12

189 8 40
                                    


.
.
.
.


خرجت من القرية تحت جنح الظلام، خائفاً أترقب، أخشى أن رائحة الدماء سوف تجذب الكلاب، أخاف أن يلحق بي ذلك الوحش، أو أن يراني أحد على ما أنا عليه، سرت حتى طلع الفجر، ولم أسمع صوت الآذان، كنت على الحدود، رأيت الكلاب قد احاطتني في حلقة، تنبح عليّ بشراسة، صحت فيها ارغب في اخافتها؛ لكن صوتي لم يكد يحرك فيها شعرة واحدة، هجم كلب اسود من بينها، قفز عليّ يلتقط قدم سارة يهرب بها، أنا في هذا الوضع اليائس، تشبثت بجسدها، أغمض عيني، انقطعت حيلتي، ولم يعد أمامي إلا الدعاء، وجدت لساني ينادي باسم علي، استغيث به !

حتى دوى صوت طلقة نارية في الهواء، وقفت أمامي سيارة سوداء، تهرب الكلاب تاركة وراءها ما تبقى من ساق أختي، سجدت أرضا فاقداً روحي، وكل شيء، رفع أحدهم رأسي من شعري، جذبه بقوة ولم يعد عندي طاقة حتى للألم، حدقت في وجهه فارغاً، صرخ في وجهي

- فعلتها يا ابن الكلب ! قتلت !

أبعده واثق عني، جذبني من كتفي، يحاول أن يقرأ ما في عيني إلا أنها ميتة ولا شيء مكتوب على كفنها الأبيض

- ماذا حدث يا ولد ؟! أنطق!

ظللت شاردا لا أعرف ماذا حصل، وكأن أحدهم رمى في وجهي ماءا بارداً، شهقت بقوة، داهمتني رائحة الدماء، أنزلت رأسي إلى ما احتضنه، إلى أختي، تقيات على أقدام واثق، تنهد واستقام متقززا يمسح ينطاله بمنديل، ضحك آزر ساخراً منه

- هذا جزاء من يمثل الطيبة!

سحبني من ذراعي، سقطت سارة من بين يدي، ولم أعي بعدها أي شيء، غير أني استيقظت في المستشفى بعد ساعتين ...

كان رجال الشرطة متحلقين حولي، يسألونني وكأنني أخفي كنزاً

- ماذا حدث ؟

هذا السؤال ا'  لم اظفر بجواب له حتى في المستقبل، قصصت عليهم ما فعله أبي، اعطيتهم عنوان منزلي، وجدوه قد انتحر يترك في دمه رسالة لي

' لم يحملني قلبي على كرهك، قتلك، لم يحمل هذا القلب لك إلا عشقاً لا يعلمه لا الله، يا جنة ' 

بعد اسبوع، عدت إلى منزلي، خالي العروش، أما منزل علي، كان قد سكنته عائلة أخرى، هرب علي من بين يدي، ذهب كل من أحبهم بعيداً، رحلوا هكذا، كما ترحل نسمات الهواء، حتى حين اتصلت عليه فإنه لم يكن يجيبني، ورحت أهيم في الشوارع، يراني الناس مشفقين، أجلس في المسجد، لا احد يكلمني، أقضي ما فاتني من الصلاة، لكني بعد مدة، تركت حتى صلاتي، نسيت لمن كنت أسجد، ونسيت حتى كيف أقرأ القرآن، وجدت أن كل شيء قد ضاع من يدي، تلك اليد التي فشلت في إنقاذ سارة، حدقت فيها طويلاً، تنهدت

ميَّال الشَمسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن