في أحد أيام الخريف الباردة، جلست "إيمي" ذات الثلاثة عشر عاماً وحيدة في غرفة صغيرة بميتم قديم يقع على أطراف المدينة. كانت تتأمل العالم الخارجي من خلال نافذة مغطاة بالغبار، محاولةً الهروب من الكآبة التي تحيط بها من كل جانب. كانت الأشجار تتمايل برفق مع نسيم الخريف، وأوراقها المتساقطة تتراقص في الهواء قبل أن تستقر على الأرض، مما زاد شعور إيمي بالعزلة.بينما كانت غارقة في أفكارها، دخل رجل غامض إلى الغرفة، حاملاً صندوقاً مليئاً بالتبرعات. بدا وكأنه كان يبحث عن شيء معين، وعندما وقع نظره على دبوسٍ مميز يزيّن ملابس إيمي، توقف فجأة. اقترب منها وسأل بلطف: "من أين حصلتِ على هذا الدبوس؟"
رفعت إيمي رأسها ببطء، ونظرت إلى الرجل بعينين مليئتين بالحنين والحزن. "هذا الدبوس كان لوالديّ. رحلا عن عالمنا في عام 1843، وكنت حينها بعمر الثلاث سنوات." قالت بصوت هادئ ومليء بالذكريات المؤلمة.
اندهاش الرجل كان واضحاً، وسألها عن أسماء والديها. أجابت إيمي بفخر مختلط بالحزن: "بيث وإبرك." بدا الرجل مأخوذاً بالكلمات التي سمعها، وشكّك في الأمر للحظة، ثم أخبرها بأنه كان يعرف والديها بل بأنهم لم يتوفو و هي ضاعت ثم اختفت عندما كانت في الثالثه من العمر و لكن سيقوم بالتحقق من صحة ذلك.
شعرت إيمي بمزيج من الأمل والقلق. رغم كل الصعاب والألم الذي عانته، لم تفقد الأمل أبداً في العثور على والديها أو معرفة ما حدث لهما. تلك الشرارة الصغيرة من الأمل كانت تتوهج في قلبها، تدفعها إلى المضي قدماً.
بعد أيام قليلة، كانت إيمي تقف في محطة القطار، تنتظر بلهفة رحلتها إلى "سليندلاند"، المكان الذي قدمه لها الرجل كمفتاح لحل لغز ماضيها. عندما وصل القطار، استقلت إيمي وهي تشعر بمزيج من التوتر والإثارة. جلست بجانب النافذة، تراقب المناظر الطبيعية التي تمر بسرعة، وتفكر في اللقاء المرتقب.
عندما وصل القطار إلى محطة "سليندلاند"، نزلت إيمي وحقائبها الصغيرة معها. كانت المدينة تبدو هادئة وجميلة، ولكنها كانت تعلم أن هناك أسراراً تنتظرها في هذا المكان. استقلت عربة نقلتْها إلى العنوان الذي أعطاه لها الرجل.
عندما وصلت إلى المنزل، وقفت أمام الباب، تتنفس بعمق محاولةً تهدئة دقات قلبها المتسارعة. دقت الباب بقوة، وفي داخلها خليط من الحماس والخوف. فتح الباب رجل يبدو عليه ملامح العطف والاهتمام، ولكنه كان يحمل أيضاً ظلالاً من الحزن.
"طاب صباحك، اسمي إيمي، ويُقال إنك تعرف والدي، بيث وإبرك." قالت إيمي بصوت مرتعش ولكنه مملوء بالشوق والحنين.
تنهد توم بحزن وصدمه فهو لم يتوقع وصولها ، الذي هو صديق لوالديها ، وقال: "تفضلي بالدخول، سأخبرك بكل شيء." دخلت إيمي المنزل وهي تشعر بموجة من الفضول والتوتر تغمرها. كان المكان يعج بالذكريات القديمة، وصور معلقة على الجدران لأشخاص لم تعرفهم ولكنهم بدوا مألوفين بطريقة ما.
جلس توم وإيمي في غرفة المعيشة، وبدأ الحديث. "أنا حقًا متشوقة لرؤية والدي، لقد طننت طوال حياتي اني يتيمه ، ولكن يبدو أنني ضعت و انا صغيره فقط ."
نظر إليها توم بعينين مملوءتين بالحنان، وقال: "نعم، كان والديك متشوقين جدًا لرؤيتك،" لكن صوته كان يحمل شيئًا من الحزن الذي لم تتمكن إيمي من تجاهله.
"كان؟!" صاحت إيمي بقلق. "هل توقفوا عن البحث عني؟ هل فقدوا الأمل وظنوا أنني مت؟"
أطرق توم برأسه وتنهد بعمق قبل أن يجيب، "في الحقيقة، كان والديك يبحثان عنك دائمًا. لقد كانا يؤمنان بأنكِ على قيد الحياة، ولكن... لقد مرت سنوات عديدة."
لم تستطع إيمي تحمل الصمت أكثر من ذلك، فسألت بنبرة مرتجفة: "ماذا حدث لهما؟"
تردد توم للحظة قبل أن يرد، "هذا صحيح انك ضعتي و ولكن بعدها بما يقارب خمس سنوات توفو لكن يمكنك الذهاب إلى منزلهم إذا أردتِ. هذا هو العنوان." مد يده بورقة صغيرة تحمل العنوان، وكأنها مفتاح لأبواب ماضيها المغلق.
أخذت إيمي الورقة بيد مرتجفة، وشعرت بعبء ثقيل ينزاح قليلاً عن صدرها. كانت تعلم أن الطريق أمامها لن يكون سهلاً، ولكنه كان بداية لرحلة جديدة، رحلة للبحث عن الحقيقة وفهم ما حدث لوالديها.
غادرت إيمي منزل توم وهي تشعر بمزيج من الحزن والأمل. كانت تعلم أن الإجابات التي تبحث عنها ربما تكون مؤلمة، ولكنها كانت مستعدة لمواجهة أي شيء في سبيل معرفة الحقيقة. ركبت عربة أخرى واتجهت نحو المنزل المذكور في الورقة، وهي تفكر في كل خطوة ستقوم بها.
عندما وصلت إلى المنزل، شعرت بتيار من الذكريات يعود إليها. كان المنزل يبدو مهجوراً، ولكنه كان يحمل في جدرانه قصصاً من الماضي. اقتربت من الباب ببطء، ويدها ترتجف وهي تفتح الباب. دخلت المنزل وهي تشعر بعبق الزمن يسري في المكان.
كانت الغرف مظلمة ومغبرة، ولكنها كانت تحمل آثار الحياة التي عاشها والداها هنا. في زاوية من غرفة المعيشة، وجدت إيمي صورة قديمة لوالديها وهي طفلة بين ذراعيهما. كانت الصورة مغطاة بالغبار، ولكنها كانت تنبض بالحب الذي كان والداها يشعران به تجاهها.
جلست إيمي على الأرض، وهي تحمل الصورة بين يديها، وبدأت تبكي. كانت دموعها تحمل مزيجاً من الحزن على فقدان والديها، والشوق إلى الأيام التي لم تعرفها، والأمل في المستقبل الذي بدأت ترى بريقه أمامها.
أنت تقرأ
إيمي
Genel Kurguفي ميتم صغير على أطراف المدينة، تعيش "إيمي"، فتاة يتيمة تبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا. في يومٍ خريفي، يصلها خبر انها ليست يتيمه و ان والديها ينتضرنها. يتبع ذلك رحلة مشوقة إلى "سليندلاند"، حيث تقابل "توم"، الرجل الذي يكشف لها المزيد عن والديها متأمل...