8 || صفقةٌ سرّيةٌ عَجيبة.

50 13 11
                                    

بلغ مراد الثالثة عشرة، وصار قادرًا على السيطرة - تقريبًا - على ناره، صار يفهم كنهها، ويعرف متى تبدأ، والأسباب التي قد تهيجها، كل هذا قد أدركه ببطء بعد تعليمات سجانه وتدريباتهم، وكان يقلبها في رأسه وهو يتأمل ذاته الحبيسة كالفأر في دولابٍ دوار، لم يفهم حتى اللحظة هذه القدرة العجيبة التي امتلكها فجأةً، مستغربٌ كيف تركته حيًا حتى الآن، لمَ تأكل كل شيءٍ حوله ولا تأكله هو؟ كان يستمتع بقذفها من يده للأعلى أو للأمام، أو نفثها من فمه، جرب ذات مرةٍ أن يشعلها من إحدى كفيه، ويلمسها بالأخرى، فاحترقت يده بعد وقتٍ ليس بالطويل وآلمته، فأضاف لجسده أثرًا جديدًا من تلك الآثار العديد التي تغطيه، رغم ذلك ما زال غير قادرٍ على كبحها تمامًا حين ينفعل، فعلم نفسه الكتمان.

في أسابيعه الأخيرة، أصابه الفتور الشديد، فأصبح مجرد قطعة لحمٍ نابض، لم تظهر خلالها قدرته العجيبة، فلا شيء يثيره فيخرجها، بل وحتى الفحوصات والاختبارات التي تجري عليه، ما عادت تستدعي منه شيئًا. ترك جسده الضعيف يستلقي على أرض الغرفة، يتشرب بردها، فالحرارة لا تفارقه وإن كانت ضئيلة هذه المرة، شرعت أصابعه تعبث بقطع جهازه المحطم متململًا، يسمع صوت الخُطا القادمة نحوه ولا يعيرها اهتمامًا، حتى صدر صوتٌ ناعمٌ يقول بنبرةٍ منشرحة:

- «مراد لدينا أخبارٌ سارة لك».

مال برأسه وجسده قليلًا للوراء، ثم نهض بجذعه يعاين ضباب الواقفين وراء الزجاج فصاح يقول مستفهمًا:

- «أخبار سارة؟».

- «نعم.. ستخرج من هنا خلال أسبوع».

لم يبد أي ردة فعل، ظل يحملق بتلك الأشباح المتحركة، والتي تتناوب الكلام معه، كادت دقات قلبه أن تقرع، إلا أنها سرعان ما خمدت، ليبدأ عقله بذلك، وتتوالد منه الأفكار السوداوية والأسئلة المزعجة.

- «إلى عائلتي؟».

ترددت قليلًا ثم قالت:

- «ليس بعد، كما تعلم..».

وقف وقاطعها قائلًا:

- «سأخرج إلى أين إذن؟».

- «مراد اهدأ.. ستعود لعائلتك لكن ليس الآن، هذا يحتاج لوقتٍ طويل، وعملٍ كثيرٍ معقد، فليس من السهل نقلك من هنا إلى وطنك، وأنت فتىً كبير الآن تفهم ما أقصد».

لا يفهم شيئًا وهي تعرف ذلك، كيف له أن يفهم؟ وهو حبيسٌ عندهم كل تلك المدة، فلو قال إنه قد نسي حتى لون الشمس لما كذب. أردفت تقول:

- «ستعيش مع عائلة جديدة يا صغيري، عائلة لطيفة جدًا، لن تشعر معهم بالوحدة، وهذا بالطبع لبعض الوقت، ثم ستعود لوطنك حين نستعد لنقلك».

كان إقناعه صعبًا، وكان لا بد من إقناعه، فلو قابلوه بالأوامر والإجبار، سينمون حقده ورغبته في الانتقام. رضخ لواقعه المحتوم رغم شكه الكبير، فما عادت لديه القدرة على المقاومة ولا الرغبة بذلك، وكل شيءٍ فيه يدعوه للصمت والرضوخ.

مـورا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن