الفصل الثاني و العشرين
كيف يمكن لأيامٍ أن تمر وهي أسعدها و أشقاها في نفس الوقت ؟؟ ... كيف يمكن حدوث ذلك ؟؟ .... ذلك السؤال هو الفكرة الوحيدة التي تطوف برأسها خلال الأيام الماضية ....
كيف يمكن أن يطير الإنسان على غيمةٍ من السعادة الوردية ... شاعرا بأن أساطير السعادة قابلة للتحقق على ارض الواقع ... بينما ما أن يختلي بنفسه حتى تنهادر كل دفاعاته و يسقط على ركبتيه باكيا باستغاثة .....
وها هو السؤال يتشكل في ذهنها من جديد .... و هي تدخل شاردة الى مقهى العمل , مقررة الا تبحث بعينيها كما تفعل كل مرة .... قرارا حاسما لا رجعة فيه ... يكفي جدا مزاحهما من باب الترفيه في أثناء العمل ... لكن بعد الخروج من المكتب و اختفاء السبب في الكلام ما الداعي للبحث عنه .....
أخذت نفسا عميقا و اتجهت الي طاولة القهوة الآلية و ما أن أعدت الكوب الخاص بها حتى استدرات لتبحث بعينيها عن ........
مقعد فارغ ... و أي شيءٍ آخر يمكن أن تبحث عنه !! ......
طافت عيناها الناعستان تبحث عن مقعدها المنشود .... الى أن وجدته ,,,, .... حيث صدمتها العينان القويتان اللتان تحاصرانها مؤخرا من كل اتجاه .....
تسربت زفرة متنهدة من بين شفتيها الخوخيتين ..... ومالت عيناها بأسى و كأنها تسأل نفسها .... وماذا بعد ؟؟ .... ماذا يقصد مما يفعله مؤخرا ؟؟ ......
هل هو بالفعل متغير أم أن كل ما يحدث هو مجرد وهم نسجه خيالها المرهق ... آآآه و كم هو مرهق بالفعل ....
حين نظرت اليه وهو يؤكد عليها الطلب بعينيه الحادتين الآمرتين ..... ابتسمت بمودةٍ وضعف , فرفع اصبعه ليشير اليها بأن تأتي اليه بثقة .... احتارت قليلا منه و هي تشعر وكأن في اشارته اليها حركة أمر هي غير معتادة عليها منه ....
لم تنظر حولها لتتأكد من إن كان أحدا قد رأى حركته تلك أم لا .... بل اكتفت بأن ابتلعت ريقها و هي تبتسم اليه مجددا باهتزاز ...........ثم اتجهت بتردد و خطواتٍ ضعيفة الى حيث يجلس ....
ما أن وصلت اليه و ساقيها تتخاذلان حتى ابتسم اليها وهو يشير بعينيه لأن تجلس على المقعد المقابل له ..... ترددت للحظات وهي تشعر بالتوتر , فقال عمر بهدوء
( هل من مشكلة ؟؟ ......... )
ابتسمت رنيم بضعفٍ وهي تهز رأسها نفيا ... ثم أزاحت المقعد لتجلس اليه مفرودة الظهر برشاقة .... محاولة تجنب عينيه ثم تنسى المحاولة للحظةٍ فيرصد استراقها النظر لتهرب من عينيه من جديد .....
رفعت كوب قهوتها الى فمها ببطءٍ وهي تتمنى أن يزيح الغيمة المحيطة بعقلها ....
قال عمر أخيرا مبددا الصمت
( كان العمل مكدسا اليوم ..... ولم يكد ينتهى نصفه )
رفعت رنيم نظراتها اليه مجفلة من حديثه , الا أنها اومأت مبتسمة ثم همست برقة
( نعم ..... لكنني لا أشعر بالإجهاد منه , لقد بدأت استمتع بكل لحظةٍ من العمل )
عقد عمر حاجبيه متجهما على الرغم من بقاء ابتسامته كما هي ... ثم قال بجفاء مزيف
( نعم هذا ما أراه ..... تبدين كطفلةٍ تزور مدينة ملاهٍ مختلفة كل يوم )
رفعت رنيم حاجبيها بدهشةٍ من تعبيره .... ثم قالت مبتسمة
( رغم اعتراضي على التشبيه ..... لكن لماذا تقوله وكأنك غاضب )
رد ببساطةٍ وهو يطوف بعينيه حول ملامحها الناعمة
( أنتِ مفتونة ........... )
انتفضت و سعلت بالقهوة الحارقة بقوة حتى دمعت عيناها و احتاجت عدة لحظات لتهدأ و قد بان القلق على عمر وهو يقدم لها منديلا ورقيا قائلا
؛( هل أنتِ بخير ؟ ........ )
سعلت مرة أخرى لكنها أومأت برأسها وهي تتجنب النظر اليه , ماسحة الدموع عن عينيها .... ثم تمكنت أخيرا من الهمس بصعوبة و تلعثم
( ماذا قصدت بمفتونة ؟؟ ......... )
ابتسم ببطء ... ولم يجب للحظات وهو يحاصر عينيها , الى أن قال أخيرا بهدوء و بساطة
( مفتونة بالعمل ............ )
ابتسمت قليلا بتردد و ضعف .... ثم همست
( وما الخطأ في ذلك ؟؟ .......... )
لماذا يطيل الصمت دائما قبل أن يجيبها و كأنه يدرس صدق كلامها أولا ..... زفرت بصمت الى أن سمعته يقول بهدوء
( لا يعقل أن يفتن الانسان بعمله ..... و هذا ما يقلقني )
ضحكت بعصبية وهي تمسك بفلفافة سكر من أمامها و تلويها بتوتر بين أعصابعها الى أن انفجرت المسكينة من شدة الضغط و انساب السكر الأبيض على الطاولة بينهما ....
عادت لتضحك بعصبيةٍ مرة أخرى وهي تلملم السكر بالمنديل الذي مسحت به دموعها منذ لحظات وهي تشعر بغضب من كل شيء ... من ضمن مشاعرها المتناقضة هذه الأيام
( دموعكِ المحلاة ........... )
رفعت عينيها الحزينتين اليه حين سمعت عبارته .... لكنها وجدت وجهه هادئا مبتسما كالعادة , فهمست بحيرةٍ تتأكد
( ماذا قلت ؟؟ ......... )
رد عليها عمر بعد لحظة .....
( المنديل ..... اصبح يحوي دموعكِ المحلاة )
نظرت الى المنديل بين اصابعها ثم رفعت عينيها الي عينيه وهمست
( ماذا تقصد ؟؟ ......... )
هز كتفه بخفة ثم قال بلهجةٍ عادية
( لا شيء ..... مجرد عبارة ناسبتكِ )
مجرد عبارة ناسبتكِ ؟؟ ...... مجرد عبارة ناسبتكِ ؟؟؟ ...... ماذا من الفترض بها أن تفهم من تلك الجملة ..... ايكون هو من خط العبارة في مفكرتها من قبل ؟؟ .....
لا ... لا ..... ولما يكذب عليها ؟ ...... بالتأكيد ليس هو ....
احنت رأسها حتى انسابت خصلة من شعرها الى وجهها المنحني الحزين ..... فمدت يدها لترفعها و منها الى جبهتها وهي تدلكها بحيرةٍ و عجز ......
أنا أنزلق .... أنا أنزلق بسهولة جدا ......
تنهدت بتعب .... هي فعلا متعبة جدا .......
أفاقت على منظر طبق الحلوى بالشوكولا يقترب منها ببطء .... فنظرت اليه وكأنه جسم غريب ... ثم رفعت عينيها الى عينين عمر المبتسمتين وهو يقول
( تفضلي .......... )
ابتلعت ريقها وهي تنظر منه الى الحلوى وكلاهما أحلى من الآخر ....... ثم تمكنت من الهمس أخيرا مبتسمة برقة
( لا ..... لا شكرا , تفضل أنت .... لقد امتنعت عن الحلوى منذ فترة , لا أملك سوى القليل من الرشاقة و أريد المحافظة عليها )
هل حادت عيناه للحظات أم أنها تخيلت ذلك ؟ ..... لا .... من المؤكد أنها تتخيل فها هو ينظر لعينيها مبتسما دون أن ترف عيناه .... ثم قال أخيرا بحزم مازح خافت
( كليها يا رنيم ... هذا أمر )
نظرت اليه قليلا بدهشةٍ مرحة ثم ما لبثت أن ضحكت برقة ...... لكنها رفعت كفها لتستنذ بذقنها اليها ناظرة اليه مبتسمة و شردت للحظاتٍ في آخر جلسة ٍ لها مع طبيبها الخاص بالعلاج الطبيعي ...
حيث قال لها مستاءا ( لقد زاد وزنك ثلاثة كيلو جرامات يا رنيم ... و تلك زيادة كبيرة على عمودك الفقري )
تجنبت رنيم الرد عليه و هي تشعر بالإحراج من تلك السخافة في قياس وزنها كل مرة .... لكنه لم يترك لها الفرصة حين أكمل بهدوء
( رنيم ... متى ستتزوجين ؟ .... اخشى أن مسألة الحمل يجب أن نناقشها بوضوح يوما و أنتِ دائما ما تتهربين .... الوزن الزائد يتعارض مع الشرائح التي تم تركيبها لكِ ...... و نحن يجب أن ..... )
حينها قاطعته بحزم قائلة بأنه يستبق الأمور ... و يناقش أمورا في علم الغيب ....
مخفية في نفسها أنها ستحمل و تنجب أطفال حتى و لو اجتمعت كل الظروف ضدها ......
لم تدري أنها اثناء شرودها كانت عيناها قد امتلأتا بالدموع دون أن تتساقط ..... لكنها أفاقت على صوت عمر يقول بصوت خافت مهتم
( رنيم ...... هل تبكين ؟؟ ...... )
رفعت عينيها المبللتين اليه بسرعةٍ و صدمة ..... لكنها رمشت بعينيها عدة مرات بسرعةٍ وهي تحاول استخدام المنديل مرة أخرى وهي تهمس ضاحكة بحزن
( لا ..... لا ..... لقد مرأ شيئا ببالي فحسب , أنا لست بتلك السخافة طوال الوقت )
منعها من استخدام المنديل ذو السكر مرة أخرى وهو يناولها منديلا آخر ..... فمسحت طرف عينيها وهي تحاول جاهدة الحفاظ على ابتسامتها ... لكن حين نظرت اليه وجدت ان ابتسامته قد اختفت و عينيه فقدتا مرحهما وهو ينظر اليها نظرة عميقة جدا , شعرت بالخوف من تفسيرها ....
لكنها أصرت على تجاهل احساسها فتناولت الشوكة البلاستيكية و غمرتها في قطعة الحلوى لتخرج بقطعةٍ كبيرةٍ سرعان ما التهمتها بكامل فمها وهي تنظر اليه مبتسمة قائلة أثناء تلذذها بطعمها
( الإنسان يحيا مرة واحدة ..... لذا سأمتثل لأوامرك سيدي المدير )
ابتسم قليلا بحنانٍ أفلت من عينيه و كأنما رغما عنه .... فتناولت قطعة أكبر بسرعةٍ أعلى وهي تحاول أن تهدىء من نبضات قلبها المجنونة .....
قال لها عمر مبتسما أثناء هجومها الشرس على قطعة الحلوى ....
( سآخذك معي غدا في زيارة لبعض المواقع ........ )
تحشرجت في البلع قليلا .... وهي تعود لتفكر , أنه من المؤكد الآن هناك شيئا غريبا ..... انه يعاملها كحالةٍ استثنائية و هي تعتقد أن الجميع قد بدأو يستشعرون ذلك ..... من طريقة معاملتهم لها .....
لكنها لا تستطيع اتخاذ خطوات ابتعاد تكتيكية بالرغم من ذلك ..... لا تستطيع ....
ملأت فمها بقطعةٍ كبيرةٍ ذات شوكولا ذائبة وهي تفكر بوجوم ....... انها تنزلق بأسرع مما تتخيل .......
أنت تقرأ
بأمر الحب 🌺بـقـلم تـمـيـمـة نـبــيـــل 🌺
Romanceأهو ذاك العذر الذي تتشبث به حين تتسرب الى حياة الآخرين ... متشربين كل ذرة من أرواحهم ... معللين الإمتلاك وكأن العذر مبرر أنه بأمر من الحب حين نراهن لتربح قلوبا.... دون أن ننظر إليها ..... دون أن نشعر بما تنبض به اتحتوينا أم خدعنا أنفسنا من ا...