خرجت هواجس من الغرفة ثم عادت تحمل بين يديها صينية بها إناءً يحوي بداخله أرز أبيض وفوقه قطعة لحم مشوية، وآخر به بعض الحساء وبجانبهما كان هناك رغيف من الخبز.
" ماذا تنتظرين؟" سألت تقرب الحساء مني لأبتسم لها. " هيا تناولي الطعام لتستطيعِ الوقوف على قدميك والعودة لوالدك، هيا يا ابنتي." قال لأتناول رغيف الخبر وأبدأ بتناول الطعام.
وأثناء تناولي للطعام أخذت أفكر بوالدي والربان، وسراب، ترى هل وجدوها؟ كيف حالها؟ وما الذي حصل في المدينة خلال سباتي؟ يبدو أنني فوّتُ الكثير بغفوتي الطويلة إن صح تسميتها بهذا الاسم!
لقد نمت كما ينام الدببة في للسبات الشتوي!
أنهيت طعامي وطلبت من هواجس أن تحضر لي بعض الماء لأستحم، وبالفعل أخبرت آرون الذي هو الآخر لم يعلق بل ذهب وأحضر لي الماء من النهر على ما أظن وأنا استحمتت أبعد هذه القذارة التي ظلت عالقة لأسابيع.
وأحضرت لي هواجس فستاناً قالت أنها اقترضته من أحدى الفتيات اللواتي يسكن هنا في سهول عاشيب، وبالفعل بعد أن ارتديت هذا الفستان جلست مع هواجس التي بدأت تروي لي قصة هذه السهول التي سميت بهذا الاسم الغريب.
"منذ زمن بعيد، كانت هذه السهول عبارة عن صحراء قاحلة لا ينمو بها الزرع، وحتى الزرع الذي يظهر كان يموت بعد عدة أيام بسبب هذه الأرض القاحلة.
انتشرت الأقاويل أن ههذ الأرض مسحورة، لهذا لا ينمو بها الزرع على عكس جميع الأراضي في آراتيا بأكملها، حتى جاء زمان قرر فيه أحد الشبان أن يكون متهوراً ويتحدى جميع الصعاب لأجل المغامرة.
كان شاباً قوياً، شجاعاً، ويحب المغامرة، روحه متعلقة بين حدي سيف، لا يخاف من شيء أبداً.
لذلك فقد قرر دخول هذه الأرض القاحلة، كان هذا الشاب مثل كل الشباب في آراتيا الشرقية، مزارعاً يزرع ويعلم تماماً طبيعة الأراضي الزراعية وكيفية التعامل معها، وما النباتات التي تتلائم معها، كل ذلك، حتى نوع السماء ومدة تعرضها للشمس والكمية التي يجب أن يتم سقايتها بها من الماء.
معلومات يجب على كل شاب أن يعرفها من آراتيا الشرقية.
دخل الأراضي وتفحص ترتبها، ليكتشف أنها تكتسب لوناً ذهبياً بسبب وقوعها وراء الجبال الذهبية ليس إلا، لذلك فقد عاد لمنزل وحمل فوق حصانه الكثير من أنواع البذور التي تصلح للزارعة في هذه الأرض، استثمرها بطريقة تناسبها.
بنى له بيتاً في وسط هذه الصحراء، وحفر بئراً حتى يستطيع أن يسقي الأراضي الزراعية بها، حتى إن هذه البئر لا تزال موجودة ليومنا خذا وتسمى ببئر عاشيب، كاسم السهول بالضبط.
الناس بدأوا يخافون منه، خصوصاً لكثرة جلوسه في منزله الصغيرة بدون أحد، كان لا يخرج إلا للمجيء للقرية لإجل شراء البذور أو السماد.
بعد مدة طويلة، مع الكثير من التجارب على جميع أنواع البذور حتى تتأقلم مع هذه التربة، أنتج هذه السهول التي تمتد من بداية الجبال الذهبية وحتى نهايتها، كان ما فعله أشبه بالمعجزة، ولكن توفيق الإله له ثم ثقته بنفسه وأفعاله أنتجت لنا هذه السهول البديعة التي سميت بأسمه...
عاشيب." أخذت نفساً عميقاً ترتشف القليل من الماء بعد انتهائها من حديثها،وأريد الضحك فكل الجدات لديهن الكثير من القصص والأحاديث التاريخية.
" هذا مبهر." همست بما فكرت به بالفعل، فأن يجول الصحراء لأرض زراعية خصبة ليس بالأمر الهين.
" أعلم هذا كان مبهراً للغاية، تناقلت الأجيال قصته الرائعة، وكيف أنه وثق بأن كل شيء قابل للحدوث، وأن الأحلام تتحقق وليس هذا مجرد كلام لا معنى له." قالت بابتسامة بدت لي جميلة، على الرغم من فقدانها لبعض أسنانها، إلا أن العجائز يظلون هم الأجمل بكل تأكيد.
" أجل يا خالة، الأحلام تصبح حقيقة." قلت لتضحك وتقف وهي تحمل بين يديها الصينية تستأذن مني وتخرج لأعود للاستلقاء، على الرغم من أنني قد نمت لأسابيع إلا أنني أشعر أنني دهست بواسطة سيارة من شدة تعبي.
طرق الباب لأستقيم بجلستي مجدداً.
" تفضل بالدخول." علمت أنه آرون لأن هواجس تدخل بدون طرق.
" أعتذر لإزعاجك، كيف جالك الآن هل تحسنت صحتك الآن؟" سألني لابتسم.
" لا يوجد إزعاج، بل أنا هي مصدر الإزعاج هنا، فلقد سرقت بيتك وسريرك وحتى الحالة هواجس منك." قلت ليضحك وهو يجلس على ذاك الكرسي، ذاته الذي استقيظت لأجده يجلس عليه منذ عدة ساعات.
" و أجل أنا بخير للغاية، وهذا بفضلك، شكراً لإنقاذي حقاً." قلت له ليبتسم الآخر ابتسامة جذابة.
" لا داعِ للشكر آنستي، لم أفعل إلا واجبي." قال و انتشر الصمت في الغرفة لأنظر لأصابعي التي أشبكها مع بعضها فوق اللحاف حيث كنت أغطي جسدي به، هذا مخجل أن أظل هكذا مستلقية في السرير.
" هل أنت جاهزة كفاية للخروج اليوم؟ فأنت متعبة والجهد الزائد قد يؤثر عليك آنستي، يمكنك البقاء في ضيافتي يوماً آخر حتى تستقر حالتك." قال لأنظر له على الفور.
" شكراً لك، لكنني حقاً بخير، وكل ما أحتاجه الآن هو العودة لرؤية والدي، والاطمئنان عليه، وطمأنته، فهو بكل تأكيد سيكون قلقاً." قلت ليومئ الآخر برأسه.
" حسناً كما تريدين، بعد ساعات سنذهب، أرجو أن تستعدي جيداً وأن ترتاحي حتى وقتها، وأنا سأخرج في حال احتجتِ لشيء ما فأخبري الخالة هواجس وهي تخبرني لأحضره لك." قال لأومئ له.
" شكراً لك سيد آرون." قلت ليبتسم الآخر ويخرج من الغرفة وأنا تنهدت ارمي برأسي للوسادة أحاول النوم.
____________________
أنت تقرأ
آراتيا.
Fantasy"دوامة!" بالكاد همست، لكنها لم تكن مجرد دوامة. بل إعصاراً مائياً ضخماً يدور في دوامات دائرية كبيرة تسحب كل ما تصل إليه لتبتلعه داخلها. ومرة أخرى قبل أن أتحدث أو افتح فمي، ارتجت السفينة من أسفلنا وسقطتُ على أرضية الباخرة أشعر برأسي قد ارتطم بشيء ما و...