03 سبتمبر 2009

599 14 3
                                    


بدأت القصة من هنا، او بالتحديد في الساعات الأولى من صباح هذا التاريخ. نهضت على صوت أمي الرقيق وهي تتوسلني لترك الوسادة والاستعداد للسفر. نعم، كنت مسافرة ذلك اليوم، في طائرة الساعة العاشرة صباحا الى المدينة التي لا تغيب عنها الشمس، مدينة الأحلام، لندن. نهضت وأنا أتمايل وأتثاءب وأحكشعري الأسود الطويل. استحممت وارتديت ملابسي وانضممت الى طاولة فطور الصباح. كان الصمت سيد المكان، فقد كان أبي يرتشف القهوة وذهنه في غير مكاننا واخوتي ينظرون الي بتلك الأعين الواسعة البريئة، وأمي تحاول كبح دموعها برسم ابتسامة جافة على وجهها. وفجأة، رن هاتفي الجميل، واذ بها صديقتي هاجر تصرخ قائلة انها تنتظرني في المطار. أخبرت ابي انه علينا الذهاب، وهناك تزحزحت الكراسي وزلزلت أرضية بيتنا وبدأت أختي بالبكاء وشاركها أخي الصغير نفس الشعور، ثم اوقفتهم امي قائلة ان البكاء ليس جيدا عند السفر. هناك، ايقنت انه حان وقت الوداع، فقد عزمت ان أكمل دراستي في لندن واعثر على عمل واستقر هناك دون عودة الى موطني. قررت ان أرى جزائري لآخر مرة من نافذة الطائرة وانا اتجه الى النصف الآخر من حياتي. قررت ان أودع تلك الأزقة والأحياء الشعبية التي تعيش بما تكسبه في اليوم، وتلك البنايات العجوزة التي شهدت على تاريخ عظيم ومعارك كثيرة في زمن الاحتلال.

ودعت عائلتي، وركبت السيارة وحاولت الا التف لأنني اعلم انني سأتراجع عن قراري. كان أجمل شيء سمعته في ذلك اليوم هو دعوة أمي الجميلة التي لا تزال ترن في أذني وهي تقول "حفظك الله ورعاك يا بنيتي". وصلت الى المطار، عنقني أبي ورحل ودموعه تنزل خفية. وجدت صديقتي تنتظرني، واذ بنا نسمع شخصا ينادينا. لقد كانت صديقتنا ريان التي ودعتنا وهي تتمنى ان نرسل لها الفيزا كي تلتحق بنا. صعدت مع هاجر الى الطائرة وجلست على مقربة من النافذة، ووضعت حزام الأمان. وضعت هاجر السماعات في أذنيها. اظنها كانت تستمع الى القرآن الكريم وهي مغمضة الأعين. أعلمتنا المضيفة ان لحظة الإقلاع قد حانت، فنظرت من النافذة وانا ازداد ارتفاعا وقلت «وداعا يا جزائري الحبيبة» ...

صدفة... أحببتهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن