4

111 11 6
                                    


.
.
.
.

تنقضي الأيام، تمضي مسرعة، أحاول في خضمها أن أخرج شيئاً عالقاً في منتصف أفكاري، يريد أن يرى النور، كولادة جديدة، كشمس تشرق بعد العاصفة، لكنها تبقى هناك، تكافح دون أن تظفر بالنجاح، وأبقى أنا أقاتل التخمينات، استرجع الماضي وكأنه هو المفتاح لسجني، لقيودي، لحريتي، وحتى هو خائب من أن يفك وثاقي، إن أياما كهذه مرت عليّ، منقطع الأمل من الجميع ... هل ربما هذا قدري ؟ مصارعة أفكاري، وركاكة روحي ؟

انتهت الإختبارات، محملة بالسخط والسرور، وبين هذا وذاك ختمت سنة جامعية أخرى، اقتربت من التخرج، حتى أكون أخيراً قد دخلت عالم البالغين رسمياً، وكم كانت حماستي شديدة، لكني أخاف أيضاً من أنني لن أكون جديراً ببلوغي هذا، أخشى أن أصير نسخة من أولئك الرجال الذين نراهم في كل شارع، ممتلئين الجسد على نحو يثير في نفسي الرعب، وهذا الرعب إنما يدفعني للاشتراك في نادي رياضي، لكني بعد فترة، يأخذني البرود، الكسل، واصاب بتبلد لا أرجو إلا لو أكون قد حركت اصبع واحد، ولكل هذا أسباب وبواعث، فعندما انقضت الدراسة، وجدت نفسي أحن إليها وأريد الرجوع لأدرس فيها مرة أخرى، لكن مع مرور أسبوع للإجازة انعى سرعة موتها، ودنو أجلها، وانقضاء الراحة ... هذا التناقض بعينه هو ما يجعل منا بشرا، فلا مخلوق غير الإنسان يناقض نفسه، فاطمئن . لقد ودعت اصدقائي بحفاوة، ووعدتهم أن نخرج سويا، وعدت إلى السكن، جمعت كل شيء وحلقت إلى منزل اختي، كما وأني تجاهلت مصيبتي، عدن، الذي لا أعرف كيف أحبه الناس وعجبت كم يشبه المنافقون .

وأنا في حجرتي، مفكراً طرق الباب بهدوء، أخبر الطارق بالدخول، اطل رأس اختي من الباب، تساقطت خصلات شعرها على كتفها، ابتسمت لها، نهضت من السرير وذهبت إليها مثل طفل سعيد بعودة أمه، لطالما ذكرتني بها، وكم لها في قلبي من الحب، ضحكت وابتسمت، فتحت الباب وسحبت يدي إليها هامسه في أذني، خائفة أن يسمعنا حتى الهواء

- انظر في أمر حسن، إنه ومنذ اختباراتك يتصرف بغرابة.

- سأفعل حالا .

ذهبت إلى حجرته، في الطابق الأول، تتوسط حجرة أخيه الأصغر ووالديه، طرقت الباب ودخلت، كان نائماً والساعة قد تجاوزت العاشرة، إن لم يكن قد أدى الصلاة فلن أغضب فقط، بل سأغضب جداً! ندهت عليه، احركه حتى يستيقظ، دعك عينيه مهمهما، واستقام بدنه ينظر إلي عجباً، وما أن أدرك أني واقف أمامه حتى عادت حواسه دفعة واحدة، فبدى كالمصعوق وهو يهب واقفاً يحتضن خصري بين يديه، تبسمت، ماسحا على رأسه، واسأله بهدوء

- هل صليت الفجر ؟

هز رأسه إيجاباً، رفعت رأسه أرى وجهه النائم، بعثرة شعره البني، كما لو أنه مرآة عكست لي تفاصيله تلك الحرب المشتعلة في داخله، إنه يشبهني بكل تفاصيلي، ولما لم أفهم نفسي؛ أفهمها عنده، في سكونه، وبلاغة أفعاله الدالة عليّ .

ميَّال الشَمسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن