"قرية الريحان"

125 10 0
                                    


            "البداية"
هبت اولى نسمات الخريف، وتساقطت الأوراق الصفراء على أرصفة الطريق... هاجرت الطيور في دفعات إتجاه الجنوب حيث يوجد الدفئ... قد تحلم بالسفر وخوض مغامرات حول العالم، وأنت تسافر فعلا مع أحبائك في مكانك دون قطع مسافات طويلة، فتدرك هذا بعد إنتهاء المغامرة التي قطعتها لتملأ قلبك حبًا وشغفا بالحياة.

             "تالية"
وصلت لمنزلها المنزوي في آخر الطريق، المطل على حدود قرية "الريحان"، بعد دوام عملها المؤقت، بدلت ثيابها ودلفت الى المطبخ حيث كانت جدتها الخالة" صفية" تعد الفطور، قبلت جبينها وراحت تسكب الماء وعادت الى غرفتها، كانت الغرفة مليئة بالحياة، اللون الاخضر الزمردي يغطي كل أركان الغرفة، مرسوم على الجدران أزهار الريحان التي تشتهر بها قريتها، ونافذة كبيرة تطل على بحيرة "إدكو" الخلابة، ومكتبها المركون في زاوية الغرفة، وتلك الرفوف الكبيرة على الجدران، تصطف عليها كتبها التي عشقتها منذ صغرها، كانت "تالية" مهووسة بالقراءة، ولطالما حلمت بالسفر خارج قرية "الريحان"، وهي الآن تكافح لتحقيق هذا الحلم، وضعت كأس الماء على المكتب، وجلست على كرسيها المريح وبدأت في الكتابة.
_إسمي " تالية حمدي"، أنهيت المرحلة الإعدادية بمعدل مميز، فأنا تلميذة نجيبة، ليس تفاخرا مني، إنما جاء على لسان أساتذتي، بلغت الخامسة عشر من عمري، وغدا سيكون أول يوم لي في الثانوية، على أمل أن أكسر حياتي الروتينية وأبدأ مغامرات أحكيها لأولادي في كبري، أنا أعمل في محل صغير للأعشاب الطبيعية، وهذا عمل مؤقت ريثما أبدأ الدراسة، أعيش في بيت بسيط مع جدتي الحبيبة، فقد تركت عائلتي في قرية "الديجور"، حيث يعيش أبي وأمي وأخوتي الثلاثة،" تالا" و "قاسم" و "غدير"، ستبدأ رحلتي غدا في ثانوية" المجد" في الصف الأول علمي لتبدأ معها حياتي الجديدة.


وضعت قلمها وتنفست الصعداء، وخرجت الى حديقة المنزل، قطفت بعض زهور الريحان وإتجهت الى المطبخ عند جدتها "صفية"، وضعت الزهور في مزهريتها المفضلة التي أهداها لها جدها المتوفي، وملأتها بالماء، وضعت المزهرية في وسط المائدة التي حملت أشهى الأطباق التي أعدتها الجدة، أكملت فطورها وحمدت الله وعادت إلى غرفتها، حيث إستسلمت للنوم، فغدا ينتظرها الكثير في تلك الثانوية الغامظة، التي لطالما سمعت عنها حكايات مرعبة أشعلت حس المغامرة لديها.
إستيقظت باكرا كعادتها، فتحت نافذتها المطلة على البحيرة، شهقت حين رأت ذالك المنظر، رجل يبدو في عز شبابه يمشي على سطح ماء بحيرة "إدكو"!، كان الشاب مفتول العضلات ذو شعر مجعد بني اللون.
لم تستطع التمعن في وجهه فقد اختفى حين سمع شهقتها، اسرعت نحو البحيرة فلم تجد له أثر، قررت أن تخفي الأمر عن جدتها فهي تعلم انها ستمنعها من التحقيق في الأمر، جهزت نفسها لليوم الأول من المدرسة، لبست قميصها الاخضر الزمردي وبنطالها الأزرق السماوي، وعدلت خصلات شعرها الكستنائي، وخرجت مسرعة وهي تضع حقيبتها الجلدية، ألقت السلام على جدتها ودلفت نحو الباب الخارجي للمنزل، كانت الطريق مزدحمة بالطلاب المتوجهين نحو مدارسهم، ورائحة الريحان تخترق أنف العابرين، إلتقت بصديقتها " يمنى" امام محل الزهور، أسرعت إليها وعانقتها طويلا، وقالت بحماس:
_إشتقت إليك أيتها الشقراء.
ردت عليها "يمنى" وهي تمسح دموعها:
_ليس مثلي يا حبيبتي.
كانت "يمنى" صديقة طفولتها، وهي فتاة حساسة جدا، تبكي لأتفه الأسباب، شعرها أشقر ذهبي، وعيناها زرقاوان كالبحر، ذات بشرة بيضاء وخدود متوردة.

رغم هذا تتفوق عليها "تالية" في الجمال، فقد كانت تُعرف بالحسناء بين أهل القرية، وخطفت الانظار في ذلك اليوم أيضا، أغرم بها العديد من الشباب، إلا أنها لم تذق طعم الحب بعد، بل تهوى المغامرة فقط، أحست بشيء غريب يخترق جسدها، حتى هوت على الأرض، مُدت إليها يد رجولية، وبصوت عذب قال لها:
_المعذرة! كنت مسرعا ولم أرك في طريقي.
إتسعت عيناها مما رأته، إنه نفس الشاب الذي رأته صباح اليوم في البحيرة!، نهضت من مكانها متجاهلة يده الممدودة، وقالت بغيض:
_لا عليك، لاكن في المرة القادمة لن أرحمك.
ضحك بسخرية وقال في نفسه:
_يبدو أنها فتاة مسترجلة!.

"سرداب المدرسة"

بعد ساعتين من هذا اللقاء خرجت "تالية" و معها "يمنى" نحو قاعة الرياضة الموجودة شمال الثانوية، كانت "تالية" تتمتع بروح رياضية عالية، وهي أحد لاعبات فريق كرة السلة لقرية "الريحان"، رغم قصر قامتها، إلا أنها كانت من اللاعبات المميزات في الفريق، إنتهت الساعتان مثل سابقاتها، ذهبت "يمنى"الى حبيبها "آسر"، وتركت "تالية"جالسة أمام إحدى الغرف المتواجدة أمام قاعة الرياضة، غاصت في خيالاتها وهي تقرأ روايتها، حتى سمعت صوت صرير باب من تلك الغرفة!، دفعت الباب ودخلت الغرفة بحذر، هناك رأت ضوءا يخرج من الأرض، لا بل هو يصدر من باب أسفل الأرض!، إتجهت إليها وفتحتها بحذر، فأصدرت صريرا مزعجا، ليظهر لها أسفل قدميها سلالم عمودية مؤدية الى الأرض، يبدو انها تأخذ عابرها الى قبو او سرداب ربما!، إبتسمت لسخف ما جال في رأسها، فقد تخيلته سردابا يؤدي لعالم آخر، فهي تعلم أن تلك السراديب من وحي الخيال!.
نزلت عبر السلم والضوء لا يزال يسطع، تقدمت نحو مصدر الضوء، رفعت كفيها لتحمي عينيها من شدة ذلك الضوء الساطع كالشمس الملتهبة في الفضاء، شعرت بيد تجذبها من خصرها نحو ذلك الضوء المنبثق، وبعد دوران عنيف حول نفسها، وارتفاع قدميها عن سطح الأرض، ولا تزال تشعر باليد ممسكةلخصرها، حتى فتحت عينيها العسليتين، لتجد نفسها في غابة كثيفة الأشجار، لا يوجد شيء سوى الخضرة، أخضر، أخضر، أخضر...

مهلا! يبدو أنها لمحت وجهه! نعم إنه هو! ذلك الشاب الذي لا تزال لا تعرف إسمه بعد، بعد ثواني من الاندهاش، قاطع ذهولها وهو يقول:
_ألم أقل أننا سنلتقي كثيرا بعد اليوم!.

"طرقات الحُبّ" | Ways of the love حيث تعيش القصص. اكتشف الآن