الفصل السادس و العشرون و الأخير: "زَوجِي سَابِقًا"

415 28 25
                                    

يا طارق الباب رِفقًا حين تطرقهُ
فإنهُ لم يعد في الدارِ أصحاب

تفرقوا في دروبٍ و انتثَروا
كأنهُ لَم يكُن إنسٌ ولا أحبابُ

ارحم يديكَ فما في الدارِ من أحدٍ
لا ترجُ ردًا فأهلُ الودِّ قد راحوا

و لترحم الدار..لا تُوقظ مواجعها
للدورِ روحٌ كما للناسِ أروحٌ

-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-

فتحت عينيها على أحدٍ يربت على كتفها يوقظها، و لم يكن سوى "تيِّم" الذي قال لها:
نيار، قومي روحي غيري هدومك على الأقل و ريحي شوية، انتِ بقالك يومين هنا.

نظرت حولها وجدت أنها غفت على المقعد المجاور لفراش صغيرتها النائمة من شدة التعب، عادت بعينيها له تقول:
بس تالين...

_"متقلقيش أنا هفضل هنا مش هتحرك من جنبها، روحي انتِ بس علشان تعبتي جامد اليومين اللي فاتوا."

الذهاب بعيدًا عن صغيرتها الآن ثقيل على قلبها للغاية، لكنها قررت في نفسها أنها فقط ستبدل ثيابها و تعود سريعًا.

بعد ساعة تقريبًا من قيادة السيارة وجدت نفسها لم تعد للمنزل بل انتهى بها المطاف أمام تلك البناية التي لم يمر بخاطرها أنها سوف تعود لها مجددًا، لكنه قد فاض بها، تبعثر شتاتها، و باتت أصوات أفكارها أعلى من صوتها، أنهكها التفكير، و استنزفت الحيرة طاقتها، و بعدما ظنَّت أن رحلتها في ذلك المكان قد انتهت قبل أعوامٍ، هاهي تعود بقدميها، خلعت نظارتها الشمسية السوداء، و طالعت اللافتة الموضوعة على باب المبنى، تنهيدة ثقيلة خرجت من صدرها، و قد عزمت أمرها، علَّ في ذلك اللقاء دواء لما في جوفها.

وقفت أمام تلك الجالسة على أحد المكاتب قائلة لها:
لو سمحتي ممكن أدخل أشوف الدكتورة؟

_"عندك معاد سابق يا فندم؟"

_"لاء، بس قوليلها في واحدة عايزاكِ ضروري، كانت حالة قديمة".

أومأت لها تلك الفتاة، و دلفت لإحدى الغرف، دقيقتان و عادت للواقفة تخبرها بإنتظار الطبيبة لها، تحركت "نيار" بخطواتٍ مترددة، لكنها عزمت أمرها أنه لا مفر من تلك الدوامة سوى بتلك الجلسة.

دلفت بهدوء، و بمجرد أن وقع نظر تلك الجالسة على المقعد، حتى اعتدلت واقفة و قالت بصوتٍ الصدمة بادية عليه:
نيـار!

تغيرت؟
نعم..كثيرًا، تتذكرها تمامًا، تلك الفتاة التي كانت قد يأست من أصوات رأسها، فقدت الأمل في أن تتخلص من وساوسها، حاولت إنهاء حياتها عدة مرات، و جاء فارسها المغوار إنتشلها مما هي فيه، مما تعانيه، قضى على أي أثر سيء بحياتها، و أعطاها ما كانت تفتقده، تتذكر جيدًا كيف كان حالها قبل لقاء حبيبها، و بعد حصولها عليه، حتى أنها تعافت بشكل أسرع بعد ظهوره بحياتها، و بعد ذلك الكم من الحب و الألفة الذي رأته بين هذين الاثنين، كانت متأكدة أنها لن ترى "نيار" في العيادة مرة أخرى، لكن ها هي أمامها، إنطفأت لمعة عينيها، و اختفى بريقهما، تبدو كأنها كبرت فوق أعوامها أعوامًا أكثر...

 أين أنتِ؟ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن