|14| ورقة، ريشة ومحبرة.

196 16 7
                                    

نجمة•

كنا معاً عند النهر أنا وزوجي عبيدة نملأ قدور الماء، بمساعدة من السيد محمود والربان الذين ساعدا على نقلها إلى المنزل الذي لا يبعد عن النهر كثيراً.

" هذه هي سراب." فجأة صرخ الربان مشيراً إلى الجهة الأخرى من النهر.

كانت فتاة جميلة، بعينين سوداوين وبشرة سمراء مع شعر سكن الليل في جنباته، كانت تغسل ملابسها رفقة إمرأة عجوز وتقوم بعصرها وتجفيفها بعد فركها بالصابون.

رفعت رأسها ونظرت باتجاهنا لتتسع عينيها بدهشة، حتى أنها وضعت يدها على فمها تمنع صرخة من الخروج، كان الأمر صعباً، التواصل معها أو الحديث لأن صوت المياه وخريرها في النهر الكبير كان عالياً وقوياً للغاية.

بدأت تحاول أن تشير لهم لأن الأصوات كانت بالكاد مسموعة، بعد دقائق اقترب منا حراس الحدود، والنهر حراس الأمير ندير المسؤول عن الجزء خاصتنا.

" ما الذي تحاولون فعله؟ ابتعدوا من هنا وعودوا إلى منازلكم." قال أحد الحراس وقد حاول الربان أن يعترض إلا أن السيد محمود أمسك بيده وشد عليها.

" حسناً، سنملأ قدورنا ونذهب." قال محمود ليومئ لنا الحارس.

" أنا أراقبكم، لديكم خمس دقائق فقط." قال لأنظر لمحمود الذي أشار لنا بحمل قدورنا المليئة بالمياه والعودة للمنزل وملئ التي لم نكن قد ملأنها قبل قليل.

لماذا هو صامت هكذا؟ وما الذي كانت الفتاة سراب تحاول إيصاله لنا بإشاراتها وحركاتها تلك.

" ما فهمته من إشارات سراب أنها أضاعت الطريق لنا، لقد استخدمت أحد طرق الحديث وهي لغة الصم والبكم في بلادنا، لقد كنت أعرفها منذ زمن.

ما فهمته منها أنها أضاعت الطريق إلينا، ومما يبدو أنها نسيت اتفاقنا حول العودة إلى البوابة حيث وجدت تلك السيدة الطيبة التي ساعدتها وأسكتنها لديها وكانت كل يوم تحاول البحث معها عن طريق لإيجادنا، لكن ما أعاقهم هو ما أعاقنا نفسه.

الحرب بين الأميرين ندير وهدير." قال السيد محمود فور جلوسنا  بعد دخولنا للمنزل ووضع القدور المليئة بالماء جانباً، الأمر محير للغاية بالفعل.

" ماذا عن كلماتها الأخيرة عندما اقترب منا الحراس؟ ما الذي أرادت إيصاله؟" سأل الربان بلهفة.

" لا أعلم لكنها طلبت مني أن تقابلنا غداً قبل شروق الشمس حيث يكون تدفق مياه النهر أخف وأقل قوة، وقد نستطيع عندها سماع أصوات بعضنا البعض." قال بحيرة.

" ما الذي من الممكن أنها تريد قوله؟" قال الربان يضع رأسه بين يديه و ينزله للأسفل بحيرة من أمره للغاية.

" لا أعلم." قال السيد محمود يرفع كتفيه دلالة على عدم فهمه وجهله بالأمر.

" هل ربما تكون قد عرفت طريقة للعودة إلى عالمكم؟" سألتُ لينظروا لي بلهفة.

" يا إلهي أرجو ذلك حقاً." قال الربان.

" بالفعل أرجوك أنها وجدت طريقة، فنحن هنا نقف مكتوفي الأيدي بالفعل." قال السيد محمود،  يبدو أنه تذكر فقده لشهلا وغيابها الذي استمر مدة طويلة للغاية.

مرت دقائق من الصمت الشديد والثقيل علينا.

" لقد وجدتها." صرخ الربان بذلك.

" ما الذي وجدته يا شاهر؟" سأله السيد محمود بلهفة.

" الزجاجات." قال الربان لننظر له بعدم فهم.

" ما الذي تقصده بالزجاجات؟ أرجوك أن توضح لنا مقصدك." قال عبيدة الذي تكلم لأول مرة من دخولنا للمنزل.

" تلك الزجاجات المتوسطة الحجم التي نملأها بالماء للشرب، هي الطريقة التي قد تمكننا من إرسال ما نريد قوله ل سراب عند هدوء تدفق النهر وتوقف هيجانه الشديد و فيضانه، لقد كنا نستخدمها لإرسال الرسائل بين السفن في البحر عندما يكون البحر هادئاً." قال الربان وفكرت أنها حقاً فكرة عظيمة.

" يا إلهي." همست.

" بالفعل إنها فكرة رائعة أيها الربان، كيف لم نفكر بها مسبقاً؟" قال السيد محمود وأومأنا له موافقين، إنه على حق بالفعل.

" نجمة إذا سمحت هلا أحضرتِ لنا ورقة، ريشة ومحبرة حتى نكتب ما نريد إيصاله للفتاة سراب، وزجاجة أيضاً إذا سمحت." قال زوجي عبيدة.

" حسناً." قلت وأنا أقف أذهب لأحضر زجاجة  وأضعها أمامهم ثم أحضر الورقة والمحبرة مع الريشة.

كتب الربان الرسالة والسيد محمود يساعده في كتابتها قبل أن يلفها ثم يضعها في الزجاجة ويلف رأسها بحبل سميك وطويل حتى لا تضبع الزجاجة منا عندما نرميها في النهر.

أرجو حقاً أن ينجح هذا الأمر.

__________________

آراتيا. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن