11| دَاخِل أسوار يُوكرَاثيا

1K 70 132
                                    


صربيَا - سُوبتيتسا مقاطَعة (شمَال باتشكَا )
١٣ دِيسمبر ٢٠٠٩- السّا : ٩:١٣ ليلًا

تَقِفُ صَاحبَة الخَامسَة عشرَ حولًا فوقَ الأرض المُغلّفَة بثلُوج الشّتاء الصرِد ببشرَة شاحبَة وَ جسد هزِيل غلّفه معطَفٌ حكلِي اللّونِ كبيرَ الحجم .. تَضَع فوقَ رأسهَا قبّعَة تُخفِي وجهَها الذّابِل و عينَاهَا المتورّمَة التّي عكسَت برُودَة و قساوَة جوفِهَا الخَاوِي الذّي زَخره الحَقد و الألَم إلَى أن إحترَقت جلّ مشَاعرهَا ولم يتبَقى منهَا غيرَ رماد رُوحهَا اليَتِيمَة ، هِي الآن أمَام بقَالَة متوَسطَة الحجم فِي ظلامِ ليلَة باردَة لَا تحملُ معهَا بقشيشًا يُنجِيهَا من سَقِيم الجُوعِ وَ قسَاوة الزّمهَرير .. تحسّسَت سِلاحهَا النّارِي داخِل جيبِ معطَفهَا بأناملهَا المتجمّدَة و أخذَت خطوَاتهَا نحوَ داخِل البّقَالة التّي مَا إن وَلجت حتّى صفعتهَا موجَة مِن الدّفئ التّي حُرمَت منهُ لأسابِيع فِي العرَاء المُتجمّد و إختَرَق مسمَعهَا صوتُ الرّاديُو الذّي ينشُد النّشيدَ الوَطنُي الصّربِي .. وَ قد كَان هنَاكَ كَهلٌ يقرأ جرِيدَة بأنامِلٍ مرتعشَة ووجهٍ هزِيل.. لَم يبدِي أي ردّة فعِلٍ عندَ رؤيتهَا غيرَ إلقَاءٍ سريعٍ بنظرهِ عليهَا ثمّ عادَ ببصَره نحوَ جريدَته .

إتبعت خطوَاتهَا نحو رفّ المشرُوبَات و أخذَت قارورَة مياهٍ وَ حليبَ الفرَاولَة المفضّل عندَها مَع علبَة بسكوِيت لَا تعلم ذَوقَه .. إتجهَت نحوَ مَسطَح الدّفع و قد وضعَت أغرَاضهَا أمَام الكهل المُرتَعش الذّي بدأ محاسبَتها دونَ النظر نحوهَا و سألهَا :

-" يُوش نِيشتُو ؟
(أي شَيء آخر ؟)"

أشارَت بيدهَا نحو الرّف أعلاه أينَ تموضعَت المحَارِم الورقية تطلبُ منهَا - وَضَع علبَة مَع المقتنيَات بملَلٍ بادٍ على محيَاه ثمّ أدَارَ لهَا شاشَة الآلة الحاسبَة يريهَا المبلَغ المُراد دَفعه.. أخذَت الكِيسَ بيدهَا ثمّ أردفت نحوه بصوتٍ ثابت و هادئ :

-" نِيمَا نوفتسَا ..
(لَا مالَ ..)"

فور مَا تلَفظّت جُملتهَا حتّى بدأ يَصرخُ نحوهَا بكلمَاتٍ كثيرَة لم تستَطِع تدَاركهَا وحَاوَل سحبَ الكِيسَ منهَا بكلّ إنفعَالية وَ عصبيّة ، رغمَ شكلَه المُثير للشّفقَة إلّا أن لهُ صوتًا ناشِزًا يزعِجُ مسمَعهَا و يثِيرُ سخطَهَا .. رأته يتّجِه نحوَ الهاتِف صارِخًا :

-" بُوزفَاتشُو بولِيتيُو !
(سأتّصل بالشّرطَة! )"

عِندَما رأت مَا سيفعَل سحبَت مسدّسَهَا مِن جيب معطَفهَا و ثبّتتهُ أمَامَ رأسِه مصرّحَة في وجهِه بكلّ برودٍ و ثباتٍ مَهِيب :

-" ڤِي شِيتِي أومرِتِي !
(سَوفَ تَموت !)"

فورَ سمَاعِه لهَا تجمّدَ جسَده و بَهُتَت ألوَان بشَرَته و راحَ يُتمتِم كلمَات أخرى لَم تفهَمهَا لذَا إقترَبت منه أكثَر تقَرّب فوَهة المُسدّس عَلى فَاهه مخرِسَة إيَاه ثمّ أشارت له نحوَ صندُوقَ المَال لكي يفرِغَه لهَا و قد بدأ فِعلَ ذلِك و عينَاه تُرسِلُ دموعَ أسَى تسرِي على بَشَرته المُنهكَة و يدَاه المرتَجِفَة تُفرغ جُلّ ما في الصندُوق واضعًا إياه فوقَ المسطَح أمَام أعينهَا بينمَا شفتَاه تتلُو جلّ كلمَات التّضَرعِ و طَلبَ الرّحمَة مِن الفتَاة القَاسيَة أمامَه .. التّي لم يَبدُو عليهَا أيّ شكلٍ من أشكَال التأثر فقد كَانت هنَاكَ دونَ أيّ صوتٍ ينجم عَنهَا أو مَشاعِرٍ ترأفُ عنهَا ، كَانت كالجَماد المُتحرّك لَا روح وَ لا إنسانيّة تراقِب تضرّع الكهل الخَائر أمَامهَا دونَ مبَالاة .

يُوكرَاثْيَا | جُرُوح مِن فَوضَى المَاضِي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن