقوية جيشه و شعبه كي يبدو أنجح من الآخر ، وهنا ستجد الكراهية مجالاً للتدخل بينهم ، منذ ذلك الوقت أصبحت كل قبيلة غريبة عن الأخرى كأنهما لم يكونا متحدتين يوما ، لم نستطع العبور للطرف الآخر و لا هم استطاعوا العبور إلى طرفنا ، لأنه ببساطة بين القبيلتين هاوية شاهقة محرم على الكل المجيئ إليها حتى لا يفقد حياته ، و الغريب في الأمر أننا نختلف في عادتنا و تقاليدنا حسب ما رُوِي لنا عنهم في الصغر ، و أنهم يختلفون عنا في الكثير من الأمور ، لكنهم نسوا ان طبيعتنا تُحتِّم علينا التَّوحُّد ، فبعيدا عن عالم البشر ، في أحد الغابات التي تقع في أحد نواحي كوكب الأرض ، هناك عالم المستئذبين ، لا يختلفون عن البشر سوى بذئابهم الذين يتواصلون معهم عن طريق التخاطر العقلي ، و لا يستطيعون التحول لذئاب سوى بعد الثامنة عشر من عمرهم ، يعطيهم ذلك القوة الجسدية و البنية الصلبة التي تسمح لهم بالتعايش مع ظروف الطبيعة القاسية ، تشكيلتنا واضحة ، الآلفا هو الذي يحكم القبيلة ، ثم اللونا تكون رفيقته المقدرة ، كلٌ يستطيع تميز رفيقه بواسطة رائحته التي تبدو له جذابة ومميزة عن الآخرين ، و حين يتلاقون تصرخ ذئابهم ب {رفيق} ، بعد ذلك يأتي البيتا و هو مساعد الآلفا ، إلى آخر فئة من الهرم و هي الأوميغا التي تكون الأقل قوة ، إلى هنا الأمور تبدو جيدة باستثنائي ، فأنا لم يستطع أحد تحديد فئتي لان ذئبتي ببساطة يختلف لونها عن الكل ، الالفا لون فرو ذئابهم ابيض ، بينما البيتا بني ، ثم الاوميغا رمادي ، و اللونا حسب انتمائها ، أما أنا فأملك ذئبة سوداء بالكامل ، ما جعل كمية هائلة من التنمر تنكبُّ علي ، حيث نعتوا ذئبتي بالكلبة الضالة ، و منهم من جعلني جالبة الشؤم و السوء ، و الاسوء من ذلك ان عائلتي يظنوا ذلك أيضا، في الحقيقة لطالما ساقني الفضول إلى تخيل الحياة في آرديلا ، و أؤمن ان الحياة هناك افضل بكثير من هنا ، الآلفا خاصتنا وفّر لنا كل ما نحتاجه ، لكن لاطالما كان التواصل بين افراد القبيلة و العائلة الحاكمة غائبا ، و حتى بين افراد القبيلة نفسهم ، انا افتقد لذلك الدفئ ، لروح الانتماء ، الذي لم أجدهما يوما هنا ، فحتى حينما اقول انا انتمي لقبيلة بلاير فلا اقصدها بمعناها الروحي ، بل فقط بتواجدي بينهم جسديا ً ، لذا وجدت ان القرار الاكثر صواباً هو التخلص من حياتي لفائدة الجميع ، عيناي المتلئلئتين بالدموع مثبثتان في نقطة وهمية ،و الرياح تعصف من الجانبين جاعلة خصلات شعري السوداء و الشقراء ترفرف بحرية ،و اليكم ثاني نقطة جعلت التنمر قدري المحتَّم ، وهو تناقض جسمي ، حيث نصف شعري الايمن اسود ، بينما الايسر اشقر ، و لأكون واضحة انا لطالما احببت شكلي و ان لم يتقبلوه ، عيناي السوداويتين ليستا سوى شاهدتين على كل ما مررت به من مضايقات ، كان التحرش حليف حياتي ، و هل ترون وحشيتهم وتناقضهم ؟، هم لا يتقبلونني لكنهم يجدوني فاتنة مغرية لغرائزهم !!! ، تمنيت لو كنت عادية كغيري لكني لم أكن ، وجهي تملأه علامات الحزن إضافة الى ذلك النمش الخفيف القابع في و وجنتاي و جسر انفي ، ثم شفاهي الرقيقة التي لم تنبس ولو بكلمة مدافعة عن نفسها في المواقف التي ظلمت فيها ، و ما أكثرها !!، اغمضت عيناي استمتع بالنسيم العليل لآخر مرة لافتحهما مستعدة للإلقاء بنفسي ، و ما هي الى ثواني حتى فتحت جفناي مندهشة بما اراه.........

سنوات الضياع Where stories live. Discover now