"الإستجابة"

19 5 0
                                    

"قبل شهرين"
"سيبال"                              
تمرّ الأيام برتابة، لا جديد ولا قديم، بعد كل ما مررت به من خذلان، ها أنا ذا أكمل حياتي، بعد أن ظننت في نفسي أني سأموت قهرا لا محالة، كانت ضربة موجعة على قلبي، فقد تحرش بي الشاب الذي أحببته، أو بالأحرى كنت معجبة به وأردت الغوص في شخصيته، ويا ليتني لم أفعل، في ذاك اليوم البائس، حين ذهبت لشراء بعض الأغراض للبيت، من المحل الذي يقع في نهاية شارعنا، وبينما أنا أختار بعض الخضار لأضعها في سلتي، أغلق فمي بيده و سحبني إلى الداخل، حاول الإعتداء علي وأنا أدافع عن نفسي، وبعد محاولاته البائسة التي دامت طويلا، حملت زجاجة الخمر الفارغة، وضربت بها رأسه، وخرجت مسرعة من هناك، ولم أعد بعد ذالك قط، والآن وبعد مرور شهر من الحادثة، لم أخبر أحدا بما جرى لي، حتى أخي الوحيد الذي أثق به ثقة عمياء، لأني لم أشأ أن أضع شرف عائلتي في الصميم، كتمت كل شيء في قلبي، وها أنا أغرق، وأستمر في الغرق... ، أغرق في بحر الخذلان والخيبات والإنكسار، ولا أدري!، هل سيتصلح كل هذا!، أم سأبقى جريحة الماضي!.
لذلك قررت إعتزال الحب للأبد، فلا أحد يستحق تضحياتي ولا قلبي، سأعيش لنفسي وفقط، ولن أستجيب لنداء الحب، فأنا ورغم أنني أبلغ تسعة عشر سنة، إلا أنني مسؤولة بالقدر الكافي، أعتني بجدي "نافع".

وأخي "إيهاب"، ولا أتذمر على ذلك، بالعكس، فأنا أحب ذلك، فهو يشعرني أني أشبه أمي المرحومة، ليس في ملامحها فقط، بل حتى في تصرفاتها، وأمتلك شجاعة أبي رحمه الله، فلا أخاف أحدا غير الله عز وجل، أملك من الإيمان ما يكفيني لأكمل على الطريق الصحيح، رغم إنكساراتي المتتالية.

أشرقت شمس الصباح، فنهضت و نفضت الأفكار من رأسي، فتحت نافذة غرفتي المطلة على البستان، أنعشت صدري بالهواء النقي ورائحة الأزهار، فلمحت ذاك الأرنب الشقي، وهو يأكل الخسّ المغروس هناك، فأسرعت متجهة إليه، لأجد جدي جالسا هناك.
_صباح الخير يا جدي.
_صباح النور وردتي، لماذا أنتِ متعجلة! خيرا.
_إنه الأرنب من جديد، سأعود فورا.
أسرعت نحوه وأمسكت به أخيرا بعد عدة محاولات فاشلة.
_هاقد أمسكتك أخيرا، الآن أين ستهرب مني.
حملته و وضعته في القم مع الدجاج لينقره، كعقاب له، عدت إلى البيت ودلفت إلى المطبخ لأعد الفطور، جهزت المائدة، ورحت إلى غرفة أخي الكسول، و فتحت نافذة غرفته، ثم أزحت الغطاء عنه.
_هيا إستيقظ أيها الكسول، لقد أعددت الفطور.
_أوه!، أتركيني أنا قليلا.
_حسنا، للأسف ستفوت لقاء "آسي"، فهي قادمة إلى أهلها اليوم، المسكينة ستحزن كثيرا.
إعتدل في جلسته، وقد إتسعت عيناه.
_ماذا!
_نعم كما أخبرتك، هي قادمة اليوم... ، أوه! ألم أقل لك ألا تنزع قميصك قبل النوم، الجوّ بارد ستمرض.
_أخبريني في أي ساعة ستأتي!.
_بعد الظهر تقريبا أيها العاشق، هيا غير ملابسك بسرعة، وتعال إلى المائدة قبل أن تنتهي "العجة".
قام مسرعا يغير ثيابه، فخرجت لأسكب الشاي الأحمر لجدي، خرج "إيهاب" من غرفته، وهو يبدوا وسيما هذا اليوم، كيف لا وحبيبته عائدة من الجيش، لطالما أراد الإنظمام للجيش أيضا، لكني منعته... ، لأنه رجل البيت، وجدي كبير في السن وقد هرم... ، كان أخي شابا طيبا يساعد أهل القرية، ويحبه الجميع هنا، فقد كان يدخل القلب بسرعة، عيناه خضراوتين مثل أبي، شعره بني، وقامته متوسطة، ذو صدر عريض بعض الشيء، يجيد المبارزة بالسيف وركوب الخيل، إلا أنه كسول جدا.

"طرقات الحُبّ" | Ways of the love حيث تعيش القصص. اكتشف الآن