| 7 |

11 1 1
                                    

الروايات محضُ خيال.

دعوَى باطلة يتناولُها بعضُ الجُهال من الكتاب والقراء، فتجدُهم إذا ما نصحتهم بعدَم كتابة بعض الأمور أو قراءتها يقفِزُ لك بهذا الادعاء الجاهل، مبَرّرا به ما تكسبه جوارحه، ومتهرّبا من مسؤوليته؛ عن القلم إذا كان كاتبا، وعن الترويج لهذا القلم ودعمه إذا كان قارئا.

وهذا الكاتب بنفسِه يأتِيك بعد حين ليقُول أنّ الشخصية التي كتبتُ عنها في روايتي هذه ألهمتنِي لأفعل كذا وكذا، وأن بنائي للشخصية الفلانِية في تلك الرواية جعلنِي أنظُر إلى العالم بطريقة جديدة وغيرها من الاعترافات التي لا بد وأنكم سمعتم بعضها من مختلف الكتاب، بينما قد يستأثر كثيرون بتأثير كتاباتهم عليهم لأنفسهم أو يفصحون عنه لأشخاص مقربين.

وهذا القارئ يعترِف بين كل ثانية وأخرى أنه دخل اكتئابا بسبب هذه الرواية وتلك، وأن هذه الرواية جعلته يكره هذا الصنف من البشر، وأنه لم يكن يعلم بوجود هذا النوع من الأشخاص في الواقع لكن الرواية الفلانية فتحت له المجال ليكتشف أنهم موجودون بالفعل، وقد كانوا في حياته دون أن يدرِكهم، وأنّ مزاجه تغيّر بحدَث معيّن في رواية، وأن أُفُقه بشأن زوجه المستقبلي توسّع... إلخ إلخ.

على اختلاف الاعترافات، ومدى صحّتها، ومدى كونِها نتائج إيجابية أو سلبية، فالأمر في النهاية يُثبِت أنّ الروايات ليست محضَ خيال، ولا يُمكِن لشيء له كل هذه النتائج أن يكون بلا تأثير!

وكما ذكرتُ في الفصل السابق، قد لا تكون الروايات مادة فعالة لبناء "العمل" أو القيام بتغيير واقعي ملموس بالضرورة، لكِنّها مادّة جد خطيرة في بناء التصورات.

وإذا توقّفنا عندَ الخيال بحدّ ذاته، سنجِد أنه عنصُر نستخدِمُه حتّى في حياتنا اليومية، فتصوّر الأشياء وتخيّلها في الذهن هو أمر ضروري يسبِق القيام بالفعل والعمل!

وصحيح أنّ خيال الرواية مبالَغ به، وكثيرا ما يكون مناقضا للواقع، إلا أننا لا بدّ قد نستخلِص منه تشبيهات من الواقع، وفي النهاية، الراوِي لن يخترِع نوعية علاقات جديدة، ولا مشاعِر جديدة، فحتى لو تحدّث في قصّته عن كائنات فضائية سيدمِجُ فيها بشريته، وستجِدُ فيها مألوفات متعدّدة من واقعك.

وما يعنينا من هذا كُلّه أن الروايات مادّة مؤثّرة، تؤَثّر في الكاتب وفي القارئ على حدّ سواء، وإدراكُك لهذه المسألة يجِب أن تترتب عليه عدّة أمور:

إن كنتُ كاتبا أن تُدرِك أن كُلّ ما يصدُر منك مسؤولية، وأنّ قلَمك له قوّة وتأثير، وأنّك مثلما يُمكِنك البناء يُمكِنُك الهدم أيضا، وأنّك قد تكون لبنة أو درجَة توصِل قراءَك -بل المجتمع بأكمله- إلى مفاسِد جمّة، وغير ذلك...

وإن كُنتَ قارئا أن تعلَم أنّ لنفسِك عليك حقا بأن لا تُلوّثها، وتختار المحتويات التي لها تأثير عليكَ بحكمة، وأن حياتَك قصيرة وتضييعُها في قراءة روايات لا مغزى منها ولا معنى، بل وحتى لو افترضنا أن لها فائدة كبيرة لكنّك تضيّع فيها ساعات وساعات كل يوم، فيه تفريط كبيرٌ تجاه نفسك، وستعُضّ أصابعك عاجلا أو آجلا ندما عليها، وأنّ عقلك وتصوراتك هي وقود مهم لإصلاح حياتك، وهدمُك لهما أو تشويههما مما قد يودِي بك إلى الهلاك أو في أبسط الأحوال إلى الفشل.

وبهذا أذكّركم ونفسي بعدَم الاستخفاف بدقائق وصغائر الأمور، فكُل صغير يتراكَم يُصبِح كبيرا.

✨️

ألا أريكَ نجمًا؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن