تلفت حولي حينما افقت، فرأيت عزيزة تنظر إلى بترقب ومن خلفها حنفي يراقبني عن بعد بنظرته الجامدة. وحينما حاولت التحرك، لاحظت أن هناك من يحملني بين يديه، نظرت لأتبين وجهه، فوجدتها امرأة، شعرت أن وجهها مألوفا بالنسبة لي.مسحت على رأسي، وهي تقول وكأنها تحادث طفلا صغيرا:- "ايه يا حلوة عاملة ايه؟ شكلك كويسة الحمد لله وربنا ستر"
أخذت تربت على رأسي عدة مرات، ثم أنزلتني على الأرض، وهي تقول:
- "خليكم هنا أنتم التلاتة، أنا جاية لكم حالا"
اختفت من أمامنا داخل عمارة مجاورة، وأخذت أحاول تذكر أين رأيتها من قبل، حتى لمحتها تخرج بعد قليل من باب العمارة وهي تحمل أطباقا بين يديها، وحينها تذكرتها، هي التي كنت أراها في شارعنا، وكثيرا ما كانت تسبقني في إطعام قطط الشوارع، تذكرت ابتسامتها العذبة التي كلما كنت أراها كنت أشعر أن الدنيا مازالت بخير.
اقتربت منا ثم وضعت أمامنا طبقا كبيرا يحوي طعاما كثيرا يكفينا ويزيد، وطبقا آخر يحوي بعض من الماء، وظلت واقفة لتتأكد من تناولنا الطعام.جرت عزيزة على الطعام، واقترب حنفي بحذر منه، أما أنا فترددت قليلا من فكرة مشاركتهما الطعام من طبق واحد، ولكن نظرا لاقترابي من الإصابة بالمجاعة، لم أجد بدا من أن أنضم إليهما، وانقضضت على الطعام دون حتى أن أفكر في ماهيته، لآكل بكل نهم وأشبع جوعي.
راقبتنا السيدة قليلا وعلى وجهها نفس الابتسامة العذبة، ثم تركتنا وانصرفت حينما اطمأنت أننا نأكل دون مشاكل.
أنهى حنفي وعزيزة طعامهما ووقفا يراقباني وأنا مستمرة في تناول الطعام دون توقف، ورفعت رأسي حينما انتهيت من الطعام أنا الأخرى، لأجدهما ينظران إلي بتعجب من نهمي الشديد، فقلت باحراج:- "معلش أصلي بقالي كتير ما كلتش"
توجهت بعدها للماء، وشربت حتى ارتويت، وتنهدت والامتنان يغمرني، فلم أكن أحلم بمثل هذه الوليمة العظيمة!
التفتت لحنفي، وقررت أن استغل الفرصة في تحسين علاقتي به، فاقتربت منه وقلت له باهتمام:- "على فكرة أنا من زمان كان نفسي نبقى صحاب، بس أنت ماكنتش بتحب ده، أتمنى نكون صحاب"
ظل ينظر إلي دون تعبير ولم يجب، وطال صمته وأنا أنتظر أي رد فعل منه، فقالت عزيزة محاولة كسر حاجز الصمت:
- "أنا عايزة اروح اشوف ميمي، ولدت امبارح وعايزة ابارك لها، هاتيجوا معايا؟"
لم تنتظر ردنا، وبدأت بالتحرك بالفعل، ومشيت خلفها، ولكن حنفي ظل واقفا بلا حراك يراقبنا حتى ابتعدنا قليلا، وحينما التفتت لأتفقده، وجدته التفت هو الآخر ومشى في عكس اتجاهنا، وتابعته حتى اختفى عن ناظري، ولكن حينما عدت لاتابع طريقي مع عزيزة، وجدتها قد اختفت هي الأخرى!
بحثت بناظري في كل الاتجاهات، ولكن لم أجد لها أثرا!جريت هنا وهناك، ولكن لم تجدي أي من محاولاتي في العثور عليها.مشيت وأنا أشعر بخيبة أمل كبيرة، فقد عدت وحيدة من جديد، دون وجهة أذهب إليها.وقفت أفكر قليلا، ثم بدأت في أخذ طريقي لعمارتنا، فلا أعلم مكان سواها، وفكرت أن أجلس بجوارها، فعلى الأقل ستعطيني احساسا بالأمان الزائف لقربي من بيتي وأهلي.
اقتربت من العمارة بحذر، فقد كنت أخشى أن تراني (طنط فايزة)، وجلست على مسافة منها على الرصيف المقابل.
نظرت نحو شرفة منزلنا، فلاحظت أن أمي تقف بها ويبدو الحزن والترقب على وجهها وهي تنظر مد بصرها لآخر الشارع، وكأنها تنتظر أحدا من بعيد.لا أعرف كم مر من الوقت، ولكن عم الظلام الشارع، وتركت أمي الشرفة ودخلت وأنا مازلت على الرصيف، أهز ذيلي مللا.بدأت أشعر بالبرد والتعب، وقررت الاستسلام للنوم، وأغمضت عيني لأرتاح، ولكن لم تمر ثوان، حتى شعرت بشئ يمشي قرب وجهي. لم أقو على فتح عيني بشكل كامل، فقد كنت أشعر بالإرهاق الشديد، ونظرت بعينين نصف مفتوحتين لأتبين ما يتحرك أمامي، فصدمت مما رأيت، واتسعت عيناي على آخرهما، وفجأة عادت إلي كل طاقتي، وأخذت ذيلي في أسناني لأهرب من ذلك البرص الذي يبدو أنه لم يكن منتبها لوجودي، ولكن حينما أدرك هذا، أراد الهروب هو الآخر، فخاف كل منا من الثاني، وأصبح كل واحد فينا يجري في اتجاه عكس الآخر!جريت نحو عمارتنا، وقد اتخذت قرارا دون تفكير طويل، قررت أن أجازف وأمضي الليلة أمام شقتنا، فحسب تخيلي أن (طنط فايزة) في الأغلب قد عادت من عملها، وفي الأغلب لن تخرج مرة ثانية، أو هكذا أتمنى، فعلى الأقل أبقى هناك حتى الصباح، فلن أجد مكانا أكثر أمنا من هذا.أهم شئ أن أجد وسيلة لأصحو قبل أن تكتشف وجودي قبل الصباح، ولا أعرف كيف سأفعل هذا، ولكن لا يهم هذا الآن، فأنا متعبة جدا، ولا يمكنني فتح عيني أكثر من هذا، سأفكر في هذا الأمر بعد قليل.
أنت تقرأ
قطقوطة
Fantasíaقبل أيام قليلة من زواجها، تستيقظ هند ذات صباح لتكتشف بدهشة أنها انتقلت إلى عالم القطط! باتت واحدة منهن وتتحرك وتتكلم كالقطط. في ذعر وحيرة مما حدث لها، تحاول هند فهم سبب هذا التحول الغريب قبل انطلاق موسم التزاوج بين القطط. فهل ستستطيع العودة إلى بشري...