| 6 |

11 1 1
                                    

أعجمِيّ متنكّر بهيأة عربِي. (الجزء الثاني)

ثمّ هناك هذا الصنف الآخر من الكتاب، والذين يكتبون روايات عربية، في إطار ثقافي عربي، وشخصيات عربية... وهذا جميل! أليس كذلك؟ كلا! مهلا لحظة، فأنا لم أنهِي وصفي بعد، صحيح أنّ ما ذكرته موجود، لكِنك تجِدهم ينسجون قصصهم أين؟ في وِديان الجاهلية.

هكذا.

وكأنّ لا شيء في ثقافتنا يستحِقّ أن يكتب عنه غيرَ ما يتّصف بالجاهلية وما يسودُ فيه التقليد الأعمى والعرف الجاهلي.

إذن فالقارئ العربِي المريد لقراءة خيالٍ عربي يستوعب به واقعه، ويفتَح به الباب إلى تاريخه وهويته، أمامه خياران:

الأول: أن يقرأ رواية تطمِس هويته.
الثاني: أن يقرأ رواية تعيده إلى عصر الجهل والجهالة.

لا عجبَ إذن أن ينفِر الجيل الجديد من الروايات ذات الطابع العربي، وإن سالَ لعابه على رواية منها نظرتَ إليها فوجدتها من الصنف الأول.

هناكَ الكثير من الأخلاق الجميلة التي يمكن الكتابة عنها: كالرجولة، والمروءة، والشجاعة والشهامة للرجل، والحياء، والأدب، والرّقة للمرأة، وكذا الجود والكرم وحسن الضيافة في التعاملات بين الناس، فيكون ذلك من باب تسليط الضوء على هذه القيم الجميلة التي عرِف بها العرب وثبّتها الإسلام وأتمها رسول الإسلام صلوات ربي وسلامه عليه.

لكِن يأبى بعض الكتاب إلا تكريه هذا الجيل اليافع الذي لا يعلم شيئا من ثقافته بها، بتسليطه الضوء على بعض الأخلاقيات التي كان ينتقدها العرب أنفسهم، أو التي جاء الإسلام وأبطلها أو وضع لها حدودا.

هذا الاختيار السلبي للقصص وشخصياتها وأحداثها يفصِل بينَنا وبينَ الهوية التي نعتَزّ بها، أو التي نريدُ أن نعتَزّ بها فمَن نظَر إلى واقعنا اليوم أدرَك مدى غيابِ حضورِها في وعيِنا وحديثنا وتعريفنا بأنفسنا.

أجل، هناكَ من يُقدّم قصصا عربية، تحترِمُ محتواها، ولا تحاوِل بشكل من الأشكال تغريبَ نفسِها والتلبّس بزبالات الثقافات الأخرى بمختلف الدعاوى، لكِن إذا ما قورِنت أعدادها بكَمّ الروايات التي سبق ذكرُها تجِده ضئيلا جدا.

وهنا نُذكّر الكتّاب بما نصحناهم في الفصل السابِق، ونزيد توجيههم إلى أنّ الناس اليوم يحتاجون إلى بناء تصوّرات تغرِزُ فيهم حُبّ ثقافتهم، لا النفور منها، وتُحيِي داخِلَهم انتماءهم، لا التغريب عنها، فيعمَلُون بذلك على تحويلِ هذه التصورات إلى واقِع معاشٍ بإذن الله.

وواجبٌ التنبِيه إلى أنّ الروايات قد لا تكون بحد ذاتها مادّة فعالَة في بناء "العمل" لكِن لا شكّ لها دورٌ فتّاك في بلورة التصورات، وأعتبِرها شخصيا منفَذا شديد الخطورة إلى اللا وعي، بمَا قد يحقِنُ في الأذهان صورًا تعلَق معه وتبنِي له قناعات وأفكار قد لا يلاحِظ مداخلها عليه أبدا، ومعرفة هذا، سيعينُ بإذن الله على فهمِ سبب نشرِي لهذين الفصل، وأهمية التأكيد على نقدِ هذا الصنف من الروايات.

والله المستعان وعليه التكلان.

✨️

ملاحظة: التشديدُ في مسألة عدم تقليد الغرب والثقافات الأخرى قد يوهِم البعض بأنّنا نُغلِق الباب عليها كاملا، وهذا ما لن أناقِشه، فكُل امرئ وله رأي بهذه المسألة، لكِن حديثي هنا ليسَ عن مجمَل الثقافة: بل وصفت مقصدِي منها بشكل صريح وهو: "زبالات الثقافات الأخرى" وبعبارة أخرى؛ كل ما لا يتقبّله ديننا وثقافتنا.

فلا يخفى على أحدٍ أن ما نأخذه من الثقافات الأخرى ليسَ ما نسمو به، من علومهم وما يُثمِر ثمَرة طيّبة، بل ننقُل منهم وبكُل غباء ما يزيدُ طيننا بلّة، ونتوحّل في الفساد بمُختلفِ صنوفِه.

ألا أريكَ نجمًا؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن