.
.
.
.أتأمل الأعوام التي مرت بين يدي، خلسة، وكأنها تهرب مني، من جلادها، من وباء، أحدق من زجاج النافذة إلى الطريق المعبد، والمباني المتطاولة، أفتش بعيني لعلي ألمح طيف الماضي المختبئ بين زوايا دنيانا هذه، وددت لو امسك به، أسأله عما فعلته، لماذا أضاع مني روحي، وتركها معلقة لا تدري أين تتجه، من دون جسد، تنهدت، أضع راسي على كتف الجالس بجانبي، يحني رأسه هو الآخر على رأسي، خصلات شعره الطويلة البنية تحجب عني شيئا من الرؤية، اتنهد فتبتعد بعضها عن وجهي، أبتسم بامتنان لما رفع شعره إلى الأعلى، أغمضت عيني، تذكرت لماذا أنا هنا، معه، انقبض قلبي، قلت أخاطبه
- هل سيكون بخير ؟
يجيب بصوته المبحوح
- عندما يراك لن يقدر إلا على أن يكون بخير .
- أتمنى ذلك، أدعو الله ليكون بخير ..
أغمضت عيني، أتذكر ما حدث تأتي ومضاته دفعة واحدة، إلى حيث ما جاهدت لأجله طوال سنين شبابي، إليه، نفسي القديمة ... تمنيت أن يكف عن عناده، يصالحني كما حدث ذلك اليوم، ينادي اسمي بصوتٍ هو أرق ما خلق الله ...
بدأ كل شيء، عندما كنت جالساً في الفصل، الأستاذ يأخذ بالحديث عن شيء ما أفهمه ولست آبه إن أنا لم أفهمه، إن كل ما يقوله الأساتذة في يومنا هذا ما هو إلا هرطقة دون معنى، أنهم يجتهدون في إيصال وجهة نظرهم ولعلهم بذلك يحاولون التأثير علينا نحن الطلاب، ممارسين حقهم كله في أن يكونوا بالغين ومعلمين؛ لعل ذلك يبث فيهم شعورا بالأهمية كونهم قادة جيل بكامله، ولكن نصائحهم لا تعدو أن تكون تجارب وأحاديث غير مؤكدة إنهم حين يبثون تلك النصائح إنما عن خجل، تراهم يخفضون أصواتهم هامسين وجلين، باد عليهم الارتباك، ولهذا فاني لا آبه لهم . لكن ما يشغل تفكيري الآن ليس إلا خبر عن قدوم طالب منتقل، ولسبب ما فإن قلبي مضطرب أشد الاضطراب إن هنالك ما ينذرني بقدوم الكارثة ولست مستعدا بأي حال لمواجهتها ...
كان يتفق لي في كثير من اللحظات ، أن أنزوي في أعماق فكري، مسرفاً في التأمل حد الغياب عن الوعي، ذلك في الأيام التي ينذر الغيم بالمطر، وتغرد الطيور وجلة من العاصفة، وفي أثناء سيري إلى الكلية، منقطع عن العالم، يأخذ التفكير شعوري، أغرق في رؤية الأشجار الخضراء صافية من كل غبار، غضة وكأنها ازهرت الساعة، اخشى ايامي واندب حظي العاثر، مع علمي انه مجرد كذبة، انطلت عليّ دون جهد، تأخذني اقدامي دون وعي الى وجهتي، لا أراني ابذل جهداً في اخفاء نفوري من كل شيء، انني وكما يبدو لي متشائم لسبب وجيه، ان الطالب الجديد قادم اليوم بالذات، وارى ان الخبر هد حصون روحي الهشة، وغدت متجردة من دفاعاتها، ادعو ان يمضي اليوم أسرع من ثانية تافهة، لكن بي شيء ينبئني أن خسئت ولن يكون مرادك مسموعاً؛ ولهذا انما انا متبلد انظر الى كل شيء بعين متقززة؛ أن ما لا طاقة لي به لا ضير واقع ، ولن يمر على خير، تصرفي بعدها .
أنت تقرأ
ميَّال الشَمس
Teen Fictionأتأمل الأعوام التي مرت بين يدي، خلسة، وكأنها تهرب مني، من جلادها، من وباء، أحدق من زجاج النافذة إلى الطريق المعبد، والمباني المتطاولة، أفتش بعيني لعلي ألمح طيف الماضي المختبئ بين زوايا دنيانا هذه، وددت لو امسك به، أسأله عما فعلته، لماذا أضاع مني روح...