"نيفرلاند"

21 6 0
                                    


            "سفح الجبل"           
كانت الوجهة التالية "نيفرلاند"، حيث تطفوا فوق السحاب، كانت "تالية" تسرع في مشيتها، ومن خلفها "أيهم"، وهو يحاول تبرير فعلته، وهي ترطم الأرض بقدميها بغضب، إنزلقت من سفح الجبل، صرخ "أيهم" بأعلى صوتة وهو يخرّ جالسا على ركبتيه ويقول:
_"تااالية"!.
_أنا هنا أيها الغبي، إرفعني قبل أن تصرخ مرة أخرى، ستمزق طبولي السمعية، بسرعة.
ضحك بهستيرية وهو يرفعها، ثم قال:
_ما رأيك لو تركتك هناك بعض الوقت.
_لكنت سحبتك معي إلى الجحيم.
_حتى أنا ما كنت لأفعل ذلك أيتها الحمقاء.
_كيف تنعتني بالحمقاء!، أيها الأخمص الساذج.
_ألم تناديني من قبل بالغبي!، لقد أخذت بثاري منك يا صغيرتي.
_يالك من نسخ وقح، ابتعد عني وإلا دفشتك من هنا، اللعنة على الساعة التي إلتقيتك بها.
_أظن أن علي أن أخاف منكِ الآن!.
تركها لبعض الوقت تمشي وحدها، حتى هدأت وخففت من سرعتها، لحق بها حتى أصبحا في مسارين متوازيين، أطبق الصمت عليهما لساعات حتى وصلا إلى أرض مسطحة، خالية من الأشجار و الاعشاب، حتى من الكائنات الحية، كانت الشمس على وشك الغروب، أشعل النار وجلس يستمد الدفء منها، جلست "تالية" بالقرب منه وهي تشعر بالنعاس، سقط رأسها على كتفه ففتحت عينيها بسرعة ورفعت رأسها، ثم نظرت إليه وهو يبتسم، قالت :
_آسفة!.
_لا عليك.
بعد صمت لدقائق قال لها وهو يفرك شعره المجعد:
_أتعلمين!.
_ماذا!.
_هذا الرجل... الجالس أمامك... معجب بك.
قالها بصوت متقطع، ثم ردت عليه:
_كفّ عن الهذيان، أصبح مزاحك ثقيلا أكثر.
_أنا لا أمزح هذه المرة.
طأطأ رأسه بخجل، فكر أنه أخطء باعترافه لها بهذه الحقيقة التي يخفيها منذ سنوات، قالت وهي تحدق في السماء :
_أظن أن هذه الفتاة التي بجانبك معجبة بك أيضا.
_أ حقا!.
_أجل ، فرغم مزاحك الثقيل فأنت تبدوا لها رجلا شجاعاً و وسيماً، ولا تنسى أنك أنقذت حياتها مرتين.
_اوه، أجل! أنا حقا كذلك، وأنتِ... أقصد هي... أيضا جميلة... لا بل فاتنة و ساحرة بجمالها خاصة عينيها.
قال هذا و هو يحدق في عينيها، عادت تتأمل السماء وقد لاح شبح إبتسامة على وجهها الجميل، لقد كانت تحبه حقا، منذ دلفت ذاك السرداب وجذبها معه إلى هنا، ران عليهما صمت مطبق حتى ظهر البدر شبهَ مكتمل، ولاح إلى بصرھا شيء غريب!.

               "رياح البدر"            
نعم!، لقد كانت مجموعة من الخيول المجنحة، تحلق في السماء إلى أن وصلت إليهم، كتمت شهقتها وهي تقول:
_یونیکورن!.
_إنه إسم جميل، لكني أفضل أن أدعوها "رياح البدر"، فهي سريعة كالرياح، وتظهر مع طلوع البدر فقط.

تعجبت "تالية" وبدأت تحدق بين هذا وذاك، كان الذي نطق الكلمات الأخيرة نسخة طبق الأصل ل "أيهم" مد يده ليصافحها ، فهمس له "أيهم" وهو يقول بلهجة تحذير:
_أبعد يدك يا أخي، وإلا قطعتها.
ثم وضع يده على كتفه وقال ل "تالية":
_أعرفك بهذا الشهم، أخي" أشهم".
_هل أنتما توأمان!.
_أجل.
_غريب!.
_وما الغريب في ذلك!.
_ظننت التوأم متشابهين في كل شيء، لكن أنتما لا تتشابهان في الأخلاق ، فأخوك محترم و لبق ليس مثلك بتاتا، يا "أيهم".
إشتعل "أيهم" غيضا، فأمسك "أشهم" ضحكته، ركب كل منهما جواده المجنح وإنطلقوا جميعا نحو "نيفرلاند"، و عند وصولهم إلى المملكة حطت "رياح البدر" على ساحة واسعة، إحتشد الناس يتحون قائدهم الأعلى "أيهم"، وهو يبادلهم التحية، بعد ذلك إتجه كل من "تالية" و"أيهم" الى العيادة الطبية، فيما ذهب "أشهم" لیکمل عمله، إستغربت "تالية" من نشاط الناس رغم الساعة المتأخرة من الليل، إنها مدينة لا تنام، كانت المدينة بيضاء تحيطها الغيوم من كل حدب و صوب... حتى المباني، فقد كانت محاطة بالغيوم كأنها مبنية بها!، وصلا إلى العيادة حيث كانت السيدة "نسلیهان" تنتظر ابنها بفارغ الصبر.

ضمته إلى صدرها بحنان وطبعت الكثير من القبلات على وجهه ، فقد غمر الشوق قلبها، فبُعد المسافة بين الأم وإبنها قاتل لا محالة، إستقبلتهم في عيادتها وراحت تداوي الجروح على صدره ويده، كانت جروحاً عميقة، سببتها تلك الساحرة الشمطاء بأضافرها الطويلة، بعد إنتهائها إلتفتت إلى "تالية" و قالت بصوت حنون ذکرها بصوت جدتھا :
_أنتِ "تالية" على ما أظن، أليس كذلك!.
_نعم!، كيف عرفتي إسمي!.
_لقد أخبرني عنك "أيهم" الكثير.
ونظرت إلى ابنها وهو يطلب منها السكوت كي لا تفضح أمره، فقد كان يُمضي وقتا طويل وهو يراقبها في منزلها بالقرب من بحيرة "إدكو"، بعد منتصف الليل إتجه ثلاثتهم نحو البيت، كان بیتا جمیلا علی بساطته، يتوسط المدينة الجميلة، لقد باتت تعرف لماذا يحب "أيهم" هذه المدينة الساحرة، دلفت السيدة "نسليهان" إلى المطبخ لتعد عشاءا مميزًا لإبنها و"تالية"، فيما جلست ھي مع إبن أخيه"أشهم".

وراحت تحاوره ببرائة:
_ما إسمك أيها الصغير اللطيف.
_اسمي "أوموت "، وانتِ!.
_أنا اسمي "تالية"، أظن أن إسمك يعنى الأمل أليس كذلك!.
_نعم يا " تالية"، ماذا عنك.
_أظن أنه التالية للقرآن بصوت مرتفع أو القارئة.
_معناہ جمیل جدّا، أ أنت خطيبة عمي!.
نظرت إلى "أيهم" وهو يضحك، ثم ردت عليه:
_ماذا! لا، نحن صدیقین فقط.
وراحت تساعد السيدة "نسليهان" في المطبخ، فيما راح "أيهم" يهمس في أذن "أوموت ":
_ستصبح خطيبة عمك عما قريب.
إجتمعت العائلة جميعها على طاولة العشاء، فيما في ذلك السيدة" نسليهان" و إبنيها، و زوجة إبنها "ليونونز" وإبنها "أوموت".

إضافة إلى "تالية"، التي جلست بالقرب من "أيهم" بإحتشام، بعد إنتهائهم إتجه كل منهم للنوم، بينما نامت "تالية" مع "أوموت".

" النفق "
بعد حوالي نصف ساعة، تسلل "أيهم" الى غرفة "أوموت"، وهمس في أذن "تالية":
_إنهضي أيها الكسولة، يجب أن نتحرك الآن. أجابته وهي تفرك عينيها:
_ماذا نفعل في هذا الليل ،أتركني أنام.
_هيا أسرعي فهناك من يريد سرقة التميمة. نهضت بسرعة وحملت حقيبتها وخرجت بهدوء کي لا يستيقظ "أوموت" من نومه، إتجها إلى إحدى التلال المشكلة من الغيوم، وبعد وصولهما وجدا حفرة على سطح التلة فدخلاها ، كان يوجد نفق هناك ، كل شيء أبيض، إنها الغيوم!، وصلا إلى غرفة دائرية، فيما لمح الى بصرهما كرة من الغيوم معلقة في السقف مثل الثرية، تبدو ككرة قدم مستديرة خالية من الدوائر السوداء، أمسك "أيهم" خطافه وهمس قائلا جملته التي يعيدها كلما وجد تميمة من التمائم:
_ها هي ذا.
أمسك الكرة بخطافه وسحبها نحوه، نفض الغيمة عن التميمة، فأصبح كالغبار، كانت التميمة على شکل حصان مجنح، كان أحد أبناء "رياح البدر"، وكانت التميمة مصنوعة من البلور الأبيض الرائع.

كتلك الغيوم التي تحيط المدينة، خرجا من النفق، وخرجا من المدينة بعدما ودّعا عائلة "أيهم" الجميلة.

"طرقات الحُبّ" | Ways of the love حيث تعيش القصص. اكتشف الآن