ليلة باردة

7 0 0
                                    

لم أعتقد أن فترة اقامتي وحيدة في هذا المنزل وهذه المدينة الغريبة عني ستطول لهذه الدرجة.. لقد ظننت أن عائلتي ستلحق بي بعد أسبوعين كأقل تقدير.. لكنها لم تفعل.. واستغرق عمل أبي واجراءات النقل أكثر مما كنت أظن.. بدا الأمر كما لو أني سأستمتع ببعض الأيام الهادئة.. كنت ممتنة لتأخرهم عني.. لأني أردت أن أرتب أفكاري.. وأتقبل الحقائق التي جرت العام الماضي.. ولكن بعد أن تغيرت الأجواء وكلما أصبح الجو أكثر برودة.. كلما زاد شعوري بالوحدة.. كما لو أن الليل والرياح العاصفة تجردانني من كل تلك المشاعر المزيفة التي اعتدت التظاهر بها.. القوة والسعادة.. اللامبالاة.. كلها ذهبت مع الريح.. أشعر بالخوف في كل ليلة حين يتسلل صوت الرياح أسفل الأبواب والنوافذ المغلقة.. حين يتعالى نباح الكلاب.. وعواء الذئاب.. ماالذي قلته ذات مرة.." أعشق هدوء الليل" تبا أنا أرتعد خوفا الآن.. فكرت للحظات أن أتصل بك..! قد يبدو الأمر غريبا ولكني.. لازلت أحتفظ برقم هاتفك.. على الرغم من أني أعرف أن خلف سماعات الهاتف لن أسمع صوتك.. الا أني لا أزال أحتفظ به كما لو أنني أحتفظ بك.. أفتح رسائلك.. تلك الرسالتين الأخيرتين أعيد قرائتهما..! ولكنها لاتزيلان شوقي لك ولا تؤنسانني.. بل تزيدان من وحشة المكان وظلمته.. أرتجف من مكاني.. أرتجف وأنا تحت بطانية صوفية.. أرتجف حتى حين أتذكرك..!!

أحاول أن أقرأ رواية ما ربما تؤنسني شخصياتها الخيالية.. ومن بين كل الروايات اخترت رواية "مرتفعات ويذرينغ" اعتدلت بعد أن كنت مستلقية في فراشي لففت البطانية الصفوية حولي وبدأت أقرأ صفحة بعد صفحة.. لقد جرت أحداثها في أيام باردة مثلجة.. حسنا لقد زاد شعوري بالبرد ولكن أحببت حبهما وبكيت موتها ووحشته حين تركته..! وضعت الكتاب جانبا.. شعرت برغبة عارمة في قراءة المزيد والمزيد.. لم أرد أن تنتهي هذه الرواية أبدا.. أمسكت هاتفي لأبحث عن مؤلفات أخرى للكاتبة ولكنها لم تكتب بعد "مرتفعات ويذرينغ" أبدا لقد توفية بعدها.. اه تنهدت بعد قراءة ذلك المقال.. "اذا أنا لن أجد مثلها أبدا..!" قلت ثم استلقيت مرة أخرى لعلي أنام هذه المرة وأنا أفكر بأحداث الرواية.. لقد نجح الأمر زال الشعور بالوحدة وأصبحت الغرفة مليئة بالشخصيات السيد هيثكلف.. كاثي.. زوجها.. المستأجر.. الخادمة.. بدأ الدفئ يتسلل سريري وحين أثقل النعاس جفنتاي.. رن منبه الهاتف.. السابعة ونصف صباحا.. ولابد لي أن اتجهز للذهاب للجامعة.. أردت أن أتذمر وألعن حظي ولكني لست نادمة على الرواية.. ولا الوقت الذي قضيته مستمتعة بكل حرف فيها..
أتجهز.. أخرج من المنزل.. أغلق الباب باحكام.. لا أمسك مقبض الباب لأتأكد من أنه أغلق تماما.. لأنني أعرف أن المنزل فارغ تقريبا حتى لو أراد شخص ما سرقة المنزل لن يجد سوى طاولة.. مكتب وسرير.. بعض الأواني والثياب.. والكثير من الكتب! ولا شيء أغادر المنزل متجهة نحو محطة الحافلات.. أركب الحافلة المتجهة للجامعة.. وأستغرب.. انها فارغة.. ربما كانت تلك أول مرة أرى فيها حافلة فارغة.. أتردد.. ثم أقرر الجلوس بجانب النافذة أفتحها على الرغم من أن النسيم بارد.. الا أني أردت أن أطرد نعاسي.. لأني كنت شبه نائمة! أميل رأسي نحو النافذة.. أغمض عيني.. أريد أن أغفو للحظات فقط.. سأفتح عيني حين تنطلق الحافلة.. سأكون بعدها قد استيقظت حقا!..
أفتح عيني من جديد لازالت الحافلة متوقفة.. أدرك أني متكئة على كتف ما.. أرفع رأسي.. ثم أراك!

وهمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن