كان يومًا خريفيًا هادئًا، والسماء ملبدة بالغيوم الرمادية التي حجبت أشعة الشمس. جلست إيمي في غرفة المعيشة، تتأمل الكتب المصفوفة على الرفوف لكنها لم تشعر بالرغبة في القراءة. لقد كانت قد أنهت أعمالها الزراعية في وقت مبكر من اليوم، لكن لم يكن هناك شيء آخر ليفعل. حاولت أن تشغل نفسها بالحياكة، لكن بعد دقائق قليلة وضعت الأدوات جانبًا بحركة بطيئة.
تجولت إيمي في المنزل، ذهابًا وإيابًا من غرفة إلى أخرى، باحثة عن أي نشاط يخفف من شعورها بالملل. مررت بأصابعها على سطح الطاولة الخشبية في المطبخ، تشاهد الغبار الرقيق يتجمع تحت أناملها.
قررت الخروج قليلاً إلى الحديقة. جلست على العشب الجاف الذي فقد بريقه الصيفي، تحدق في السماء الملبدة بالغيوم الثقيلة. كان الهواء ساكنًا، ولم يكن هناك أصوات سوى همسات الرياح الخفيفة التي تحرك الأوراق الجافة حول قدميها. شعرت أن الوقت يمضي ببطء شديد، حتى أن عقارب الساعة في المنزل بدت وكأنها بالكاد تتحرك.
لقد كان يومًا طويلًا ومملًا بالنسبة لإيمي، حيث لم تجد فيه أي شيء يثير شغفها أو يدفعها للحركة، واكتفت بمراقبة الطبيعة من حولها وهي في حالة سبات بانتظار لحظة النشاط التالية.
بينما كانت إيمي جالسة بجانب النافذه تحدق في الأفق، اقترب توم بوجهه المشرق بعد ظهر اليوم وقال لها: "إيمي، لقد فكرت في شيء قد يخفف عنك هذا الملل. ما رأيك أن تزوري جيراننا، عائلة بلينقيد؟"
رفعت إيمي رأسها وقالت بشيء من التردد: "عائلة بلينقيد؟ لا أعتقد أن السيدة بلينقيد سيروق لها الأمر."
تساءل توم: "لماذا تعتقدين ذلك؟"
ردت إيمي: "حسنًا، لم تبدُ راضية جدًا في آخر مرة قابلتها، كما أنها منعت ابنتها إيفا من التحدث إلي في المدرسة. لا أعرف لماذا، لكن كل ما أعرفه أني لا أروق لها."
نظر توم إليها بعينين متسائلتين، في حين تابعت إيمي بتردد: "في الواقع، لا أعتقد أن السبب يتعلق بي شخصيًا بقدر ما يتعلق بوالديّ. لاحظت أن السيدة مارغريت كانت تتصرف بغرابة عندما طرحت موضوعهما. إيفا أخبرتني عن بعض الشكوك التي تراودها أيضًا، خاصة بعدما استرقت السمع على أحاديث والديها."
ظل توم صامتًا للحظة، ثم قال: "لا اظن عليك الحكم عليها بهذه السرعه، ربما هذه ."
إيمي نظرت إلى الأفق مرة أخرى، بينما فكرة زيارة عائلة بلينقيد ظلت تطفو في ذهنها، مشوبة بشكوك وأسئلة لم تجد لها إجابة بعد.
صعدت إيمي إلى غرفتها مدعية أنها ستنجز بعض الواجبات المدرسية، لكنها في الواقع كانت تعمل بسرية على لوح تحقيق تحاول من خلاله معرفة المتورطين في مقتل والديها. علقت عليه صورًا وقصاصات، وخيوط ملونة تربط الشخصيات والأحداث التي تعتقد أنها ذات صلة.كانت مصممة على إبقاء هذا الأمر مخفيًا عن توم. أخبرت نفسها أنه لا داعي لإثارة قلقه بلا سبب واضح، أو على الأقل هذا ما كانت تقوله.
كان أول اسم على اللوح هو "السيدة بلينقيد"، فقد كانت الشكوك حولها تزداد مع مرور الوقت. بجانب الاسم، أضافت إيمي رسماً من ذاكرتها لـ "مسرح الجريمة"، ذلك المشهد الذي رأته في يومها الأول، حيث كانت طاولة الطعام محاطة بغموض، وحبل معلق بطريقة غريبة في أحد الزوايا.
كما قامت بتدوين بعض التواريخ التي وجدتها بعد أن استرقت النظر إلى مكتب توم في وقت سابق. تلك التفاصيل كانت تربط بين أحداث غامضة وأشخاصٍ معينين، ما جعلها تشعر بأن خيوط التحقيق بدأت تتشابك، وتقترب من كشف شيء ما.
على الوجه الآخر من اللوح، وضعت إيمي لمسة شخصية تجعل ما تفعله يبدو بريئًا. زينت اللوح ببعض الأزهار المجففة التي كانت قد قطفتها في أيام سابقة، وأضافت زينة ورقية ملونة لتضفي عليه طابعًا بسيطًا وعاديًا. أرادت أن تجعل اللوح يبدو وكأنه مجرد لوحة زينة في غرفتها، حتى لا تثير أي شكوك إذا ما لاحظ أحد وجوده.
كانت تتساءل إيمي عما إذا كان هناك شخص آخر يعرف شيئًا عن والديها، لكن لم يجرؤ أحد على الحديث. في أعماقها، شعرت أن هناك أسرارًا مخبأة، وأجوبة تنتظر من يكتشفها. كلما مرت الأيام،
في المقابل، كانت تجد الأمان والراحة مع توم ومارثا، حيث كانا يعاملانها بحب ودفء لا ينقصهما شيء، لكن حتى هذا الأمان لم يكن كافيًا لكبح فضولها الجارف. في بعض الليالي، كانت تجد نفسها غارقة في أفكارها، تتساءل عما إذا كان أحد من سكان البلدة يحمل سرًا عن والديها، أو إذا كانت هذه الشكوك ستقودها إلى اكتشاف شيء أعمق وأكثر غموضًا مما تتخيله.

أنت تقرأ
إيمي
General Fictionفي ميتم صغير على أطراف المدينة، تعيش "إيمي"، فتاة يتيمة تبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا. في يومٍ خريفي، يصلها خبر انها ليست يتيمه و ان والديها ينتضرنها. يتبع ذلك رحلة مشوقة إلى "سليندلاند"، حيث تقابل "توم"، الرجل الذي يكشف لها المزيد عن والديها متأمل...