في صباح يوم ربيعي مشرق، بدأت إيمي وتوم يومهما بالعناية بالمزرعة التي كانت مليئة بالحياة بعد شتاء طويل. نسيم الصباح كان عليلًا، يلامس أوراق الأشجار برفق، فيما كانت الشمس تسطع بلطف على الحقول الخضراء.
إيمي، وهي تشعر بالحنين لكل زاوية في المزرعة، كانت تمشي بين الصفوف المتراصة من النباتات المزروعة، تتفقد الأوراق والثمار. كانت تسحب الأعشاب الضارة بعناية وتتحقق من حالة التربة. بينما كان توم يمسك بالأدوات ويجهز كل ما يحتاجونه للزراعة والري. توم، بمهارته وخبرته الطويلة في العمل بالحقول، كان يعرف تمامًا ما تحتاجه الأرض في هذا الوقت من السنة.
قال توم بابتسامة هادئة: "إنها تبدو رائعة اليوم، أليس كذلك؟ أشعر أن هذه الأرض لا تزال قادرة على العطاء."
ردت إيمي وهي تتفقد نبتة خضراء: "نعم، إنها تنبض بالحياة. أشعر وكأنني أرى والدي في كل جزء منها."
بدا المشهد هادئًا ومليئًا بالانسجام بين الطبيعة والإنسان، فقد كان يومًا جديدًا يعيد فيه الاثنان بناء علاقتهما مع الأرض التي تعني الكثير لكليهما.
بينما كانت إيمي وتوم يعملان في الحقل تحت الشمس الدافئة، ظهرت مارثا، والدة توم، وهي تحمل صينية تحتوي على أكواب عصير بارد. تقدمت بخطى هادئة، كانت ترتدي قبعة من القش لتقي نفسها من الشمس، وقد بدا عليها الرضا وهي تراقب إيمي وتوم يعملان في المزرعة.وبابتسامة دافئة تعلو وجهها المجعد، وقالت بصوتها اللطيف: "ها هو العصير البارد، يبدو أنكما تعملان بجد منذ الصباح. كيف تسير الأمور هنا؟"
توقف توم عن العمل ومسح جبينه بيده، ثم أجاب بابتسامة: "الأمور تسير على ما يرام يا أمي. المزرعة في حالة جيدة، وإيمي تبذل جهدًا رائعًا."
إيمي، التي كانت جالسة على ركبتيها تفحص النباتات، نظرت إلى مارثا وقالت وهي تأخذ كوب العصير: "شكرًا لكِ، مارثا. العمل في المزرعة مريح حقًا، رغم الجهد. أشعر أنني أقرب إلى والدي هنا."
ابتسمت مارثا بلطف وجلست بجانبهما على العشب، وقالت: "أنا سعيدة برؤيتكما تعملان معًا، إذاً تأكدا من شرب شيء منعش. لا أريد أن أراكما تنهكان في هذا الجو."
كانت إيمي تعشق الطبيعة منذ صغرها، وترى الجمال في كل زاوية من المزرعة التي نشأت فيها. بالنسبة لها، لم تكن الأشجار مجرد نباتات شاهقة، بل أصدقاء صامتين يحكون قصصًا مع كل نسمة ريح تهب على أوراقهم. كانت تتنفس الهواء النقي بعمق، وتشعر وكأن الأرض تهمس لها بكلمات تشجيع وراحة.
كانت تستمتع بملاحظة التفاصيل الصغيرة التي قد يغفل عنها الآخرون. مثلاً، عندما تسقط قطرات الندى على أوراق النباتات في الصباح الباكر، تراها كأنها لآلئ تزين الأرض. أو عندما يتسلل ضوء الشمس بين الأغصان، تراه وكأنه رسمت أشعة الشمس لوحة من الذهب على الأرض. كل شيء حولها كان ينبض بالحياة والجمال.
إيمي كانت تحب أيضًا مراقبة الحيوانات الصغيرة وهي تتابع حياتها اليومية؛ كانت تراهم كأبطال قصص خفية، السناجب التي تقفز من شجرة إلى أخرى، أو الطيور التي تغني بألحان لم تتغير عبر الزمن. بالنسبة لها، كانت هذه المزرعة عالمًا من السحر البسيط، مليئًا بالألوان، والحركة، والإيقاع الطبيعي الذي يهدئ قلبها ويملأ روحها بالسكينة.
كل زهرة كانت تعني لها شيئًا؛ رائحة الورد كانت تذكرها بأمها، وألوان الخزامى كانت تعيد إليها ذكريات طفولتها. بالنسبة لإيمي، الجمال لم يكن في الأشياء الكبيرة فقط، بل في تلك التفاصيل الصغيرة التي تجعل الحياة اليومية أكثر إشراقًا وروعة.
كانت إيمي ترتدي ملابس زراعية بسيطة وعملية، قميصًا قطنيًا أبيض بأكمام طويلة مطويّة، وقبعة قش واسعة لحمايتها من الشمس، وحذاءً جلديًا متينًا مغطى ببعض التراب، و اضاف بعض التراب المعطى وجهها بعض اللون بوجهها، مما يعكس ساعات من العمل الشاق في المزرعة .
تحت قبعتها، كانت بعض خصلات شعرها متطايرًا بفعل النسيم، تحمل إيمي بيدها مجرفة صغيرة، وعلى الأرض بجانبها سلة لجمع المحصول. أما توم، فقد كان واقفًا على مقربة منها، يرتدي قبعة واسعة للاحتماء من الشمس، وقميصًا قديمًا بأكمام مطوية. في يده مجرفة أكبر، يستخدمها لتفقد التربة بحذر. كان توم يعمل بصمت، مركزًا على الأرض بينما يراقب إيمي بابتسامة خفيفة تعكس فخره بعملها الدؤوب.
كانا يحصدان الطماطم الناضجة بعناية، حيث تلتقط إيمي كل حبة بحذر وتضعها في السلة الخشبية التي بجانبها. لون الطماطم الأحمر كان يتناثر كالجواهر بين أوراق النباتات الخضراء الكثيفة، وملمسها الناعم في يدها جعلها تشعر بنوع من الرضا والتواصل العميق مع الأرض.
إيمي كانت تبتسم في صمت، مستمتعة باللحظة، وهي تشاهد الطيور تحلق في السماء الصافية وتسمع خرير المياه القادم من النهر القريب. كانت ترى في كل جزء من الطبيعة جمالًا خفيًا، حتى في أصغر الأشياء، مثل الضوء المتسلل بين الأوراق أو رائحة التربة بعد المطر.
أما توم، فكان منهمكًا في قطف حبات الطماطم الأكبر حجمًا، متفقدًا حال النباتات ومتأكدًا من أنها في حالة جيدة.
سألت إيمي بابتسامة، "توم، هل تعتقد أن هذه الطماطم ستكون جاهزة للاستخدام في السلطة التي سنعدها غدًا؟"
أجاب توم، وهو يضع حبة طماطم في السلة، "بالطبع! هذه تبدو مثالية. انظري إلى لونها ونضارتها، ستضفي طعمًا رائعًا على السلطة."
أضافت إيمي بحماس، "لا أستطيع الانتظار لتناولها. أعشق الطماطم الطازجة، خاصة عندما أتناولها من حقلنا مباشرة."
بينما كانت تتحدث، نظرت إلى مارثا التي كانت تقترب، وسألتها، "مارثا، هل لديك وصفة مفضلة لسلطة الطماطم؟ أود أن أتعلم كيف أعدها كما كنت تفعلين في أيام شبابك."
ابتسمت مارثا، "بالطبع، لدي وصفة سرية. سنقوم معًا بتحضيرها في وقت لاحق، وستحبين النتيجة. فقط تأكدي من اختيار أفضل الطماطم."
شعرت إيمي بالفرحة لوجودها في هذه اللحظة، متحمسة لاكتشاف أسرار الطهي مع مارثا، والشعور بالانتماء الذي كان ينمو داخلها مع كل يوم يمر.
مع كل حبة طماطم تُجمع وكل ضحكة ، بدأت إيمي تدرك أن هذا هو المكان الذي تنتمي إليه، وأن عائلتها الجديدة ستكون دائمًا دعمًا لها. وعندما نظرت إلى السماء الزرقاء ورأت الشمس تغرب، شعرت بالامتنان لكل لحظة تمر بها، وأدركت أن حياتها بدأت تأخذ منحى جديدًا مليئًا بالأمل والسعادة.
أنت تقرأ
إيمي
Ficción Generalفي ميتم صغير على أطراف المدينة، تعيش "إيمي"، فتاة يتيمة تبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا. في يومٍ خريفي، يصلها خبر انها ليست يتيمه و ان والديها ينتضرنها. يتبع ذلك رحلة مشوقة إلى "سليندلاند"، حيث تقابل "توم"، الرجل الذي يكشف لها المزيد عن والديها متأمل...