3|أُنشودة القمر

2.8K 217 108
                                    


الفَصل الثّالث : أنشُودَة القَمَر

▪ ⚜ ▪

« غروسانوس مقبرة القذارة البشرية ، ما دمت بين قضبانه لن تخرج منه إلّا عشاء للقروش الجائعة »

أصبحت هذه العبارة شعار يردّده الكّل داخل هذا الجحيم ، شعارٌ شهد معناه كلّ سجين ..حيثُ أمسى كلُّ واحد منهم على يقين تام أنّه لا مفر من هنا . لا مفر إلّا للموت لربّما هو ارحم من كلّ العذاب الذي يتعرّضون لهُ هنا ! فالكّل يدفع ثمن أخطائه داخل غروسانوس، أو بالأحرى ثمن جرائمه فلا أحد برئ داخل الجحيم.. هذه عدالة السماء.

جرائم الإنسان درجات ، فمنها الخفيفة كما يراها القانون كالسرقة ، تعاطي المخدرات وغيرها .. وهناك الأسوء كما يجب الإطلاق عليها - القذارة البشرية- فنجد جرائم سياسية بشعة من نهب حقوق الشعب وإغتيالات إلى خيانة الوطن .. كما نجد جرائم أسوء منها فمنها الهجومات الإرهابية التّي تتسبب بإبادات جماعية راحت فيها أرواح بشرية بريئة .فمصير أمثال هؤلاء المجرمين الوحشيين المجردين من الإنسانية هو التعفن داخل ما يليق بهم .. داخل غروسانوس سجن الوحوش أمثالهم .

فحال توماس ليس مختلفًا عن أيّ منهم ، مجرمٌ مثلهم قتل العديد من الارواح ، ولم يأبه لما ستخلّفه أفعاله الشنيعة هذه . لطالما وجد أعذارًا كثيرة لما فعله ولما أصبح عليه الآن فمن بين هذه الأعذار نجد -يوكراثيا- فهو لم يختر يوما أن يصبح قاتل إلّا أنّه إختار في يومٍ من الأيام الإلتحاق لصفوفها .. ورغم كونه أنذاك صغيرًا مُحتاجًا لملجئ لهُ فوجد مأواه داخل جدرانها .

تربّى على تطبيق كلّ ما أمرت به السلطة في يوكراثيا ، تربى على الولاء لها .. فقد ترسخ ولاءهم لها بكلّ المعنى .. فهاهو اليوم قاتل مطلوب دوليا . إنتهى به المطاف داخل قضبان غروسانوس كما يليق به ولأمثاله ،يصارع الموت داخل حلبات القتال الوحشية كأرواحهم الضّائعة .

ها هو الآن يمشي في الرواق بصحبة ميكائيل نحو حلبة القتال ، مكبل اليدين والرّجلين وسيجارة بين شفتيه ، يستنشق سمومها بكّل راحة و إستمتاع .. غير آبه لوجهته وما ترتب عنها ،ربّما هذه آخرة سيجارة لهُ لذا دعوه يستمتع . إتجهت أنظارهُ أمامهُ يناظِرُ طول الرواق اللانهائي بهدوءٍ شاردًا ، كما لو كان يسبح داخل هذا الظلام الدامس . ربّما هذا الظلام ليس سيئًا بهذا القدر فقد كان أنيس وحدته طوال حياته ،فبطريقة غريبة أصبح ينتمي لهُ كشبحٍ حقيقي .. قاطع شروده صوت ميكائيل :

-" عليكَ أن تربح توماس! لا مجال للتهاون .. بيدرو وحش حقيقي إياك أن تغتر بنفسك"

يُوكرَاثْيَا | جُرُوح مِن فَوضَى المَاضِي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن