وبعد السلام صلوا على خير الأنام ( اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد )،
----------
تشير عقارب ساعته للواحدة بعد منتصف الليل و ها هو لا يزال يذرف الدمع بجوارها بعدما خلع عباءة الصرامة والبرود و جلس يبكي كما لو لم يبكِ من قبل، يبدو أنه يحاول الحديث
حاول تحريك شفتيه حتى خرج صوتٌ من قاع الحزن والأسى:
" كل سنة وانتِ في الجنة،...ياريتني أقدر أكون معاكِ...بس....بس مش بإيدي... مش بإيدي أجيلك ولا بإيدي أرجعك... مابتغبيش عني لحظة... ولا لحظة... كل يوم جديد بحتاجك أكتر من اللي قبله... مفيش أي حاجة ماشية طبيعي كل حاجة ناقصاكي، كل حاجة عايزة لمستك تحليها....حياتي حزينة عليكي وهتفضل كدة لحد ما أجيلك ...( ثم على نحيبه وازداد سيل دموعه) كنت كداب في كل وقت اتخانقت معاكِ فيه على أي حاجة، أنا كنت بحب منك كل حاجة وعمري و الله عمري ما اتضايقت منك ولا من حركاتك وهزارك... احساسي بالذنب بيدبحني...عشان خاطري عشان خاطري سامحيني...عارف اني السبب...و عمري ما هسامح نفسي......."ظل يحاورها بكلمات مبعثرة كبعثرة مشاعره وحياته، و بعد مدة صمتَ كمن تغيب عن الوعي انقطعت شهقاته، وجفت دموعه، وارتاحت أنفاسه، اقترب من شاهد قبرها وقبله كأنه يقبل رأسها، نعم هذه عادته منذ فراقها يأتي ليرمي بآلامه عندها، ومن ثم يذهب لحياته البائسة ليواصل فيها بلا أهداف واضحة إلا هدف واحد وضعه نصب عينيه....
قطع الصمت السائد في أرض المقابر صوت خلفه، يبدو أنها خطوات ملهوفة مهرولة نحوه،
استدار ليرى ما كان يتوقعه." انت ناوي تجننا يا عم؟!، أمك وأبوك هيموتوا من القلق عليك، ده وقت تيجي فيه المقابر يا مختار؟!"
كان هذا الصوت الغاضب بشدة ينتمي لصديق عمره، نظر مختار أمامه بهدوء أقرب للبرود قائلًا بسخرية: " إيه مستنيني أطفي الشمع ولا ألحق حتة من التورتة؟ "
زفر الآخر بضيق من أفعال صديقه لكنه إلتمس له العذر واقترب واحتضنه بحب أخوي قائلًا: " كل سنة وانت طيب يا مختار وعقبال المية واحنا سوى يا صاحبي"
رتب مختار بهدوء على كتف صديقه وقال بنبرة مُتعبة: " و انت طيب يا محمد ، يلا "
أنهى جملته و اتجه لسيارته وخلفه صديقه الذي صعد جواره قائلًا بمزاح علَّه ينجح في إخراج صديقه مما هو فيه : " الراجل بتاع التاكسي اللي جبني هنا نزلني على أول الشارع و خلع الجبان، افتكرني ملبوس عشان جاي المقابر بالليل، مش مصدق انه فيه ناس قلبها ميت قاعدة فيها للساعة ٢ الصبح"
لم يكن مختار في مزاج جيد لمجاراة صديقه في الحديث فاكتفى بإبتسامة باهتة وفقط،
-------
مرت هذه الليلة التي تٌعد الأصعب في السنة بالنسبة لعائلة النيلي فهم لهم جرح يتجدد سنويًا في هذا اليوم، وبعد أسبوع كامل من هذا الموقف نقف الآن في هذا القصر العائلي أو كما يطلق عليه القصر الأثري بطرازه الكلاسيكي الفاخر حيث تسكن عائلة النيلي منذ ما يزيد عن مأتي عام، فيتغير الأشخاص و يظل القصر صامدًا.
أنت تقرأ
نصفي الآخر من عالم آخر
Fantasyلا أعرف في أي عَالَم نَشَأْتِي لكن يكفي أن قلبي عالَمَكِ الجديد 💥 صَلْبٌ أنا أقِفُ ضاحِكًا من العشق والعُشَّاقِ اسْتِهْزاءَ، و اليوم فَخْرًا أُقِرُّ بأنَّ فؤادي دونها يَمُوتُ لَوْعَةً و بُكاءَ.