"ألفهايم"

23 6 0
                                    


"قرية البنفسج"
اتجه بعد ان استرد قواه _والحزن قابع علی قلبه_ إلى "ألفهايم" وبدأ يصعد جبالها الشاهقة كانت تشبه إلى حد ما "جبال الهملايا"، إلا أنها محاطة بغيوم بنفسجية كثيفة ، وأخيرا وصل إلى مدينة كانت عبارة عن قرى صغيرة متقاربة بعض الشيء، سار وهو يجر أذيال الخيبة خلفه، لقد شعر بالإختناق ،لقد تعود على قربها منه، صوتها الذي يسكره ، وتلك العينين كان يغرق فيهما كلما نظر إليها بطرف عينه، وصل أخيرا إلى بيت صغير، كانت قبته من القرميد الأحمر، وفيها مدفئة تخرج منها الادخنة نظرا للصقيع هنا، دق الباب وبعد دقائق فتحت الباب فتاة في الثالثة عشر من عمرها.

فور أن رأته عانقته، وقالت بهدوء:
_إشتقت لك كثيرا يا أخي.
_حتى أنا إشتقت إليك يا "نايت".
لاحظت الحزن البادي على وجهه ، فقالت:
_مابك لماذا تبدو حزينا هكذا!
_ لا شيء، فقط فقدت شيئا غالي علی قلبي.
_ما هو هذا الشي ياترى!.
_لقد فقدت "تالية" حبيبة قلبي الصغيرة.
_أوه! يا إلاهي ، كيف حدث هذا!
_سأحكي لك لاحقا، لمذا انت هنا!، ألم يكن عليك أن تكوني مع أمي في "نيفرلاند"!، أم أنك هربتي كالعادة!.
_ لا يا أخي، لقد اشتقت لأبي وأردت أن أراه ، وقد إستأذنت أمي بالطبع.
_حسنا، أدخلي فالجو بارد.
دلفا إلى الصالة، وجلس بالقرب من أبيه الحداد أمام المدفئة، كان السيد " همام " قد فضل الاقامة هنا في "ألفهايم".

فقد كان يحبها ويحتفظ بذكريات طفولته هنا ولقائه بسيدة قلبه "نسليهان"، التي فضلت القطون في "نيفرلاند"، لتمارس مهنتها كطبيبة هناك، فهنا في هذه الجبال لا يوجد الكثير من السكان، إضافة إلى ذلك فهم يتغذون على الأعشاب الطبيعية، مما يقلل إمكانية الأمراض لديهم، بعدما جلسا يحدقان في ألسنة اللهب، كسر السيد "همام" ذاك الصمت، وقال لإبنه وهو يربت على ظهره:
_ما بالك يا بني، تبدو لي مكسورا!.
_لا شيء يا أبتاه، فقط أشعر أن روحي تريد التحرر.
_لماذا يا "أيهم"!، ألست الفتى الذي يعشق الحياة!.
_لقد فقدت قطعة من قلبي يا أبي أنا أختلج. _حسنا، لقد فهمتك، عليك أن تبحث عن قطعة قلبك يا بني، لا تتركها بعيدة عنك لكي لا تلقى حتفك، فنحن أمام من نحب ضعفاء جدا بعدما كان الجميع يخشانا، هذا هو الحب، جميل جدا لكنه توأم الموت يا عزيزي.
_سأفعل یا أبي، سأفعل!
أحضرت "نايت" كوبين من الشاي الساخن لأخيها و أبيها ، وجلست تقرأ كتابها بتمعن، وبعد أن تناولوا العشاء ذهب "أيهم" للنوم، لم يذرف له جفن، فقد كان ينظر للسقف، و يفكر في "تالية "، ياتری این هي!، وهل هي بخير!، أم أن الساحرة أذتها!، لن يرحمها اذا كانت قد فعلت ذالك.
" الخندق"
في الصباح الباكر إستيقظ "أيهم"، وهو لا يزال مكسور الخاطر، قلبه يعتصر من الشوق، خرج لغابة قريبة وجمع الحطب وعاد الى المنزل ودسها في المدفئة لتحترق، كان والده جالسا امامها ويضع بعض الكستناء على تلك المدفئة بينما كانت "نایت" تنتظر حبات الكستناء المقشرة، كان دفء العائلة يملأ المكان ، تمنى لو أن أمه وأخاه هنا، حتى "تالیة"، کان يريد أن يعرفها على عائلته، قرر أن يبحث عن التميمة ، وأيضا عن "تالية "، خرج وهو يودع أخته وأباه، وهو يقول له :
_في امان الله يا ولدي ، لا تنسى وصيتي لك، عليك إيجاد قطعة قلبك مهما كان الثمن غاليا، إسعى جاهدا لحماية أحبائك فهذا السعي يزيد من رابطة الحب بينكم، ويصنع ثقة عمياء لا تكسر، فتصبح أنت الأمان والطمأنينة والملجأ.
خرج من المدينة واتجه إلى قمة الجبل لمح تلك الزهور البفسجية، لطالما استغرب من وجودھا في هذه الجبال، كانت زهور "البنفسج" ذات الرائحة الجميلة، تذكر رائحة "الريحان" العالقة في "تالية"، بدأ يشتاق إليها كثيرا، هذا الشوق الذي سيقتله، وصل إلى القمة، فوجد خندقا فدخله، مشى بضع خطوات، فسمع صوتا غريبا كأنه صوت شجار، أكمل طریقه حین خفت الصوت، وصل الى الصخرة، وبدأ يبحث عن التميمة حتى وجدها، كانت ذات لون بنفسجي مثل الغيوم والأزهار التي كانت تغزو المدينة، صنع من الأمنيست.

كان لونه خلابا حتی شكله، الذي كان تنينين ملتسقين، واحد مقلوب على رأسه، والآخر واقف وجناحيه مفتوحتين ، وضعها في ذلك الخيط فبدت مثل القلادة بأربعة أحجار، أخضر، أزرق، أصفر بالبرتقالي وأخيرا البنفسجي، كانت ألوانها جميلة جدّا، تتلألأ في ظلام الخندق كالنجوم في ظلمة الليل، سمع زمجرة مخلوق ما.

" الساحرة"
خرج من الخندق مسرعا، حتى لاح إلى بصره العجوز وبيدها "تالية"، ولا تزال عيناها بيضاء كالبلور، وهناك كيان أثيري إختفى فور أن صرخ "أيهم" على الساحرة كي تترك "تالية"، نزلت الساحرة إلى الأرض وهجمت عليه بسرعة البرق، جرحت صدره ويديه بأضافرها الطويلة. فأمسك بها من عنقها و غرز الخنجر الذي سلمه له "آصف"، فلم يحدث شيء، شعر بالكيان الأثيري نفسه وهو يخرج تنينا ضخما من فجوة ذات ألوان ساحرة ، ويظهر من داخلها الخندق، أدرك أن الصوت الذي سمعه كان له، وجذب كيان الساحرة بالخنجر ودسه في فم التنين ، فإلتقمه!، غرز الخنجر هذه المرة في قلب التنين وإقتلعه من مكانه، وبدأ بتقطيعه الى قطع صغيرة، اقترب من "تالية" فلم يحدث شيء لعينيها، تذكر تلك الورقة ، فأخرجها من تلك العلبة وحاول قراءتها، لم يستطع قرائتها، فقد كانت أحرفها غريبة، انھا ثلاثة جمل وخمس كلمات و حرفان، كانت طلسما على ما يبدوا، ظهر الكيان الأثيري، وخطف الورقة وبدأ بقراءتها، كانت فتاة جميلة، ربما هي جنية!، عند إنتهائها عاد لون عيني "تالية" العسلي وتوهج صدرها بنور قوي، حين أحس أن تلك الفتاة ستخفي قال لها:
_لماذا أنت تساعديننا!، و من انت!.
_أنا أفعل هذا مع المستكشفين، ولا تخبر أحدا أنك رأيتني و إلا سأقطع عنقك.
إختفت في لمح البصر، فقال مازحا:
_ما قصتي مع المسترجلات هذه الأيام !.
اقترب من تالية حيث كانت مستلقية ، فتح قمصيها قليلا ولمس مصدر النور على صدرها، فتحت "تالية" عينيها ، فوجدته يلمس صدرها، ضربته بصفعة قوية على خده فبقيت علامة ليدها، وقالت:
_أبعد يدك القذرة عني أيها الشّاذ الوقح.
رفع يده وامسك خده، وقال بلهجة مستفزة :
_كان يجب أن تشكريني لا تضربيني، أهذا جزاء سنمار!، بالمناسبة لقد اشتقت إليك كثيرا .
_أغلق فمك وإلا قصصت لسانك أيها الدجاجة .
_بق بق بق بق .
كتمت ضحكتها و راحت وهي تشعر بالضيق والغضب منه، كان تصرفه هذا وقحا بحق .

"طرقات الحُبّ" | Ways of the love حيث تعيش القصص. اكتشف الآن