11

84 8 8
                                    

.
.
.
.

ولد الطفل، ليس مع زغردة النساء، ولا تهليلات تهلل الله وتحمده، لكن مع أصوات نعيق الغربان، على أطراف، قرية مهجورة أضحت صحراء، هناك ولدت جنة التي أصبح اسمها عدن حين كبرت ...

صارت المولودة بعد عشرين سنة فتاة كبيرة، حسناء، عسلية العينين، حوراء، خصلات شعرها كستنائية ... لكنها وحيدة، مع والدها العجوز، وامها ماتت بعد أن بلغت جنة أربع سنوات.. كانت البيئة حيث هي الآن شديدة الحرارة، الرمال تدخل خيمتها، تعيث فيها الفساد، تشكو الحال إلى والدها لكنه لا يقوى على الحراك، يظل هنا، مع أبله، يعزيها قائلاً

- كانت حياة الإنسان أكثر صحة حين كان في البوادي!

لا ترضى جنة، لكنها تصبر، تحلب الإبل والمواشي، ترعاهم مع أربع كلاب، تركب ظهر الحمار، كل يوم من شروق الشمس حتى غروبها، تسير في الوادي اليابس، ولا تجد أمامها طعام إلا الشوك وشجيرات بلا ثمار، تتحسر على شبابها الضائع، تبكي في خيمتها، تتمنى أن يأتي أحد يخرجها من هذا الجحيم ...

ذات يوم، جف البئر الذي كانوا يشربون منه ويسقون الماشية، اضطر الأب إلى حزم خيمته، والرحيل إلى مكان آخر، لكن هذه المرة، اتجه إلى المدينة لما رأى حاله ومرضه الذي كاد يقتله، أراد على الأقل أن تعيش ابنته لتترحم عليه حين يموت، ولا تلعنه لأنه حبسها في الصحراء، حتى حدث ومات فعلاً عند مشارف قرية صغيرة، ضجت جنة باكية نادبة، حتى وإن كانت غير راضية على والدها، لكنها أحبته حبا عظيماً، خاصة وقد كانت وحيدته، خرج الناس من بيوتهم البسيطة ينظرون عجباً مما يرون، فتاة كاشفة الشعر، ترتدي اسمالا من جلد المواشي، تقبل عليهم ناعية والدها، ترتمي في حضن إحدى السيدات تشير الى الخلف حيث تركت والدها مسجى .
تربت السيدة على رأسها تهدئ روعها، تأمر ابنها بالذهاب إلى حيث أشارت جنة، فيذهب هو اخوانه الثلاث، ساروا حتى رأوا جثة شيخ أبيض الوجه والشعر، حتى ثيابه كانت بيضاء، وكأنه ارتدى كفنه بنفسه، حملوا جسده الميت على أكتافهم، وجاءت المشاية تسير خلفه، خلف راعيها، ما أن راتهم جنة حتى انهارت باكية، فقدت وعيها من التعب والحمى، من لوعة المصاب ...

مر شهر على تلك الحادثة، كانت جنة تسكن منزل السيدة، التي أخبرت جنة أنها كبيرة القرية بعد موت زوجها، كانت تحميها من رجال القرية الذي هاموا في حبها، حتى توافدوا أمام بابها يعرضون عليها الزواج، لكنها ترفض رؤية الناس، لا تريد شيئا من هذه الدنيا . حتى ذات ليلة باردة، وعلى غفلة من السيدة الكبيرة، يهجم على جنة أحدهم، يقتحم حجرتها، شخص ملثم، قاومته بكل ما امتلكت من قوة، حتى ضربته على رأسه بالعصى، ترديه قتيلاً، هربت من القرية، لا تأخذ معها إلا حقيبة والدها وحمارها، تنطلق إلى أرض لا تعرف فيها أحدا، ممزقة الثياب، نازفة الأنف، مزرقة الوجه من الضرب، تهرب!

ميَّال الشَمسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن