كانت أصواتهم تطل من وراء قضبان السجن، كل زنزانة لها ذائقة خاصة، لها بصمة الجرم، ولكنهم كانوا جميعاً أبرياء. وذلك كان سجنهم الحقيقي ( سجن الجرم الذي لم يرتكبوه)، ولكنهم تشربوه وصار يكبلهم ويقيدهم ويمنعهم من تحقيق ذواتهم. لم يكونوا يدركون أن أبواب الزنازين مفتوحة، وأن بإمكانهم الفرار، ولكنهم ألفوا هذه الزنازين ولم يتصوروا يوما أن بالإمكان الهرب، وأن هناك حياة خارج الزنزانة. كيف وقد صنع الزنزانة أحباؤهم.. آباء وأمهات، أو أعمام وخالات، أو معلمون ومشايخ وقساوسة ورموز مجتمعية، صنعت لهم الزنازين باسم الحب أو المصلحة.
حتى قرر أحدهم يوما أن يتجرأ ويدفع الباب قليلًا لينفرج، ويدخل بصيص من نور التعافي، ثم تجاسر أكثر وخرج لـ للممر هناك حيث زنازين الألم، ثم جازف أكثر وصاح في المحبوسين أن هناك نورًا خارج الأقفاص، وأن الحياة خارج السجن ممكنة ومكفولة وليست محرمة عليهم!
وحينها فتحت الأبواب ببطء، وخرج الحبيسون، ليلتقوا هناك في الطريق إلى الطريق، في رحلة الهروب خارج السجن.. السجن الناعم وفي ذلك الممر نقشوا حكاياهم وكتبوا قصصهم على الجدران، وأعلنوا كيف الهرب لكل من ألقته أقداره يوما في سجن كهذا، ومن تلك النقوش كان هذا الكتاب