"الحرب الأخيرة"

15 4 0
                                    


  "بعد عام كامل"
"تالية"                                     
مرّت سنة منذ عدت إلى البيت من "آكروبولس" وأنا لا أفهم شيئا منذ ذاك اليوم، بعد أن وقف ثلاثتنا في تلك الدائرة صدر ضوء ساطع من التمائم، وبعدها وجدت نفسي أمام البحيرة، كان الفجر قد بزغ، و الدّيك يصيح، هرولت إلى منزلنا، دققت الباب ففتحت لي أميّ،  عانقتني بشدة والدموع تنسدل من عينيها، حين دلفت إلى الداخل وجدت الجميع هناك، جدتي و أبي و إخوتي الثلاثة، أقبلت أختي الكبرى "تالا" ونظرت إليّ بصرامة.
_أين كنتِ كل هذه الايام!، ولما لم تردي على إتصالاتي!.
_لن تصدقوا أين كنت، لقد ذهبت إلى عالم آخر عبر تلك العابرة في المدرسة و…
_كُفّي عن الهذيان، أيّ عالم هذا!، انتِ تختلقين القصص، لايزال خيالك واسعا كما كان.
لم يصدقني أحد ذاك اليوم، حتى أبي، ظنوا أن لدي لوثة في عقلي، أجبروني على الذهاب إلى طبيب نفسي، وإلى اليوم يظنون أن كل ماقلته من وحي الخيال، كم كانوا قاسين إتجاهي خاصة ٱختي "تالا"، مازالت تنظر إلي بإشمئزاز، قررت أن لا أتكلم عن الموضوع ثانية، ياليتني بقيت هناك مع" أيهم"، أنا أشتاق إليه كثيرا و  ل "سيبال" و المملكة كلها.
نحن في العطلة الآن،  وأنا أواصل كتابتي الخواطر، فهي تريح روحي المكسورة، حاولت الذهاب إلى السرداب لكنني لم أجد له أثرا، هل حقا كنت أتوهم!، أنا لا أصدق كان كل شيء كأنه حقيقي، حتى الجروح والآلام، ويا ترى أين هو "أيهم"! وماذا يفعل؟!، هل تزوج فتاة اخرى!، أم أنه ينتظر عودتي! ولما لم يبحث عني قط!.
أصبحت وحيدة جدا في هذا العالم، بعد أن لم يصدق أحد ما قلته، شعرت بأن العالم كله ضدي، والأسوء أنه حتى"يمنى" لم تصدقني، في الحقيقة، لم تقلها مباشرة لكنها كانت تنظر إلي بنظرة مشفقة، وبعدها لم أثق بأحد منهم، حتى أنني إعتزلت التجمعات بعد أن إنتقلت عائلتي إلى بيت جدتي، وأجبرت على تقاسم غرفتي مع ٱختي الصغيرة "غدير" ، كنت  أقص لها ما عشته هناك، أظن أنها مع الوقت أصبحت تصدقني، أصبحت تسألني الكثير عن المملكة وما حدث لي، أخبرتني أنها تريد الذهاب إلي "آكروبولس" يوما ما، وأخيرا وجدت من يأمن بما أقوله، رغم أنها طفلة صغيرة.
مرت علي السنة برتابة مطبقة، نجحت في الإمتحانات بصعوبة، بعد أن كنت من المتفوقين، لم أكن في أوج تركيزي، وهذا ما عرقل علي الدراسة، وأنا الآن في السنة الثانية من التعليم الثانوي أدرس الكيمياء، وقد إسترجعت القليل من تركيزي و قدراتي وأنا أعود لمستواي تدريجيا.
في يوم الجمعة من شهر "أيّار"، وبعد غروب الشمس، دقّ الباب و قد شعرت بإحساس غريب، أسرعت لأفتح الباب لكن "تالا" سبقتني، كانت المفاجأة الجميلة على قلبي هناك، لقد عاد… إنه "ايهم" مع عائلته، كان يحمل باقة من الورد في يديه، أسرعت لأسلم على الخالة "نسليهان" و"ليونونز"، لم يأت العم "همام" الذي أخبرني "أيهم" أنه مريض، بينما كان "أوموت" مختبئا خلف أمه، إستقبلهم الجميع برحابة، أخبرتني أمي أنهم جاؤوا لخطبتي، إنه حقا أجمل يوم في حياتي.
أجمل شعور في هذه الحياة، أن تستعيد شيئا عزيزا فقدته منذ زمن، أن تلتقي به بعد أن طال غيابه، تتفحصه بعينيك في شك، هل هذا هو حقا!، أم أنك تتوهم من جديد!،  إختلطت المشاع علي بعد أن رأيته جالسا و يبتسم، دلفت القاعة وأنا أحمل صينية القهوة وأنا أرتجف،  عندما وصلت إليه، وقفت بضع دقائق وأنا أحدق فيه، إقترب من أذني وهمس بهدوء:
_لن أتركك لغيري يا صغيرتي.
خفق قلبي في تلك اللحظة، إشتقت لكلماته الحنونة تلك، ولصوته الدافئ، وإشتقت لكل شيء فيه، بعد حوار خفيف بين عائلتينا، طلبني من أبي أخيرا، وافق بسهولة، فقد أعجبه "أيهم"كثيرا،  تفردنا قليلا معا، كانت مشاعري فيها تتخبط، هل حقا سأكمل حياتي معه!.
_كيف حالكِ يا حبيبة القلب! إشتقت لكِ كثيرا.
_بخير، أنا أيضا إشتقت إليك.
_آسف جدا على تأخري، لكني إضطررت للإنتظار حتى تهدأ الأوضاع في المملكة، وأطلب الإذن من الملك "نيلدشو" لإصطحاب عائلتي معي و…
_ماذا! لما "نيلدشو" هو الملك! ماذا عن "لوفلايس"!.
_لقد توفيت أثناء الحرب.
_كيف حدث هذا!؟.
_ضحت بنفسها لإنقاذ المملكة بعد إقتراب دخول جنود الممالك الأخرى، وتوفيت بعدما تركت وصية الحكم للوزير "نيلدشو".
_وماذا حدث ل"سيبال" و "إياس"، وهل فتحت العابرة!، وعادت الأسود المقدسة!، لما لم أجد السرداب هناك!، وهل إلتقيت ب"طيف"
من جديد! ماذا حدث ل"كريس"، هل لايزال حيا!!!.
_ما كل هذه الأسئلة! سأجيب عن أسئلتك كلها في وقت لاحق! أما عن السرداب فقد أغلق، لكي لا يعود المستكشفون للدخول، فأنتِ تعلمين ما أصاب المملكة بسبب "سامر" رغم أنه ليس من  "لبنان" بل من "اليمن"، وإضطررنا لإبقاء العابرة الوحيدة وهي في بحيرة "إيدكو"، لنستطيع التنقل إلى هنا بسلاسة، وتم إغلاقها من هنا فهي لا تفتح إلا من أرض المملكة.

"طرقات الحُبّ" | Ways of the love حيث تعيش القصص. اكتشف الآن