زنزانة ٢
" أما أنا فلم يكن والداي يسيئان معاملتي، بل الحياة هي من كانت تسيء معاملتها.. كان لديهما من الثقل والألم والمعاناة ما يجعلهما شديدي التجهم دوما...
أبي طالما كان مرهقا كثيبًا شاردًا يلعن الدنيا.. وأمي كانت حزينة دوما لا تكاد عيناها تخلوان من دمعة تلمع . لا أتذكر أني شاهدت أحدهما يضحك يوما، ولا أدري هل كانت الظروف صعبة لتلك الدرجة أم أنها تلك هي العدسة التي يريان من
خلالها العالم.
المهم أني قد نشأت أشعر أن هذا العالم كتيب ومتجهم، وأنه سيحط بثقله علينا ما أن نبلغ الرشد ونواجهه. صار الحزن هو اللغة التي أ أفهمها من المشاعر، وحتى هذه اللحظة لا أظن أني أتقن التعامل مع الفرح، أو أنني أتمكن من استقبال مشاعر کالامتنان أو البهجة أو المرح.
ولكن لم تكن تلك هي المشكلة فقط، والتي جعلتني مدمنة للحزن أقوم بتعريف نفسي من خلال الأسى والشكوى والألم فقط.. بل كانت المشكلة الثانية هي شعوري بأن أبوي لا ينقصهما همي، بأنه دوما كان لديها ما يكفي ويفيض لئلا أنوء بحملي لديهما.
لذا قررت في هذه الحياة أن أكون ضيفًا خفيفًا، وتعلمت أنه لا مساحة مكفولة لمشاعري، وأن ما لدي ينبغي إخفاؤه، وأن حزني الدائم يجب أن ألوكه في صمت وخفاء، وأن من حق كل شخص في الحياة أن يشعر ويطلب ويحس إلا أنا !