الفصل العاشر: "أَخَذَهَا بَيْنَ أَحْضَانِهِ"

805 68 6
                                    


بعد ذهاب "نيار" ، تحيَّر "تيِّم" كثيرًا، كيف له أن يتعامل مع تلك الصغيرة، هو لا يفقه أي شئ في التعامل مع الصغار، هناك الكثير من الأصوات داخل رأسه الآن تسأل الكثير من التساؤلات، لكنه اسكتهم جميعًا مقررًا انه سيذهب ليجلس مع الصغيرة، دلف إلى الداخل وجدها تجلس على احدى الأرائك بهدوء و قد استطاعت تغيير محطة التلفاز لواحدة من المحطات التي تعرض الرسوم المتحركة، تأملها قليلًا، الشبه بينها و بين والدتها كبير للغاية، كأنه يرى "نيار" صغيرة تجلس أمامه، الفرق الوحيد هو انفها الصغير الذي يشبه أنفه كثيرًا، فاق على ضحكاتها الطفولية بسبب أحد المشاهد الكوميدية في التلفاز، هناك شئ غريب تحرك بداخله عندما سمع ضحكاتها تلك، لا يعلم بماذا يشعر الآن تحديدًا، كثير من المشاعر تتضارب بداخله، أحقًا هي ابنته؟...لطالما كانت امنيته طوال تلك السنوات الماضية أن يكون لديه طفل، و أن تكون فتاة بالأخص، و تكون والدتها "نيار"، تمنى أن تأتي اللحظة التي يحمل طفلته للمرة الاولى عقب ولادتها مباشرةً، أن يسمع بكائها للمرة الاولى، أن يضمها لصدره و يُكَبِّر بأذنها، أن يتناوب هو و "نيار" على مراعاتها و العناية بها، أن يسهر بها ليلًا حين تتعب زوجته، تمنى من صميم قلبه أن ينعم بتلك اللحظات الدافئة بينهم، أن يغرقهما حبًا، أن يعتني بكلتيهما، لكن ليس كل ما نتمناه نحصل عليه، و يبدو أن كل ما تمناه قد فاته، ها هي فتاته في الخامسة من عمرها الآن، لقد وُلِدت، و عاشت، و كبُرت بعيدًا عن أحضانه، لم يشعر بدموعه التي انسابت واحدة تلو الأخرى على عمرٍ قد مضى، و لحظات لم ينعم بها، و أمنياتٍ تبخرت في الهواء، لاحظت "تالين" دموعه تلك، ركضت نحوه بلهفة بانت في عينيها الصغيرتين، لم تصل إليه لذا أحتضنت ساقه و هي تقول بنبرة حزينة:
بابي انتَ بتعيط ليه؟.. ممكن متعيطش؟..على فكرة لو عيطت انا كمان هعيط.

جلس على ركبتيه ليكون في مستواها، و قد نظر في عينيها بعيونه المليئة بالدموع، وجدها تنظر له نظرة اعتاد أن يراها من "نيار"، نظرة مليئة بالدفئ، مدت اناملها الصغيرة تمسح دموعه، و احتضنته مرة أخرى، بادلها العناق و تشبث بها و كأنه هو من يستمد قوته منها الآن، عانقها بقدر اشتياقه لتلك اللحظة، بقدر اشتياقه لوالدتها، بقدر اشتياقه للدفئ و الحب اللذان حُرِّمَا عليه طوال تلك السنوات، كان بحاجة لذلك العناق و بشدة، خفق قلبه بقوة، يشعر بشئ لم يشعر به من قبل، احساس له لذة مختلفة، يريد لو أن يُبقيها هكذا في أحضانه، لا يعرف كيف و تلك هي المرة الاولى التي يعرف أن لديه ابنة، لكنه شعور الأبوة الفطري، يراها للمرة الأولى و يشعر أنه يعرفها منذ سنين، هي في الأخير ستظل فلذة كبده حتى لو لم يكن يعرف عنها شئ، أنه العناق الأول، و شعور الأبوة الأول، ظلا كلاهما في تلك الحالة لمدة عشر دقائق تقريبًا حتى سمع هو شهقاتها فأبعدها ليرى ما بها، وجدها تبكي و قد أحمر أنفها و عينيها، هذا ما جعله يسألها متلهفًا:
بتعيطي ليه يا حبيبتي؟

 أين أنتِ؟ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن